صبرين والخليفين!

الحقيقة/د/مصباح الهمداني

يُدرك المتابع للمعارك أمرًا خطيرًا، بل غايةً في الوحشية والإجرام، بل أجزِمُ أنك لو جئتَ بإنسان من أدغال أفريقيا؛ لأمسكَ بشعر رأسه، ولحثى التراب على وجهه، ولربما أمسكَ بحجر يضرب به جبهته من هول ما يرى…

الحرب ستدخل عامها الخامس عمَّا قريب، ويُفترض أن الجميع استخلص التجارب والدروس المهمة للخروج من هذا النفق..لكن الأمر لا يبدو كذلك..ويظهر ذلك من تململ المرتزقة في الحديدة، وتهربهم من اتفاق السويد والذي حظي بمباركة عالمية وتبعه القرار الأممي 2451

لقد سألت نفسي سؤالاً، وعصفتُ الذهن لاستخلاص إجابةٍ مقنعة أو حتى عُشر مقنعة فلم أجِد، ومن وجدها فليُجب وله الشكر..

والسؤال هو:

من يقذفُ بهؤلاء المرتزقة إلى مواطن الموت دون رحمة ولا شفقة، ثم يتركهم في العراء بلا إسعاف أو دفن أو تكريم؟

لاشك أن المتحكم في هذا القرار قد ماتت لديه نواميس الإنسانية، ولا يمُت للإسلام بصلة، ولا ينتمي للعروبة بخط، وليس في دمه قطرة يمنية واحدة..

لستُ أبالغ يا قومنا، فالأمر لا يخفى على المراقب الحصيف…

هل تتذكرون تلك المعارك في الساحل والتي ابتلعت الآلاف من المرتزقة في زحوفاتهم التي لم تتوقف، والتي كانت مكشوفة وتحت رحمة القناصة والبازوكة والرشاش والصاروخ واللغم اليمني، ومن لم ينل نصيبه من السواعد اليمنية؛ أتاه الطيران ليكمل المهمة ويترك الجثث للكلاب والقطط الضالة..

جاء اتفاق السويد وظننت أن البطون اليمنية في القاهرة والرياض قد اكتفت بما سرقت من المليارات التي أخذتها ثمنًا لدماء القتلى المرتزقة، لكني أفاجأ بزحفٍ عرمرمي في صرواح، وكانت النتيجة كما علمتم ورأيتم بأن ردَّ الله المعتدي، وجعل كيده في نحره وتحررت صرواح ..

وبينما كانت جثث المئات من المرتزقة تسحبها الضباع والسباع،في الجبال والسهول..

كان الموجِّه الخفي والذي لا يرف له جفن لدماء اليمنيين؛ يوجه بزحف في نجران، وانتهى الزحف كسابقه في صرواح إلا أن الطيران شارك في إبادة العبيد المستأجرين على أكمل وجه…

وبين سيول دماء الآلاف من المرتزقة الرخيصين؛ لا تكاد تجد دماء سعودية أو إماراتية إلا بالعشرات، ولا يتعدون المئات..

بعد ذلك وجه الوجه الخفي أوامره لعبيده بالزحف الأخير في الجوف، وكان الزحفُ بعدة وعتاد يكفي لاجتياح الإمارات والبحرين والكويت خلال ساعة واحدة..فقد كانت التشكيلات المتعددة تملأ صحراء صبرين والخليفين الشاسعتين..مدرعات وآليات ودبابات وأطقم وسلاح نوعي متطور، ترفرف فوقه الطائرات من كل شكل ونوع، تتبادل الأدوار، وتمشط المكان..

لاشيء يقف أمامَ ذلك الزحف في المقاييس البشرية، وقد أعدَّته السعودية ليكون الرد القاسي للهزائم المدوية في عسير ونجران وصرواح ونهم، وأرادت ستر عورتها المكشوفة خاصةً بعد أن وثق الإعلام الحربي انتصارات الجيش واللجان في كل جبهة..

تقدم الزحف، وابتلعت العجلات المطورة الأمريكية رمال الجوف وقهرتها، وتقدمت بكل ثبات وعنفوان، وردد المهاجمون أهازيج الفخر وكأن الرياح تفر منهم فكيف بالبشر..

يتقدمون ورشاشاتهم ترعد بزخات رصاصها الذي لا يتوقف، والطائرات تبرق بصواريخ وقنابل تمشيطية أمام الزحف العملاق، وبدا كل شيء وكأن الأمر قد حُسم، والنصر قد أنجز ..

لكنَّ أعين الثابتين لم تغمض، وألسنتهم لم تفتُر، وكل واحدٍ من الجيش واللجان ينغرسُ في موقعه وكأنه شجرة لا تنتظر من أحدٍ جزاءً ولا شكورا، ولا تتعلق إلا بربها في شرابها وغذائها..

وتنطلقُ إشارة شفرة البداية؛ وخلال ثوانٍ معدودة؛ أصبحت الصحراء وكأنها براكين من نوع تامبورا في أندونسيا..

لم يكن بركانًا واحدًا بل مئات البراكين، مختلفة التأثير، فبراكين الجوف تصهر الحديد لا الحجر، تذيب أحدث ما أنتجته مصانع أمريكا، ومن لم تذبها براكين الموت؛ أتاها الحريق من ولاعة شبلٍ مجاهِد…

امتلأت السماء بالغبار والبخار والدخان، ووصلت رائحة الشواء إلى الصهيوني والإماراتي والسعودي في مقصورة طائرته، وانتهى دور الطيران، واختلط الحابل بالنابل، وبدأ عمالقة الصواريخ الموجهة، وأساطين القنص المركز، وجهابذة البوازيك المسددة، ومحمديو التخطيط، وحيدريو الشجاعة؛ في نسف عتاد الجيش الزاحف والذي أصبح أعمى من النار التي تصعد من تحته، ومرعوبًا من القذائف التي تتساقط عليه..ففر منهم من استطاع الفرار في المؤخرة، وهلك الكثير ممن لا أهل لهم فيسألون عنهم، واحترق من لا قبيلة لهم ولا جاه، واستسلمَ من رأوا آيات الله تتجلى أمام ناظريهم..وانتهت المعركة كأرضٍ محروقة، تتشرب دماء العبيد -وعلى رأسهم عقيد كويتي يعمل كعميل في الاستخبارات السعودية-، وتغلي بالعشرات من الحرائق الثمينة..ولن تكفي الكلمات لوصف المشهد، ولابد من مشاهدة ما نشره الإعلام الحربي من مشاهد؛ لنقف على تأييد القوي الجبار، وبسالة الأقوياء الأطهار..

انتهت معركة الجوف بنصرٍ ساحق لأولياء الله المؤمنين، من الأبطال الصناديد، من أبناء اليمن في الجيش واللجان..

وبهزيمة ساحقة ماحقة للمرتزقة العبيد اللئام…

ووقفت المدرعات المحترقة كهياكل فرعونية شاهدة على اتساع المعركة وشدتها، وعظمة وبسالة أولي البأس والقوة، رجال اليمن العظماء..وكأني بتلك المدرعات تقول:

مدرعةٌ أتيتُ ولستُ أدري

بأني في بلادِ المُرعبينا

وأنَّ أراذل الأقوامِ كانوا

على طرف الحواشي ساكنينا

حميتُ العُهرَ في الأحشاءِ لكن

أمامَ البأسِ ولَّوا هاربينا

فلو كان الحديد نعالَ شِبلٍ

لكنتُ الآن تاج الأكرمينا

فهل يدرك الوجه الخفي أن استرخاصه للدم اليمني لن يمر، وأنَّ بأس وقوة اليمن الطولى ستطاله ولو بعد حين!

 

 

 

قد يعجبك ايضا