عُلمَاء وعُمَلاء!

عين الحقيقة/ كتب/ د/مصباح الهمداني

شتَّان ما بين عالمٍ عامِل، وعالمٍ عميل، 
فالأول يغرسُ جسده في وطنه، كما تغرس النخيل في الصحراء القاحلة، فتواجه الرياح والأخطار، وتنبت أطيب الثمار. 
والثاني يُرعِدُ ويُزبِدْ، وما إن يرى مصالحه تتعرَّضُ للخطر؛ حتى يبيعُ الأرض والعِرض ويولي هاربًا كالجِرذ!

في الأولِ رأينَا كبارَ العلُماء، حين تعرضَ الوطَنُ للغزوِ؛ فلم يقوموا بالخُطبِ الرَّنانة، والمحاضراتِ الفتَّانة، للدفعِ بأبناءِ الناس إلى الموتِ، بينما يرقدُ أبناؤهم في البيوت؛ بل شاهدنا ما يهزُّ الأبدان، ويُوجِلُ القلوب، ويحرك الضمائر، فلقدْ كانتْ الجبهات تروي بطولات أبناء وأحفاد كبار العُلماء، وكانت العاصمة تستقبلُ جثامين هؤلاء الأخيار الصاعدين نحو العلياء، المُرتقينَ نحو السماء، وعلى سبيل المثال لا الحصر، صعَدَ ثلاثةُ أحفاد لعلامة اليمن الكبير السيد محمد بن محمد المنصور، وكذلك صعد أحفاد العلامة الزاهد حمود بن عباس المؤيد، ولك أن تضع قائمةً طويلة جِدَّا لأبناء وأحفادِ كبار العلماء، وستجدُ في بدايتها أبناء العلامة العابد المجاهد بدر الدين الحوثي، وستجدُ نهايتها طويلةً عريضة، بطول الجبهاتِ وعرضها، ولن تجِدَ عالمًا أو أسرة عِلمْ؛ إلاَّ ولها بصماتٌ حاضرة في كل جبهةٍ أو مقبرة!

ومع الحديثِ عن الصنفِ الأوَّلْ، حيثُ كان اجتماعُ عُلماء اليمن، وهم يندِّدون بالتطبيعِ مع العدو الصهيوني، وكم استوقفتني كلمة مفتي الديار اليمنية، العلامة شرف الدِّين، ذلك الذي قدَّمت أسرته عشرات الشهداء، وهو يُلقي خطابًا انتزعَ كلماته من قلبه الثائر وروحه الثورية، وإيمانه العميق، وهو يقول:
” إن لم نتحرَّك فلسنا رِجالاً فضلاً على أن نكون عُلماء”، وردَّدها صارخًا بصوته الجهوري، والذي تشعرُ أنه نابعٌ من أقصى الشرايين ليستقرَّ في الروحِ والبدن وهو يقول” ألسنا برِجال”!
قالها بعدَ أن مدَّ يد السلام وناشَدَ الهاربين بحقِّ الإخوة والدين، وبحقِّ الوطن والعِرض؛ أن يُقبِلوا إقبالَ الرِّجال، وأن يتم الصُّلح والإصْلاح، وأن تنتهي هذه الحربُ الوحشيةُ الإجراميةُ البشعة.

وكم كان مؤثرًا وهو يسردُ بعض التفاصيل، بِدءًا بقبول القرارِ الأممي2216 وبعضَ ما يجِبُ على العلماءِ والحكماء والساسة.

وحين نتحرك إلى الصنفِ الثاني، نجِدُ ما يشيبُ لهُ الوِلدان، وتقشعر له الأبدان، فالعُلماء العُملاء، يُفتُون ويُرشِدون ويخطبون على هوى الحاكِمِ الخَرِفِ سلمان؛ فخطيب الحرم السديس يعلنها صراحة ويقول”سلمان وترامب يقودان العالم والإنسانية إلى مرافئ الأمن والسلام والاستقرار والرخاء وأسأل الله أن يسدد الخطى ويبارك في الجهود”
ولأن القلوبَ عند بعضِها، وفلتات الألسنة تكشِفُ بعض المكنون، فلم يكن من المصادفة فتوى مفتي السعودية بعدم جواز مساعدة حزب الله في حربه ضد اليهود، بل وفي مقابلةٍ له يُسمي اليهود مسلمين!
ولأنَّ الصَّهاينة يُقابلون الوُدَّ بالود فقد وجه وزير الاتصالات الإسرائيلية أيوب قارا دعوةً صريحة لمفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ لزيارة تل أبيب” عبرَ تغريدة في تويتر، ومع الدعوةِ فقد بارَكَ الوزير للمفتي ما قال إنها فتواه ضد الحرب وضد قتل اليهود وقوله أن حماس منظمة إرهابية.

ومن بركاتِ ترامب إلى بركات المِفتي، إلى دعوات إمام الحرم، فقد بدأت الزيارات والتطبيع على المكشوف، ولم يكن السماح واستقبال الصحفي اليهودي بن تسيون إلى الحرم النبوي، والتقاطه الصور من داخل الحرمِ وخارجه؛ إلا عربونَ ثقة من عُلماء الوهابية إلى حاخامات اليهود.

ولأن المجاري جميعها تتجمع في حفرةٍ واحدة؛ فقد التحقَ الذيلَ بالرأس، واجتمعَ الخائب على شبيهه، فقد كان الزنداني وصعتر أولَ الفارين من المعركة، وبغض النظرِ عن الحق والباطلِ؛ إلا أنهما هربا من المواجهة، ولم يقاتلا قتال الأبطال، ولم يكونا صادقين في قصص الحور العين، والتي دفعوا بها آلاف الشباب للقتالِ في أفغانستان والعراق وغيرها، وحين حمي الوطيس كانا من أشدِّ الناسِ خوفًا على حياتهما، وحياة أبنائهما، ولم يكتفيا بالهروب، ففي كل يومٍ لهما هناك؛ فضيحة.

وآخر تلك الفضائح؛ تصريح صعتر ضد المغتربين، بأن أكثرية منهم تتبع الحوثيين، وكأنَّ الملعون لم يكتفي بالحرب وأضرارها، وإنما أرادَ أن يقصِم ظهر المغتربين، ولأن الأعور قليل بصر فلم يكتفي بتصريحه السابق والذي قال فيه بأن يموت 24 مليون ويعيش مليون فقط!

إننا اليومَ نعيشُ مرحلة فاصلة، بل هي كما قال القائد الشهيد” زمن كشفِ الحقائق” وكل يومٍ تتضحُ الصورة أكثرَ وأكثرَ، ومع كل حدثٍ نُدرِك عظمة وصدقَ ونور ونورانية وعرفان عُلمائنا، ونتبيَّن بجلاء قُبحَ وخسة وعمالة عُلماء الوهابية وأذيالهم.

ومن هنا فإنني أناشِدُ كل مسئول أن يحمي صنعاء الطهارة والثورة والعزة والكرامة، بل وينقيها من كلِّ خطيبٍ ما يزالُ في قلبه ذرةٌ من وهابيةِ التطبيع، أو عِرق من عروق العمالة، 
فالمساجِدُ كالجبهات، لابُدَّ أن تبقى قويةً إيمانيةً نقيةً ثابتة وطنية!

 

قد يعجبك ايضا