تجويع اليمنيين… «مهنة» الخاسر في الميدان

 

لا تتخيّل هادي وعصابتك أنك ستعود وتحكم بعد هذه الأنهار من الدماء التي سقطت»، بهذه العبارة توجه الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح إلى الرئيس المستقيل عبد ربه منصور، في أيلول الماضي، متّهماً هادي و«القوى الرجعية الإمبريالية الأميركية البريطانية الصهيونية بعرقلة التسويات السياسية».

حينها، وصف صالح السعودية بـ«العدو التاريخي للشعب اليمني»، والعمليات العسكرية التي تقودها بحجة إعادة هادي بـ«العدوان البربري الغاشم»، مضيفاً أن المواجهة الحالية مع الرياض «ليست الأولى، فقد حاربت السعودية اليمن قبل عام 1934 وبعده، وكذلك في عام 1962».
كان ذلك قبل أقل من 3 أشهر من مبايعة صالح لـ«عدو اليمن التاريخي» وشنّ طائرات «العدوان البربري» أكثر من 50 غارة في محاولة بائسة لإنقاذه وإخراجه من العاصمة التي ظنّ ذات يوم ليس ببعيد أنه الحاكم الناهي فيها، والطرف الذي يقرر من يمكنه العودة إليها ومن لن يعود أبداً.
اليوم، تبدو العاصمة وشوارعها في يد حركة «أنصار الله»، التي نظمت في الأيام الثلاثة الماضية، التي أعقبت مقتل الرئيس السابق، تظاهرتين كبيرتين، ودعت إلى ثالثة، اليوم، نصرةً للشعب الفلسطيني واستنكاراً لإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أول من أمس، أن الولايات المتحدة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وستنقل سفارتها إلى هناك.
وبحضور رسمي وشعبي واسع، ودّعت صنعاء «شهداء وأد فتنة زعيم ميليشيا الخيانة»، أمس، وشيّعت في ميدان السبعين «58 شهيداً من الأمن والجيش واللجان» قالت وزارة الداخلية إنهم «أحبطوا مؤامرة العدوان وأخمدوا نار الفتنة إلى الأبد».
وإن كانت «الفتنة قد أخمدت»، فإن سياسة التدمير والتجويع السعودية مستمرة. وفي هذا السياق، كشفت وكالة «رويترز» أمس، وفق تحليل أجرته لبيانات الحركة في الموانئ وتتبّع السفن نشرت نتائجه أمس، أن «مملكة الخير» تمنع وصول شحنات الوقود إلى اليمنيين، لا سيما ميناء الحديدة، أكبر موانئ اليمن، الذي لم يستقبل أي شحنة وقود لأكثر من شهر نتيجة الحصار المفروض.
ونقلت الوكالة الإخبارية عن مصدر في لجنة الأمم المتحدة للتحقيق والتفتيش في اليمن، وهي الجهة المسؤولة عن تفتيش السفن، أن «قوات التحالف الذي تقوده السعودية رفضت السماح بدخول ناقلات إلى ميناء الحديدة رغم موافقة الآلية المتبعة ورغم محاولات متكررة من جانب السفن للوصول إلى الشعب اليمني»، مشيراً إلى أن «التحالف ردّ ما يصل إلى 12 ناقلة في الأسابيع الأخيرة، وأن الأمم المتحدة لا تعرف متى سيسمح التحالف لناقلات الوقود بإفراغ حمولتها في الموانئ».
وأضافت «رويترز» أنه إثر ذلك، «فإن المناطق الأكثر تضرراً من جراء الحرب وسوء التغذية والكوليرا»، وهي تلك الواقعة شمالي البلاد، «لا تستطيع تشغيل المولدات التي تحتاجها المستشفيات للعمل، وكذلك لا يمكنها الطهي وضخ المياه». وأشارت كذلك إلى تداعيات انقطاع الوقود على «حركة نقل المواد الغذائية والمساعدات الطبية في أنحاء البلاد».
ويأتي التقرير بعد أقل من أسبوع من تحذير الأمم المتحدة من نفاد الوقود جراء إغلاق منافذ البلاد من قبل تحالف العدوان، مضيفة أنه «نتيجة لنقص الوقود ستتأثر منظومة المياه والصرف الصحي والنظافة العامة التي تديرها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، والتي تهدف إلى مواجهة اندلاع الكوليرا».
وقالت المنظمة إن لهذا الحصار «تداعيات على 6 ملايين شخص يعيشون في مناطق يزداد فيها خطر تفشّي الكوليرا»، متابعاً «هناك ما لا يقل عن مليون طفل يمني دون عامهم الأول سيواجهون خطر الإصابة بأمراض، من بينها شلل الأطفال والحصبة، إذا تسبّب إغلاق المنافذ الجوية والبحرية والبرية في منع وصول اللقاحات».
بدورها، كشفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر «نفاد الوقود من شبكات المياه في تسع مدن، ومن بينها الحديدة»، وهو ما أكّده مدير مكتب «منظمة الأغذية والزراعة» التابعة للأمم المتحدة في اليمن ستيفن أندرسون، الذي حذّر مجدداً من خطورة منع وصول المساعدات الغذائية واحتمال أن يؤدي ذلك إلى «أكبر مجاعة شهدتها البشرية منذ عقود طويلة».
وتفيد الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة بأن نحو 17 مليون يمني يعانون من الجوع، بينهم 7 ملايين يصنفون في «حالة خطرة»، في حين تحذّر المنظمات الحقوقية من أن «50 ألف طفل يمني سوف يموتون بسبب الجوع والأمراض بحلول نهاية العام الحالي، في حال لم يرفع التحالف حصاره».
وبعيداً عن الحصار، تواصل طائرات العدوان غاراتها على مختلف المحافظات، في حملة جوية تصاعدت حدّتها عقب مقتل صالح الذي كان يشكّل ورقة سياسية مهمة للرياض وأبو ظبي، كانت لتكون المخرج الوحيد من حرب الاستنزاف التي كبّدت «التحالف» خسائر بشرية ومادية ضخمة. ولعل الدولة التي منيت قواتها بالخسارة الأكبر هي السودان، التي قال رئيس وزرائها السابق الصادق المهدي، أمس، إن «الظروف المضطربة في اليمن تفرض على السعودية ومصر ودول عربية أخرى وضع حدّ للاستقطاب الحاد داخل مجلس التعاون الخليجي»، داعياً «الملك سلمان بن عبد العزيز إلى إعلان وقف لإطلاق النار وتبنّي لقاء جامع لكل مكوّنات اليمن السياسية للمصالحة والاتفاق».
وجاء تصريح المهدي في بيان صحافي وصف فيه مقتل صالح بـ«الكارثة، خاصة إذا فُتح الباب أمام التفاعلات الثأرية التصعيدية»، مؤكداً ضرورة التوجه إلى «مصالحة تقوم على الاحترام المتبادل بين جميع الأطراف».
وفي هذا السياق، دعت روسيا، أمس، إلى «وقف العنف في فوراً وتفادي خطوات تؤدي إلى مواصلة تنامي التوتر على الأراضي اليمنية»، محذرة في بيان، عقب اجتماع المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، مع القيادة اليمنية، من «خطورة تصعيد الاقتتال الداخلي الذي قد يؤدي إلى كارثة إنسانية».
وأشار البيان إلى أنه جرى التأكيد أثناء الاجتماع «على أن أي صفقات وراء الكواليس أو خطط غير مدروسة بشأن اليمن مرفوضة، ولا تؤدي إلا إلى تفاقم التطورات السلبية حوله»، معتبراً أن «الحل الوحيد هو حوار شامل برعاية الأمم المتحدة وبمشاركة جميع الأطراف السياسية».
(الأخبار)

قد يعجبك ايضا