إنه ولدي !

صحيفة الحقيقة/د/مصباح الهمداني

بأي مداد نكتب وحبر الأقلام ينزف دما، وبأي كلماتٍ نعبر وكل الحروف تبكي ألما، وعلى أي أرضٍ نجلس وكل الأراضي ترتجف..
شاهدتُ المجازر المتكررة في الثلاثة الأيام الأخيرة، وكانت مجزرة الحافلة في ضحيان بصعدة هي الفاجعة، هي الكارثة…

أطفال احتشدوا فرحًا بالحقائب المدرسية التي وزعتها لهم منظمة اليونسيف، وفرحواأكثر بركوبهم الحافلة الكبيرة، والتي ستأخذهم في رحلة ليوم واحد..
في قلبِ كل واحدٍ منهُم سعادةً لا توصَف، تظهرُ في أعينهم المبتهجة، وترتسم على وجوههم المشرقة، وتتجلى في ضحكاتهم المتكررة…

تحركَ الباص بعدَ أن لوحوا لأمهاتهم بالوداع..وما إن غادر الباص حتى تفقَّد كل منهم جيبه، ليرى ما خبأت له أمه، فيجدُ أحدهم بسكويتًا، وآخر مبلغًا ماليًا صغيرًا، وآخر يجدُ عصيرًا، ورابعٌ يجد كعكة، وخامسٌ يجدُ ثلاث تمرات وبعض الزبيب،وسادسٌ يجدُ رمانة، وسابعٌ يضعُ يده على خده فما تزال حرارة قبلة أمه تملأ قلبه وروحه طمأنينة…

انتصف الطريق، وبدأ فصلٌ جديد، وجاءت طائرات العدوان، وأفرغت كل طائرةٍ حمولتها على الحافلة..وبدأت المأساة تسجل حديثها بحروف من دم، وصورٍ من أشلاء، ومقاطع تقطع الأكباد..

قامتْ صواريخ الطائرات بإخراج جميع الأطفال من الحافلة، وقذفت بهم بعنفٍ وهمجيةٍ ووحشية؛ إلى خارجها، منهم من توزع جسده على المدينة المكتظة بالسكان..فأصبحت يده اليمنى على جدار منزل، والأخرى في حوش دارٍ أخرى، وآخر يبحثُ عن قدمه اليسرى، وطفلٌ في العاشرة يمسحُ الدماء عن وجهه ولا يدري أنه أصبح بلا قدمين، وآخر يتكىء على قدمه فيجدها لا تستقيم، وآخر يحاول إدخال يده في جيبه ليتفقد النقود لكنه يكتشف أن كفه لم تعُد موجودة..وطفلٌ آخر يقوم المسعفون بإسعافه والدماءُ تسيل من كل جسده، لكنه يقول لهم
“لا تنزعوا حقيبتي الجديدة من ظهري”..

ويحضر الآباء وكل واحدٍ يفتش عن فلذة كبده، وبين أكوام الأشلاء يفتشون عن أرواحهم المنزوعة، ويُصبحُ سؤال المسعفين لكل أب:
ماذا كان يلبس ولدك؟
السؤال صعب..لكنه الحل الوحيد والضئيل لتمييز الأشلاء..

يقفُ أحد الآباء عند نصف وجه فيشمه؛ ثم يصيحُ هذا ابني..وآخر يمسكُ بقدمٍ ماتزال تحتفظُ بالحذاء المربوط فيها بإحكام، فيقبلها ويبكي ويقول: وهذا ابني..لكن أين باقي الجسد؟

وجعٌ فوق وجع..ومشاهِدٌ تُدمي كل قلب..وتفتت كل كبد..وتحرق كل فؤاد..
وتمزق النفس..وتذهب العقل…

50 شهيدًا و77 جريح..حصيلة غير نهائية..

يتبجح بعدها العدوان بكل قبحٍ وصفاقة وحقارةٍ وخسةٍ ونذالة؛ بأنه استهدفَ مطلقي الصواريخ الباليستية…

اللهم إن مجرمي العصر قد اشتروا بأموالهم سمع وبصر العالم، لكنك السميع البصير ولا تخفى عليك خافية..
اللهم إنا وصلنا إلى مرحلةٍ ليسَ لنا فيها إلاَّ أنتْ..وكفى بك وكيلاً وكفى بك نصيرا..

اللهم إن عدوك وعدونا قد تحالفَ مع الصهاينة والأمريكان على قتل أطفال اليمن؛
فبكرمك وجودك يا كريم يا جواد؛ صل على محمد وآله وعجل بالنصر يا ناصر المستضعفين، يا قوي يا عزيز يا متين.

#مصباح_الهمداني
9/8/2018

#مجزرة_ضحيان

قد يعجبك ايضا