(مع الشهيد القائد) بقلم: ضيف الله الدريب

(مع الشهيد القائد) بقلم: ضيف الله الدريب
***
إن نجاحَ أيِّ قائدٍ مرتبطٌ بما يقدِّمه من خدمات اجتماعية للناس، وبما يبذله من جهود لتوجيه سفينة الحياة إلى شاطئ السعادة.

وقد كان الشهيد القائد (السيد حسين بدر الدين الحوثي) – رضوان الله عليه – ناجحًا في الارتقاء بالنظام الاجتماعي إلى المستوى المطلوب من خلال المشروع القرآني الذي جعله الله حاديًا إلى أنوار الهداية، ومنقذًا من مهاوي الضلالة.

وإذا أناخت بي هذه الأسطر في روضة الذكريات فإني أختار ما يسمح به المقام من الحديث عن هذا القائد الفذ، موردًا بعض المعالم المشرقة من سيرته، معتذرًا عن أيِّ تقصير:

فقد كان الشهيد القائد – رضوان الله عليه – يرى يد الظلام وهي تعبث بثروات الشعوب، وتسرق البسمة من قلوب الصغار قبل الكبار، وتغتال الأمن والطمأنينة والسكينة، وتُزْهِقُ الإيمانَ على أرضه وأمام أهله وذويه. وكان يرى إزاءَ ذلك صَمْتَ السواد الأعظم من الناس، وإحباطَهم ويأسَهم وعجزَهم عن القيام بالمعالجات المُجْدِيَة، حتى أصبح السكوتُ أغلى من الذهب، والذلةُ أحجى من العزة، وصار الخنوع هو السلعة المعروضة في أسواق التدجين، ومَنْ ضج بالبكاء والشكوى سلقته ألسنة خطباء وعلماء البلاط بألسنة حداد، واتهمته بزعزعة الأمن والاستقرار!

كان بعض المصلحين يرى أن الحل يتمثل في تضميد الجراح، وترميم الأضرار، والاكتفاء بالدعاء لولي الأمر الظالم كونه قد أصبح نوعًا من القضاء والقدر الذي لا محيص عنه، وهذا هو ديدن أغلب المنتمين إلى الإسلام آنذاك، فقد كانوا يساعدون الزعماء العملاء على إخضاع الشعب للأمير وإن قصم ظهره…

لكن الشهيد القائد – رضوان الله عليه – كان يرى أن الإصلاح الآنف الذكر لا يحل المشكلة، بل يشجع المفسدين على “الإبداع” وابتكار أصناف جديدة من الفساد، وفَرْضِ “جرعات” أكبر: من الغلاء والانحراف الثقافي، وشرعنة الوصاية الأمريكية التي تجيز لليهود والنصارى ذبح المسلمين، وإذلالهم، واحتلال بلدانهم، ونهْبَ ثرواتهم.

كان – رضوان الله عليه – يرى أن تطبيق هدى الله هو الحل الوحيد لقطع يد الفساد، واقتلاع المشروع الصهيوأمريكي من جذوره، وإنقاذ المستضعفين من عذاب الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ))(الأنفال:24).

وكانت الصرخة في وجه المستكبرين هي بداية الاستجابة العملية، ورغم أن “الموت” يتكرر في الصرخة مرتين إلا أنها شعار يُفْضِي إلى “الحياة”؛ لأن الصرخة تُشْبِهُ الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي، لكن الماء عندما يُعَبِّر عن غضب الله فإنه يتحول إلى طوفان يُغْرِقُ جميع المتمردين على فطرة الله، ويجتاح تحالف المستكبرين.

استمر الشهيد القائد في شحذ الهمم، ورفع المعنويات، من خلال محاضراته ودروسه “من هدي القرآن الكريم” التي تُمثل الوقود الفكري للمسيرة القرآنية التي تمخر العُباب الهائج بكل قوة واقتدار.

ومما ينبغي توضيحه في هذا المقام أن الشهيد القائد ربط الوعي بالعمل، وقال إنه لا يُوجَدُ في دين الله أيُّ مبدأ إلا وله ارتباط عملي في الواقع الاجتماعي للأمة المسلمة، بل كان يدفع الناس إلى المبادرة العملية في شتى القضايا، وعلى سبيل المثال أن بعض الناس كانوا يتبرعون بالأموال في سبيل الله، فكان يقول لهم أن يشتروا بها “مَلازِم” ويقوموا بتوزيعها بأنفسهم؛ وذلك التوجيه منه تفعيلٌ للواقع العملي الذي وصل إلى ذروته لدى المجتمع القرآني الذي ربَّاه على الوعي الجهادي.

كان – رضوان الله عليه – يعلم أن المشروع الصهيوأمريكي لن يفشل إلا بالجهاد في سبيل الله، فأسبغ عليه برنامجه العملي، وكسا تلك القلوب المؤمنة بِزِيِّ اليقين، حتى وصلت إلى مستوى المواجهة، وتَرَسَّخَ في سويدائها التفاني والبذلُ دون حدود. بل وصل العطاءُ الجهاديُّ لكل شخص إلى ما يعادل أُمَّةً كاملة.

لم تكن التربية الحسينية بعيدة عن تربية الثلة المؤمنة التي كانت تنصر دين الله وتؤازر رسالاته وأنبياءه في سالف العصور، فقد وصل بأنصار الله المعاصرين إلى القمة السامقة التي تبوَّأها الكرار – عليه السلام – ذلك العَلَم الشامخ الذي ينحدر عنه السيل، ولا يرقى إليه الطير.

إن الأبعاد التربوية التي رسخها الشهيد القائد هي التي تقف في وجه التحديات، وتوجِّه الصفعات إلى وجه تحالف العدوان الأمريكي منذ اندلاع مكره إلى الآن، ولولا الفكر الحسيني الصامد لَمَا تهاوت رهانات أمريكا وصهاينة الأعراب في حربهم الظالمة على اليمن؛ فقد أيقظ – رضوان الله عليه – الماردَ اليمانيَّ من سُبَاته، وتفجرت براكين الغضب التي عصفت بالعاصفة التي انتسبت إلى “الحزم” بل مرَّغت أنوف المستكبرين في تراب الذلة والهزيمة. وكلما أوجعتْهم وثباتُ الأسود الحيدرية لجؤوا إلى التفاوض وترقيع معنوياتهم المنهارة في فيافي المواجهات الضارية. وكيف لا يَثِبُ أنصار الله في تغيير الخارطة السياسية وهم يمتلكون الفكر الحسيني الذي يرى سنن الله تلفح وجوه الظالمين، وتسقط عروش المتأمركين، وتهوي بهم الهزائم فِي مكانٍ سَحِيق؟!

ونحن نعيش ذكرى استشهاد الشهيد القائد المتزامنة مع بداية العام الخامس من العدوان على اليمن، لنقول للعالم الصامت بأن الحسينَ قائدُنا، وأن الله ولينا، وأن النصر حليفنا، وأن هذا العام سيكون عام المفاجآت العسكرية التي تكشف لنا عن أسلحة جديدة لمواجهة العدو الذي يترنح كالذي يَتَخَبَّطُهُ الشيطانُ مِنَ المَسِّ.

“رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ”، “رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ”.

قد يعجبك ايضا