مفاتيح الانتصار الكبير على “داعش”

الحقيقة/بغداد :عادل الجبوري

“لقد أنجزنا المهمة الصعبة في الظروف الصعبة وانتصرنا بعون الله وبصمود شعبنا وبسالة قواتنا البطلة، وبدماء الشهداء والجرحى أثمرت أرضنا نصراً تاريخياً مبيناً، يفتخر به جميع العراقيين على مرّ الأجيال، ونعلن لأبناءِ شعبنا ولكل العالم أن الأبطال الغيارى وصلوا لآخرِ معاقل “داعش” وطهروها، ورفعوا علم العراق فوق مناطق غربي الأنبار التي كانت آخر أرض عراقية مغتصبة، وأن علم العراق يرفرف اليوم عالياً فوق جميع الأراضي العراقية وعلى أبعد نقطة حدودية”.

هذه العبارات، كانت جزءا من خطاب النصر الشامل على تنظيم “داعش” الارهابي، الذي وجهه القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي لأبناء الشعب العراقي، قبل عام من الآن، بعد اكتمال تطهير كل الأراضي العراقية من عصابات ذلك التنظيم الارهابي المجرم.

ولم يكن ذلك الحدث حدثا عابراً، حاله حال الكثير من الاحداث اليومية التي تحفل بها بقاع العالم بلا انقطاع.

فإلحاق الهزيمة النكراء بتنظيم “داعش” الارهابي، كان أمراً في غاية الأهمية، لأنه من جانب حافظ على وجود الدولة العراقية، ومن جانب آخر، أثبت أن العراقيين بشتى عناوينهم وتوجهاتهم وانتماءاتهم المختلفة، قادرين على الدفاع عن مقدساتهم وحرماتهم.

ولم يبتعد عن الواقع من وصف ذلك الانتصار بأنه نقطة تحول تاريخية، وانعطافة حاسمة، جاءت بعد ثلاثة أعوام ونصف العام من اجتياح عصابات “داعش” لمساحات غير قليلة من الجغرافية العراقية، بدعم واسناد من قوى اقليمية ودولية، كانت قد خططت لمشاريع تخريبية وتدميرية خطيرة للعراق ولعموم دول المنطقة.

ولم يخطئ من قال إن المخططات والأجندات التي أريد من ورائها دفع العراق نحو الهاوية، وإغراقه في دوامة الصراعات الدموية الداخلية في صيف عام 2014، هي ذات المخططات والأجندات التي نفذت عام 2006، بعد استهداف مرقد الامامين العسكريين (ع) في مدينة سامراء المقدسة من قبل تنظيم “القاعدة” الارهابي.

ان هناك عوامل وظروف وأطراف، كان لها الدور المحوري والحاسم في تحقيق الانتصار التاريخي الكبير. فالمرجعية الدينية في النجف الاشرف، كان لها من خلال فتوى الجهاد الكفائي دور مهم ومؤثر للغاية في درء خطر الارهاب الداعشي، وانجاز الانتصار، تلك الفتوى التي دفعت عشرات الآلاف من أبناء الشعب العراقي، الى أن يهبوا للدفاع عن الحرمات والمقدسات والأعراض، ويقدموا الكثير من التضحيات التي عكست الروح الثورية الحسينية بأجلى وأوضح وأبهى صورها.

وكذلك كان للمواقف البطولية الشجاعة لمختلف صنوف وتشكيلات الجيش العراقي، ومعها قوات الحشد الشعبي والحشد العشائري وقوات البيشمركة الكردية، والمواكب والهيئات الحسينية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام، الدور الفاعل المكمل والمتمم لدور المرجعية الدينية، ولعله بدون عملية تكامل الأدوار لم يكن ممكناً تحقيق الانتصار في غضون ثلاثة أعوام ونصف، وهو ما لم تتوقعه ولم تتمناه القوى المعادية للعراق، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية، التي رسمت صورة سوداوية قاتمة لوجود “داعش” في العراق، حينما راح كبار الساسة والعسكريين الأميركيين يتحدثون عن الحاجة الى ثلاثين عاما للقضاء على “داعش”!

الى جانب ذلك، فإن هناك أطرافاً اقليمية ساندت ودعمت العراق بشتى الوسائل والأساليب في حربه ضد “داعش”، ولعل الجمهورية الاسلامية الايرانية، مثلت النموذج الايجابي الداعم والمساند، الذي ساهم في تسريع انجاز الانتصار، رغم الكثير من العراقيل والمعوقات، والحملات السياسية والاعلامية التي شنتها دوائر اقليمية ودولية، لم يرق لها أن يتحقق ما تحقق، ولم تكن تستوعب حقيقة أدوار ايران ومواقفها في تلك الحرب المشرفة.

ولاشك أن النظرة الشاملة والعميقة، تؤكد أن الحاق الهزيمة العسكرية بـ”داعش”، كانت الخطوة الأساسية، والمقدمة الصحيحة للعمل على الخطوات الأخرى، التي لم تكن تقل أهمية عنها، بل إن كل منها أكملت وتممت الأخرى.

فالانتصار العسكري المتحقق، لا يمكن أن يكتمل دون اعادة اعمار المناطق والمدن المحررة، وإعادة النازحين الى بيوتهم وتعويضهم ماديا ومعنويا، أي بعبارة أخرى، لا بد من أن ينطلق حشد مدني واسع تشارك فيه كل المفاصل الحكومية ومعها الجهات غير الحكومية ومختلف الشرائح والفئات الاجتماعية، يمحو ما خلفه العدوان الداعشي التكفيري من خراب ودمار، ورغم أن عملاً من هذا القبيل قد انطلق منذ بضعة شهور، لكنه ما زال دون مستوى الطموح.

ولاشك أن الأرقام تؤكد حصول تراجع كبير في معدلات العمليات الارهابية بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والأجساد الانتحارية في مختلف مدن ومناطق العراق خلال العام الذي أعقب هزيمة “داعش” بالكامل، وهذا يؤشر الى أن الأجواء والمناخات الامنية مهيأة أكثر من أي وقت مضى لإعادة إعمار ما دمره وخربه تنظيم “داعش”.

إعمار وترميم البنى التحتية والمنشآت الحيوية الخدمية، واعادة النازحين الى بيوتهم، وتنشيط حركة الاسواق، وتحسين فرص العمل، وتعزيز التعايش السلمي المجتمعي بين المكونات المختلفة، تعد مفردات مهمة وأساسية للغاية لمرحلة ما بعد الانتصار العسكري.

فضلا عن ذلك، يفترض ان تنعكس النتائج والمعطيات الايجابية للمواقف الموحدة المنسجمة في مواجهة العدوان الداعشي عسكريا في الميدان، على المواقف السياسية لمختلف القوى والكيانات السياسية، باتجاه تخفيف الاحتقانات السياسية، والتوافق على الأولويات الوطنية، ووضع حد للمناكفات العقيمة، التي يمكن لها لو استمرت واستفحلت أن تبدد كل المكاسب والانجازات المتحققة بفضل تضحيات ملايين العراقيين.

واذا كان الحفاظ على النصر، أصعب من تحقيقه، فهذا يعني، أن المهمة الكبيرة لم تنتهي، وأن ما هو مطلوب بعد العاشر من كانون الاول – ديسمبر 2017، أكبر وأكثر مما كان مطلوبا قبله.

قد يعجبك ايضا