الشهداء هم صناع النصر في كل عصر

 

إننا ونحن نستذكر شهداءنا العظام، ندرك أن للشهداء في زمننا وفي كل زمن الإسهام الحقيقي والأساسي والرئيسي في صناعة النصر، في كل نصر تحقق للمستضعفين، وفي إعلاء كلمة الحق بكل عصرٍ وفي كل زمنٍ صدع فيه صوت الحق ضد الباطل، وإسهامهم الحقيقي والأساسي في إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، وإقامة العدل، وفي مواجهة الظلم والطغيان والجبروت في كل زمنٍ وفي كل عصر، في كل مرحلةٍ تحرك فيها للحق والعدل أمةٌ ومنهجٌ وعلا فيها صوتٌ كان للشهداء الإسهام الأساسي والحقيقي.

وبدون الشهداء وبدون الشهادة وبدون التضحية ما كان بالإمكان أن يعلو للحق صوت، أن يتحقق للمستضعفين والمظلومين خلاصٌ، أن يكسب المستضعفون عزًّا ومجدًا، وأن يتخلصوا من هيمنة المجرمين، ما كان بالإمكان دفع الشر المُستحكِم، ودفع الغيِّ ودفع الظلم ودفع كل أشكال الفساد والطغيان بدون تضحية.

كانت التضحية هي الثمن الذي لا بُدَّ منه، لا بُدَّ منه في تخليص الأمة من هيمنة الظالمين والمجرمين، لا بُدَّ منه في مواجهة التحديات مهما كان حجمها، لا بُدَّ منه في العمل لتغيير الواقع البئيس والمظلم للأمة، لا بُدَّ منه في السعي للوصول إلى العزَّة والكرامة وإلى ما ينشده الناس من عدل وخير وأمن واستقرار.

كان لا بُدَّ من التضحية وكان الذين يُوفَّقون لهذه التضحية ولأن يدفعوا هذا الثمن هم المُتميِّزون في إخلاصهم لله سبحانه وتعالى في عبوديتهم لله سبحانه وتعالى فيما هم فيه من إيمان عظيم جعلهم دائمًا منشدِّين نحو الله العظيم، راجين ومبتغين وساعين للوصول إلى رضوانه وبأي ثمن، رضى الله سبحانه وتعالى هو همُّهم الأكبر ومبتغاهم الأعظم وطموحهم المهم، وغايتهم المنشودة، كل ما يأملون الوصول إليه وما يرومون أن يحققوه بأنفسهم وأن يكسبوه من هذه الحياة في كل وجودهم: هو رضى الله سبحانه وتعالى.

فكانوا هكذا: عُبَّادًا لله سبحانه وتعالى مخلصين لله سبحانه وتعالى، مبتغين مرضاة الله تعالى، منشدِّين من كل وجدانهم ومن أعماق نفوسهم نحو الله سبحانه وتعالى، عرجوا إليه وأملوا منه وطلبوا منه أن يرضى عنهم وأن يقبلهم وأن يتقبَّل منهم حياتهم التي وجدوها أعظم ما في أيديهم وأعظم ما يقتنونه وما يمكن أن يقدِّموه هو: الحياة، هو: الوجود، هذا الوجود هذه الحياة راموا ونشدوا أن يقدِّموها لله سبحانه وتعالى، أن يقدِّموا أرواحهم أنفسهم حياتهم، وجودهم للمالك سبحانه وتعالى الذي أحبُّوه فأحبُّوا بمقدار محبَّتهم له أن يقدِّموا له أغلى ما لديهم وهي: النفوس والأرواح.

هكذا كانوا هم ما بينهم وبين الله سبحانه وتعالى فحقق لهم آمالهم وأصلح لهم بالهم وتقبَّلهم ضيوفًا لديه مكرَّمين لديه يمنحهم من الإكرام والرِّزق والنعيم ما وعد به في كتابه الكريم.

وما صدَّره في آياته المباركة أما هم فيما هم عليه تجاه أُمتهم تجاه شعوبهم فهم الذين نشدوا لأُمتهم العزة ونشدوا لأُمتهم الخلاص من الظلم وأرادوا لأُمتهم أن تحيا كريمة عزيزة محترمة تعيش حالة العدل وفي أحضان الخير حتى لو وهبوا حياتهم في هذا السبيل لتحيا الأمة في المقابل عزيزة كريمة لا مستذله ولا مغصوبه ولا مهانة.

هم الذين عزَّ عليهم أن تُظلم أُمتهم وهم يتفرَّجون وأن تُهضم أُمتهم وهم لا يبالون وأن تستذل وتقهر أُمتهم وهم غير مبالين ولا مهتمين.

عزَّ عليهم أن تعاني أُمتهم تحت وطأة المعاناة والقهر والاستبداد والاستهداف ثم لا ينهضون ليقضوا عنها وليدافعوا عنها وليواجهوا كل التحديات والأخطار التي تستهدفها.

فكانوا هم الأُذُن الصاغية التي أصغت لأُمتها فسمعت الأنين والوجع والألم، وكانوا هم العين البصيرة التي شاهدت مستوى ما تعانيه الأمة من مظلومية كبيرة ومعاناة كثيرة ومآسٍ كبيرة، فكانوا هم ذوي الضمير الحي الذي حينما رأى وحينما سمع تحركت فيه العزَّة وتحركت فيه روح المسؤولية فلم يكونوا من اللَّامباليين؛ بل تحركت فيهم كل مشاعر المحبة والإعزاز لأُمتهم والرحمة بأمتهم والغيرة لأُمتهم ولدينهم ولمقدساتهم فتحركوا ابتغاء مرضاة الله وفي سبيل نصرة وخلاص أُمتهم المظلومة، والمحرومة والمقهورة والمعانية.

وكانوا هم تجاه القيم والمبادئ هم الذين حملوها، هم الذين جسَّدوها في واقع الحياة، لم يكن بالإمكان أبدًا أن يقبلوا بالإذلال وهم تثقفوا ثقافة العزِّ، وكان العزُّ لهم إيمانًا حملوه ومبدأً آمنوا به وكذلك خُلُقًا تخلَّقوا به، وكان الشرف والكرامة لهم – أيضًا – مبدأً وخُلُقًا حملوه وجدانًا وجسَّدوه سلوكًا وموقفًا.

وكانوا هم حملة مشروع ينشد للأمة إقامة العدل لحياتها وإقامة الخير في واقعها ومواجهة الشر والفساد الذي يستهدفها، هؤلاء هم الشهداء الذين لم يكونوا فقط مجرد ضحايا.

(من كلمة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في الذكرى السنوية للشهيد 1436هـ)

قد يعجبك ايضا