قراءة سريعة حول مخرجات ستوكهولم…بقلم/عبدالكريم الشهاري

 

من جنيف الى الكويت وحتى ستوكهولم ما يقارب الأربع سنوات من حرب ضروس لم تزد المفاوضات هذه الحرب إلا استعارا كما حدث بعد مفاوضات جنيف والكويت إلا أن اختراقاً وإن كان طفيفاً حصل في المفاوضات الأخيرة في ستوكهولم فما عدا مما بدا وهل كان لتغيير المبعوث الأممي من ولد الشيخ إسماعيل الى غريفث سبباً في هذا الاختراق أم أن تغيير نمط المشاورات من التركيز على حل سياسي شامل الى حل جزئي يلبي الحاجات الإنسانية عبر التخفيف من الضغط الاقتصادي على الشعب اليمني كان له دوره في إحراز بعض التقدم في التفاهمات الأخيرة وما دور المتغيرات الدولية والإقليمية التي تعصف بالرياض وبعلاقاتها الدولية مع الغرب في النجاح المحدود في مشاورات ستوكهولم أم أن الفضل كله يعود لصمود القوات الوطنية في وجه الاحتلال والغزو السعودي الإماراتي هو ما حدا بوفد الرياض لتقديم تنازلات خاصة في فيما يخص الحديدة

دور المبعوث الأممي

كان الانتصار الأبرز لدبلوماسية وفد صنعاء وقيادته السياسية في صنعاء هو في تغيير المبعوث الأممي السابق إسماعيل ولد الشيخ بعد مفاوضات الكويت الفاشلة كان ذلك التغيير هو البداية فولد الشيخ بشخصيته الضعيفة أصبح مرتهناً للقرار السعودي الاماراتي إلى حد كبير وربما أدت به كذلك تواضع إمكاناته وكفاءته المهنية الى أن يصبح مجرد مراسل مع هاتين الدولتين الطامعتين في الثروة اليمنية وسلب اليمنيين سيادتهم واستقلالهم لقد كان الكثير من المراقبين يرون أن تغيير ولد الشيخ حينها أن لم يفد فإنه على كل حال لن يضر فمن سيأتي من بعده لن يكون أسوأ منه في أتعس الأحوال ومع مرور الوقت ازدادت واقعية أصحاب هذا الراي ولن نسقط في فخ الحماسة للإنجاز المحدود الذي تحقق لنعطي المندوب الجديد أكثر مما يستحق الا أن الشواهد تظل هي الحية والمعبرة عن الفارق بين الشخصيتين الأمميتين السلف والخلف وأن غريفث لديه من الرؤى والأفكار الكثير مما يستطيع أن يحرك به الراكد ويعتمد على رصيد من قوة الشخصية من خلاله يستطيع أن يواجه ضغوط دول التحالف العربي وكذلك الدولي كما أنه يمتلك من المهنية والإنجاز في سيرته الذاتية ما يجعله يجتاز الإغراءات المادية لدول التحالف النفطية الغنية نعم هو يتحرك وفق مواثيق الأمم المتحدة وسينحني للابتزاز الأمريكي الغربي المجحف بحق اليمنيين والمنحاز لحلفائه الأثرياء من الخليجيين لكن يظل غريفث هو فن الممكن في التعقيدات الكثيرة للأزمة اليمنية وتداخلاتها الإقليمية والدولية

تجزئة الحل بين الاستراتيجية والاضطرار

في المشاورات السابقة في جنيف والكويت كان التركيز ينصب في تلك المحادثات على انجاز حل سياسي شامل من خلال وضع تصور لخارطة طريق للحل السياسي بينما اختلف الوضع في مشاورات ستوكهولم لينصب الاهتمام على معالجة الوضع الإنساني بشكل أساسي قبل الدخول في تفاصيل مناقشة اطار الحل السياسي التي اجلت الى وقت لاحق فهل كان العمل بتجزئة الحل هو استراتيجية من قبل المبعوث الأممي أم أن تعقيدات الوضع الإنساني في اليمن جراء الحصار الاقتصادي لدول التحالف ضد اليمنيين هو ما فرض رؤية التجزئة للحل وإعطاء الأولوية للاهتمام بالحالة الإنسانية ومن ثم منا قشة الملف السياسي خاصة اذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الوضع الإنساني المتردي كان ثمرة فشل حوار الكويت وجاء كنتيجة لمعاقبة دول التحالف برعاية أمريكية لوفد صنعاء الذي رفض التوقيع على الاتفاق المجحف الذي كان يقضي بتقديم الحل العسكري على الحل السياسي بينما كان مطلب طرف صنعاء التزامن بين الخطوات العسكرية والسياسية في الحل فكان نقل البنك إلى عدن ومن ثم الهجوم على ميناء الحديدة المنفذ الأهم لغالبية السكان بمثابة عقاب جماعي للشعب اليمني مارسته قوى التحالف بدون أية رحمة أو شفقة وصلت حد إيقاف صرف المرتبات للموظفين في المناطق التي يسيطر عليها قوات الجيش واللجان والمقاومة للاحتلال السعودي الإماراتي.

وعلى هذا يبني بعض المحللين الذين يرون أن الغرب صانع الأزمات في منطقة الشرق الأوسط ومن ثم يعمل لاحقاً على معالجة الوضع والتخفيف من الأزمة عبر الولوج من الحالة الإنسانية وهذا كل ما تحرزه الأمم المتحدة لاحقاً الكف المخملية الناعمة للسياسات الغربية المتوحشة، ويستدلون على ذلك بالقضية الفلسطينية التي تراوح مكانها منذ ثلاثة عقود وهو عمر انطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في العام 1990 وهذا ما كان قد حذر منه الراحل حافظ الأسد رئيس السلطة الفلسطينية الراحل عرفات حيث كانت رؤية الأسد تقوم على أساس البدء للمفاوضات من القضايا الثلاث الكبرى وهي القدس وحق العودة وحدود الدولة ولكن الضغوط الدولية كانت تصب باتجاه حلول تجزيئية مقابل مكاسب للسلطة الفلسطينية قضى بالاعتراف الدولي بها وبالرغم من أن المفاوضات هدأت من ثورة الشعب الفلسطيني الا أن الاعتراف بدولته عبر المفاوضات هو بعيد المنال وكل ما حصل عليه الشعب الفلسطيني هو في الجانب الإنساني عبر الدعم الاقتصادي التي توفره له وكالات الأمم المتحدة المختلفة وحتى هذا الذي تحقق هو اليوم على كف عفريت في العصر الأمريكي الترامبي الحالي، وعلى هذا المثال يستند بعض المحللين في ضعف الأمم المتحدة بالوصول للأزمات إلى حالة سلام مستدام بل أنهم أكثر من ذلك يرون أن الأمم المتحدة وعبر المعالجة الإنسانية الجزئية للأزمات تعمل على إطالة عمر الصراع بين المتحاربين الى فترات أطول.

لكن كل ما سبق ذكره حول ضعف الأمم المتحدة للقيام بدورها بشكل كامل لا يمنع أن وفد صنعاء بتعاطيه المرن مع تلك القضايا الإنسانية ودوره الحثيث في إنجازها قد حقق تقديراً شعبيا جماهيرياً داخليا لحرصه على رفع معاناة مواطنيه وكذلك تقديراً دولياً عكسه ذلك الاحتفاء الأممي بهذا الحل الذي حضر في ختام مشاوراته الأمين العام للأمم المتحدة نفسه أنطونيو غوتيرش.

تجنيب محافظة الحديدة الحرب الكاسب والخاسر

في البدء سنتفهم إلى أن قضية الربح والخسارة في أي مفاوضات أو مشاورات هي مسألة نسبية يحرص الإعلام القائم على المشاورات إلى إخفائها وعدم التعرض اليها وهذا من أسباب إنجاح أية مشاورات لكن وبتمعن ستتضح الحقيقة للمهتمين خاصة إذا ارتكز التحليل على معطيات سليمة والبحث عن أهداف الطرفين وإلى أين وصلت بمقتضى المشاورات وأين محلها في خارطة التفاهمات بالنسبة للطرفين.

قبل أن نخوض نقاش المبادئ التي اتفق عليها طرفا الصراع في السويد يجب أن نذكر بمسلمة وهي فشل التحالف العربي في تحقيق انتصار عسكري في الحديدة وفي قراءة تاريخية سريعة وخاطفة وإذا ما عدنا بالذاكرة الى قرن من الزمان قبل اليوم سنعرف ماذا تعني الحديدة بالنسبة للغزاة في التأريخ اليمني قديمة وحديثه الا أن الفارق في هذه المرحلة هو تغير القاعدة التي كانت تحكم الصراع والتي كانت تقضي بأن الحديدة هي (كعب أخيل) لأي مشروع وطني يحاول النهوض ويريد أن يبني دولة يمنية ذات سيادة، ففي العام 1918 واثر انسحاب العثمانيين من اليمن قامت بريطانيا باستغلال الفرصة لتسليم الحديدة للإدريسي نكاية بالإمام يحيى ومواجهة لمشروعه في بناء دولة يمنية ذات سيادة ووحدة جامعة لليمنيين قبل أن يستعيدها الإمام يحيى في العام 1924وفي العام 1934 إثر وصول الصراع بين اليمنيين وبني سعود إلى ذروته استطاع الأمير فيصل بسط نفوذ المملكة على الحديدة بدعم إسناد لوجستي بريطاني ومن أجل الحديدة خضع الإمام يحيى لشروط مجحفة في اتفاقية الطائف الشهيرة وقام كذلك بسحب القوات اليمنية التي كانت قد بسطت نفوذها على الأراضي اليمنية عسير ونجران بقيادة السيف أحمد، وبالمقارنة مع هذه المرحلة من العدوان السعودي على اليمن سنجد أن الحديدة قد تحولت إلى رقم صعب في المعادلة رغم أن هناك تحالف عربي دولي ضد اليمنيين وبإمكانات هائلة.

واذا ما تم التعامل مع البنود التي تم الاتفاق عليها في حل الحرب في الحديدة وبغض النظر عن عراقيل التنفيذ المستقبلية سنرى أن المبادئ قد نصت على إعادة الانتشار العسكري وإيقاف العمليات العسكرية وكذلك تمكين السلطة المحلية وقوات الأمن من ممارسة عملها الطبيعي في المحافظة وهذا في المحصلة النهائية سيؤدي الى وقف العمليات العسكرية في الحديدة ما يشكل ضربة مؤلمة في خاصرة مشروع التحالف و احتلاله للحديدة  والأجندة التي كان يهدف اليها من وراء ذلك حيث كان على أقل تقدير سيعمل على جعل الأقلمة واقعاً لا مناص منه كما أن مخططاته لتركيع المشروع الوطني المقاوم كان سيصبح أكثر رسوخاً على أرض الواقع، لذلك فتجنيب الحديدة الصراع هو نقطة تفوق بارزة خرج بها وفد صنعاء من المحادثات حيث استطاع استغلال الفرصة وتقاطع المصلحة فيما بين المجتمع الدولي الضاغط لتحسين الحالة الإنسانية المتردية للشعب اليمني وبين القيادة السياسية في صنعاء التي تحرص على تجنيب المحافظة وأبنائها كوارث الحرب.

ولا شك أن المجتمع الدولي قد لمس حرص القيادة السياسية في صنعاء تجنيب أبناء محافظة الحديدة الحرب وكذلك تعامله المسئول مع الأزمة من منظور أخلاقي يحسب له رغم قدرته على تحقيق مكاسب أكثر في حال كانت نيته أن يتاجر بمعاناة المواطنين بالاتجاه لابتزاز المجتمع الدولي الذي أحس بعقدة ذنب متأخرة رغم أنه صانع المأساة الإنسانية في اليمن من خلال دعمه أو تغاضيه عن جرائم تحالف العدوان السعودي

اذاً فالكاسب الحقيقي من الاتفاق حول الحديدة هو الشعب اليمني وأبناء الحديدة وكذلك القيادة السياسية في صنعاء كما أن الأمم المتحدة كذلك كسبت ثقة اليمنيين عبر الاشراف على الميناء والمكاسب متبادلة بين السلطة في صنعاء والأمم المتحدة حيث تم الاعتراف بدور السلطة في صنعاء بنفوذها عبر إقرار الأمم المتحدة للسلطة المحلية التي تتبع النظام في صنعاء بممارسة مهامها وكذلك اعتراف صنعاء بدور اشرافي للأمم المتحدة على الموارد في الميناء وتحميلها مسئولية صرف المرتبات تبعاً لذلك.

كذلك هناك مكسب خاص بأنصار الله نجم عن اللقاء التشاوري في السويد ظهر ذلك من خلال الاحتفاء الإعلامي العالمي بهم كدعاة الى السلام وهذا الأمر يكتسب أهمية خاصة لأن هذا المكون قد تم تشويهه بشكل منهجي ومدروس بأنه لا يعير السلام أي انتباه وأن حركتهم  دموية و لا يأبهون بإراقة الدماء واصبح لدورهم الريادي في صناعة السلام أهميته مع تزامن انكشاف الأمور وتساقط الأقنعة عن وجه  محمد بن سلمان ولي عهد المملكة السعودية التي دعمته وسائل الاعلام الغربية في بداية الأمر وحرصت على تقديمه كرجل تقدمي قبل أن تأتي فضيحة القنصلية وما حدث لخاشقجي لتؤثر على سمعته لدى الشعوب الغربية وعلاقاته الدولية مع الأنظمة في الغرب.

كما أن علينا أن ندرك أن هناك من كان يقدم أنصار الله وهو رأس الحرب في المشروع الوطني مع شركائه كمارق عن الشرعية الدولية ولا يعترف بقرارات الأمم المتحدة لكن الديبلوماسية الناجحة لرئيس الوفد محمد عبد السلام كان له أثرها في ابراز الحقيقة بأن أنصار الله وبقية حلفائهم هم دعاة سلام ويهدفون الى بناء دولة ذات سيادة واستقلال وهذا مطلب عادل يدفعون من أجله الغالي من دمائهم وأرواحهم.

وفي الختام يبدو أن ما جرى في السويد سيبنى عليه لتحقيق السلام خاصة وأن المملكة السلمانية تترنح في علاقاتها مع الغرب والمؤسسات الرسمية الأمريكية تقف بالمرصاد لترامب وعلاقته المشبوهة من النظام السعودي  التي أصبحت مثار تساؤلات الشعب الأمريكي، وقبل كل هذا يكمن السر في الصمود اليمني والفضل للجيش الوطني في تغيير المعادلات الإقليمية والدولية لصالح اليمنيين لتأتي رياح التغيير الدولية بما لا تشتهي دول التحالف السعودي الاماراتي، وبالرغم من وجود بند في بنود التفاهم حول الحديدة بأن ما حدث من تفاهم لا يبنى عليه في المشاورات القادمة الا أنني أرى أنه سوف يبنى عليه ويعمل بما يشابهه في بعض المناطق في المشاورات القادمة.

قد يعجبك ايضا