تضطلع ممالك البترودولار بدور تخريبي في المنطقة، من خلال حكومات تابعة للاستعمار الغربي الجديد المتمثل بالإمبريالية والصهيونية العالمية، التي تسيطر على مفاصل القرار السياسي والعسكري والاقتصادي في الخليج العربي، وتستغل الثروات والموارد لتمرير خطط ومشاريع استعمارية واسعة النطاق.
موقع «غلوبال ريسيرش» العالمي نشر مقالاً عرض فيه للدور التآمري والمشبوه الذي يمارسه (أبناء زايد) في أبوظبي لزعزعة استقرار الدول وأمنها، فقد عملت أبوظبي على التعاقد مع شركات أمريكية متخصصة بتدريب المرتزقة والعصابات الإجرامية من خلال شركة (بلاك ووتر)، وكشفت التقارير عن مجموعات كبيرة ومتعددة من الجنسيات المختلفة تم استقدامها للأراضي الإماراتية وتدريبها على أيدي خبراء أمريكيين وبريطانيين وفرنسيين. وتحدثت تقارير نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» عن إرسال أبو ظبي سراً مئات المرتزقة الكولومبيين إلى اليمن للمشاركة في الحرب الأمريكية- الخليجية عليه، مؤكدة وجود ما يقرب من1800 من الجنود الأمريكيين اللاتينيين الذين تم تجنيدهم ضمن برنامج أشرف عليه إريك برنس مؤسس شركة «بلاك ووتر» والذين تلقوا تدريباتهم في صحراء الجزيرة العربية.. هذه القوات المرتزقة تتقاضى ما يقارب 1000 دولار كل أسبوع مقابل قيامها بعمليات حربية وعسكرية في اليمن، وأكدت الصحيفة أن اختيار الكولومبيين يعد ضرورياً وانتقائياً لقدرتهم الفائقة في حرب العصابات، أما المهمة الدقيقة للكولومبيين في اليمن فما زالت غير واضحة.
الدعم الخليجي للمشاريع الأمريكية في المنطقة يأخذ مساراً ثابتاً من خلال الحرب على اليمن التي اتضحت بصراع اقتصادي سياسي على المنطقة الأكثر غنىً بالموارد والموقع الاستراتيجي. فمازالت واشنطن تقدم دعماً لوجستياً ضمن العمليات العسكرية من خلال الغارات الجوية، وأرسلت وزارة الحرب الأمريكية فريقاً متخصصاً للأراضي الخليجية، مهمتهم تقديم معلومات استخباراتية لقوات التحالف خاصة الإماراتية التي تقوم بضربات جوية وعمليات عسكرية منتظمة.
والمثير للاهتمام بحسب صحيفة «نيويورك تايمز» هو البرنامج التدريبي الذي تموله أبو ظبي باستخدام المرتزقة الكولومبيين وغيرهم بشكل كبير الذي انطلق منذ عام 2010 في الأراضي الكولومبية، وتم تنفيذه تحت رعاية وإشراف خبرات أمريكية وبريطانية. وكشفت وسائل إعلام مختلفة محلية وأجنبية قيام شركة إماراتية تحت اسم (ريفلكس كونسولياس) بتنفيذ عقود لاستقدام مرتزقة من شركة «بلاك ووتر» لاستخدامهم في اليمن، وحسب تصريح للضابط الإماراتي عيسى سيف محمد المزروعي – وهو الشخص الأكثر تورطاً وانخراطاً بالقوات المنتشرة في اليمن – فإن «العقد الذي قدر بـ (529) مليون دولار لعام 2015، أتى ليفي بمتطلبات المرحلة».
وعليه أصبحت الحالة العامة في المنطقة العربية في الآونة الأخيرة محط أنظار العالم بأجمعه، خاصة الوسائل الإعلامية، تجاه مملكة بني سعود وتعاملها مع الدول المجاورة ابتداء من الأزمة مع قطر والعلاقة المتوترة مع الإمارات التي دخلت الحرب على اليمن انطلاقاً من مصالح ومنافع اقتصادية وسياسية. فقد تزايد القلق الأمريكي من تصاعد النفوذ الإماراتي في منطقة الخليج العربي ومناطق إفريقية ساحلية، وبشكل خاص في اليمن، فقد تحدثت صحيفة «واشنطن بوست» عن دور الإمارات التآمري في عرقلة جهود السلام باليمن، مؤكدة من خلال رسائل مسربة رفض أطراف يمنية اتفاق وقف إطلاق النار الذي تبنته واشنطن في وقت سابق وسعت إليه بعض الدول. إضافة لعرقلة المحاولات الأمريكية للتوصل لتسوية سياسية في اليمن، زاعمة أن ولي عهد أبو ظبي حث المسؤول اليمني على التمسك بموقف رافض لدعوات التهدئة الأمريكية، في إشارة للنتائج التي توصلت إليها تحقيقات أجهزة الاستخبارات الأمريكية بشأن الدور الإماراتي في قرصنة وكالة الأنباء القطرية (قنا)، وافتعال الأزمة الخليجية مع قطر، ما أدى لانشقاقات بين حلفاء واشنطن وإلحاق الضرر بالمصالح الأمريكية.
وفي سياق متصل، تعد الإمارات باب المندب امتداداً طبيعياً لأمنها القومي المتمثل (بموانئ دبي العالمية) التي طورتها على حساب إضعاف هذا الممر وممرات أخرى في الإقليم، وبذلك حاولت مراراً الحصول على امتياز إدارة الموانئ في عدن، لكنها لم تفلح حتى عام 2008، عندما تم إبرام اتفاق بين الحكومة اليمنية وحكومة أبوظبي (لتطوير الميناء)، واستلمت شركة (موانئ دبي العالمية) العمل في ساحل خليج عدن بنسبة تصل إلى 20%. كما حصلت على امتياز لتشغيل الميناء وحق التصرف بالمحطتين التابعتين له (كالتكس والمعلا) وبعد إعلان بني سعود عن «عاصفة الحزم» في اليمن شاركت أبو ظبي بالعملية العسكرية بشكل فاعل وأنظارها تتجه نحو عدن والموانئ بصورة خاصة، لضمان بسط نفوذها فقادت هجوماً برمائياً في صيف 2015، وبعد النجاح الذي حققته عسكرياً على طول الشريط الساحلي، سعت بالضغط على الرئاسة اليمنية لتوقع عقداً مدته 99 عاماً يتم من خلاله تحويل جزيرة سقطرى اليمنية لقاعدة عسكرية إماراتية يتم من خلالها أيضاً إدارة الموانئ البحرية اليمنية للمدة نفسها، وهو ما رفضته مملكة بني سعود، ودفعت منصور هادي لرفضه.
وبالرغم من تصاعد الصراع في عدن بين القوى المختلفة، فإن المخطط الأمريكي واضح المعالم ومتمثل في تعزيز التقسيم، ومنح (السلفية الجهادية) دوراً وحضوراً وسيطرة لتقديمها للرأي العام العالمي بأن القوى المسيطرة على الجنوب هي تنظيما «القاعدة» و «داعش» الإرهابيان، وأيضاً الإيحاء بأن القوى المتصارعة تستعين بالمجاميع والقيادات (السلفية الجهادية). وتحدثت تقارير غربية حقوقية عن شبكة سجون سرية موجودة في اليمن تديرها أبو ظبي، ويخضع فيها المعتقلون لصنوف مختلفة من التعذيب، وتوجد هذه السجون داخل قواعد عسكرية ومطارات وموانئ يمنية عدة، ولعل الدعم الإماراتي لانفصال الجنوب اليمني يثير شكوكاً متزايدة عن دور (أبناء زايد) في زعزعة استقرار المنطقة ككل وتفكيكها. وتصاعدت حدة الصراع بعد إقالة محافظ عدن من منصبه، والقيادي السلفي هاني بن بريك من منصب وزير الدولة، وكلاهما لا ينفيان الدعم الإماراتي لهما، ما دفع الأول لرفض قرار الإقالة إلى أن تم إعلان انفصال محافظة عدن وقيام ما سمي بدولة الجنوب.
واللافت أن تلك التطورات جاءت بعد أقل من شهرين على قصف الإمارات قوات الحماية الرئاسية التابعة لمنصور هادي، ومنع طائرته من الهبوط في مطار عدن الدولي. وفي وقت لاحق، اتجهت «حكومة هادي» لاستئناف إنتاج النفط في عدد من المحافظات الجنوبية لكن المفاجأة كانت أن الإمارات رفضت السماح بنقل كمية النفط المخزنة في منشآت الميناء إلى الأسواق العالمية.
ولا يمكن فهم طبيعة الدور الإماراتي في اليمن من دون النظر إلى إيوائها (أحمد) نجل الرئيس اليمني السابق (علي عبد الله صالح) وهو قائد قوات الحرس الجمهوري سابقاً. فقد كشف تقرير نشره موقع (ميدل أيست أي) أن دولة الامارات دعمت فرقاء وجماعات يمنية بمبالغ وصلت لمليون دولار، عن طريق نجل الرئيس صالح.
وفي السياق ذاته، لعب (بن سلمان بن سعود) الدور الأبرز في تنازل المملكة عن دور الشقيق الأكبر لدول الخليج طواعية لصالح بن زايد الذي شب عن طوق أبيه وأخيه، وأراد أن يقحم بلاده في أدوار لم تعهدها. فقد نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى تقريراً للكاتب سيمون هندرسون قبل تعيين بن سلمان تحدث فيه عن نفور بين بن نايف وولي عهد أبو ظبي الذي يعرف أن لديه تأثيراً كبيراً في بن سلمان وأتت أزمة قطر لتزيدهما قرباً. مضيفاً: إن بن سلمان وبن زايد يتشاركان الاعتماد على واشنطن في تنفيذ خططهما. ويدير بن زايد أبو ظبي، التي تحتوي على معظم احتياطات النفط في الإمارات، منذ تعيينه نائباً لولي العهد عام 2003، ثم إلى ولاية العهد عام 2004 بعد وفاة والده المؤسس، ليكون الحاكم الفعلي للبلاد مع اشتداد المرض على أخيه خليفة وهو الوضع المشابه كثيراً للملك سلمان بن سعود ونجله، ما يجعل الشراكة بينهما متشابهة وذات مخارج متوافقة بالرغم من تنافر المصالح والأهداف تجاه بعض القضايا.