صرخة من أجل القدس: الفرصة أتت فهل نستغلّها

عين الحقيقة/ العهد /محمود ريا

حدث جلل شهده عالمنا الإسلامي والعربي، تمثّل في “إهداء” الرئيس الأميركي دونالد ترامب السيادة على القدس السليبة إلى الكيان الصهيوني، بلا إذن ولا تشاور ولا حق ولا مداراة، بل بقرار وقح مستفزّ لا أخلاقي، بقرار باطل بلا مستند قانوني ولا شرعي، بقرار ناجم عن استكبار أميركي خارق لكل حقائق التاريخ، وعنجهية ترامبية تجاوزت كل الحدود.
القرار صدر، والولايات المتحدة فعلت فعلتها، وتعالت الأصوات الباكية والنائحة، وصوّر البعض ما حصل كنهاية للقدس ولفلسطين وللأمتين العربية والإسلامية، وكادت الدموع تتحول إلى نهر جارف لكل الوقائع ولكل القدرات ولكل الآمال في آن معاً.
بالمقابل هناك من يستخف بما يحصل، ويعتبره أمراً عادياً، لا بل أقل من عادي، ويحاول تهميش هذا الفعل الإجرامي الذي قام به الرئيس الأميركي، معتبراً أن القدس محتلة فعلاً، فما الذي يتغير مع توصيفها بأنها عاصمة لـ “إسرائيل”؟
 
 
من يراقب ما يحصل بدقة يصل الى قناعة بأن كلا التفكيرين خاطئ، فلا المطلوب بكائيات تيئيسية، ولا استخفاف بالخطوة الترامبية، وإنما ما ينبغي الإحساس به، والانطلاق منه إلى الفعل مختلف تماماً عن هذين الشعورين اللذين تلبّسا بعض أبناء أمتنا نتيجة ضخّ إعلامي مشبوه وتوجيه سياسي موبوء، ينسجم كلاهما مع مصلحة العدو، ولا يتناسق مع مصلحة الأمة.
المطلوب الآن بوضوح أمر واحد، هو معرفة أن هذه الخطوة الأميركية خطيرة جداً، وتضر القدس، وتستلب حقوق الشعب الفلسطيني في المدينة، وتهدّد مصير هذه المدينة المقدسة لدى المسلمين والمسيحيين معاً، ولذلك لا بد من الوقوف والتحدي، وليس الاستسلام والبكاء، أو الاستهانة وإدارة الظهر لما يحصل.
يجب أن يضع كل واحد من أبناء الأمة هذا الحدث نصب عينيه، وأن يبذل كل ما لديه من طاقات للتصدي لهذه الجريمة، وبذلك يكون قد أفشل المخطط الهادف إلى تيئيس الناس، كما أفشل محاولة بعض زعماء العرب لصرف نظر أبناء أمتنا عمّا يحصل في القدس ومحيطها.
اليوم هناك واجب عيني على كل عربي، على كل مسلم ومسيحي، على كل حر في العالم، أن يقوم بما يقدر عليه، وبما هو متاح أمامه، لرفض هذا القرار الجائر، ولكشف حجم الجريمة التي ارتكبها ترامب، ومعه من يسانده في العالم، وحتى في قلب العالم العربي، ولتأكيد أن القدس هي عاصمة فلسطين الأبدية، كانت كذلك، وهي الآن كذلك، وستبقى كذلك إلى الأبد.
إن أي جهد يُبذل في هذا الإطار هو جهد مقدّر، وهو جهد مبارك، لأنه يماثل كلمة الحق في وجه السلطان الجائر، لا بل هو تجسيد للجهاد الحقيقي في سبيل حماية المقدسات والذود عنها، وهذا ما سيترك تأثيراً إيجابياً على مسار الأوضاع.
الكلمة هنا هي فعل، ولها صدى على مستوى الكون، سواء كانت كلمة مكتوبة، أو صرخة في تظاهرة، أو بأي وسيلة، لأنها تمتزج مع الكلمات الصادرة من كل العواصم والمدن والقرى والدساكر على امتداد أمتنا الإسلامية، وحتى على امتداد العالم ككل، فيكون الدوي صارخاً في آذان المجرمين الذين أرادوا استباحة المدينة المقدسة، ومعها اغتيال فلسطين، وإهانة كرامة كل حرّ يرفع راية الرفض للظلم في كل مكان.
أي نشاط هو رصاصة، وأي تحرك هو بندقية، وأي موقف هو سيف مصلّت على رقبة المحتل وحُماته في واشنطن والعواصم الأخرى، ومع تكاتف الرصاص والسيوف، سيجد الصهاينة والأميركيون ومن يسير في ركبهم أنهم ارتكبوا الخطيئة المميتة، وحفروا لأنفسهم حفرة لم يكونوا يتوقعون حجمها.
إنه وقت الفعل، بكل ما هو ممكن، فالكاتب بكتابته، والفنان بفنه، والمفكر بفكره، والمواطن بإيمانه وصدقه، ويبقى الفعل الحقيقي لذلك الواقف على أرض المواجهة، الباذل دمه وعَرَقه للتصادم مع العدوان، ففوق برّه ليس هناك برّ.
لنقم بما علينا، لننتفض في وجه المحتلين والمراوغين والصامتين، ولنكن من رسّامي المستقبل الأفضل، مستقبل الحرية في فلسطين، والوحدة على مستوى الأمة، فها هي الفرصة أتت، بعد أن تحوّل تهديد العدو إلى قيد يخنقه ويُسقط كل مفاعيل مؤامراته، فهل نستغل الفرصة؟
قد يعجبك ايضا