ما وراء الشهادة من قيم مدرسة متكاملة غنيَّة بالمفاهيم العظيمة

 

ما وراء الشهادة من قيم ما وراءها من مبادئ الروحية التي كان عليها الشهداء كل هذا مدرسة متكاملة، مدرسة غنيَّة بالمفاهيم العظيمة، مدرسة من تخرَّج منها خرج شامخ الرأس ثابت الإيمان عزيز النفس، لا يتراجع ولا يتأثر بأي ظروف مهما كانت، يُواجه كل التحديات ولا يأبه لكل الطغاة والمستكبرين.

الشهيد عندما انطلق في ميدان الصراع بإبائه وعزيمته وإيمانه بموقفه المُمَيَّز والعظيم كان يحمل في نفسه قيم القرآن، وأخلاق القرآن، وروحية القرآن، والتأثر بالأنبياء العظام، لم يكن تحركه هكذا تحركًا تلقائيًّا! لا، لا، وراء تحركه الإيمان بكل ما في الإيمان من روحية عالية، وقيم عظيمة، ومبادئ الحق، مبادئ الصدق، مبادئ النور.

الشهيد حمل الإيمان في قلبه قبل أن يحمل السلاح في يده، وكان سلاح الإيمان أقوى من السلاح الذي حمله في يده، وعندما توجَّه إلى الله توجه بصدق، وتوجه بجِدٍّ يعي قضيته يعي موقفه يُدرك مصيره واتجاهه، فانطلق بثباتٍ واستبشارٍ بائعًا نفسه من الله سبحانه وتعالى، ويستند في موقفه إلى أُسس مهمَّة جدًّا في مقدِّمتها الجانب الإيماني.

الشهيد الذي تحرك في ميدان الصراع كان إيمانه بالله سبحانه وتعالى حافزًا أساسيًّا، وأعطاه قوة، أعطاه قوة إرادة، وقوة موقف وثباتًا في الميدان، أعطاه روحية عالية جعلته كبيرًا أمام أولئك الأَذلِّين الذين يرى فيهم الكثير من الناس أنهم هم الكبار، أعطته عزيمة لم يلِن بعدها، وثباتًا لم يتزحزح بعده.

الشهيد بإيمانه؛ لأن الإنسان المؤمن من لازم إيمانه أن يبيع نفسه من الله سبحانه وتعالى (إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَـهُم بِأَنَّ لَهـُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ )[التوبة:111] هكذا هو الشهيد: الشهيد مؤمن، ولأنه مؤمن فقد باع نفسه من الله، ليس هناك إيمان حقيقي إيمان واعٍ إيمان كامل يأبى فيه الإنسان أن يبيع نفسه من الله ويبخل بنفسه، ليس هناك إيمان صحيح إيمان حقيقي إيمان كامل على هذا النحو الذي نرى عليه الكثير من الناس ممن يتظاهرون بالتَّديُّن ويأخذون ببعض من آداب الإسلام وسنن الإسلام ثم يتباعدون عن أساسيات في الإسلام.

الإيمان الحقيقي هو هكذا، المؤمنون كما حكى الله عنهم وأخبر عنهم: هم قوم وصلوا في علاقتهم مع الله علاقتهم الإيمانية إلى هذا المستوى: دخلوا في صفقة عظيمة مع الله سبحانه وتعالى فباعوا أنفسهم من مالكها من ربِّها من خالقها من بارئها ممَّن مصيرها إليه ومعادها إليه ومرجعها إليه. باعوا أنفسهم من الله، من الله سبحانه وتعالى، والبيع هذا صفقة عظيمة يجُلِّيها ويُحقِّقها موقف وجهاد وتضحية، ليست مجرد كلام في كلام، لا!

(إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَـهُم بِأَنَّ لَـهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ)[الأنفال:111] هذه هي الصفقة، هذا ما يحققها، هنا يكون التسليم للسلعة بعد البيع من الله سبحانه وتعالى (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ)ويُسلِّمون أنفسهم التي باعوها من ربِّهم ومالكهم وإلههم، وهي بيعة وصفقة عجيبة جدًّا، صفقة لم يخسر فيها البائع، مع أنك كمؤمن أنت تبيع نفسك من الله، لكنها صفقة رابحة وعظيمة، أنت فيها الرابح، أنت فيها الفائز؛ لأن الله غنيٌّ عن العالمين، أنت من كسبت حياة أبديَّة وعزًّا خالدًا، ونعيمًا لا ينتهي ولا يتلاشى، أرقى نعيم وأسمى مقام، أنت من حُزت الشرف الكبير الكبير من ربِّ العالمين.

(من كلمة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في الذكرى السنوية للشهيد 1434هـ).

قد يعجبك ايضا