“معركة الأمعاء الخاوية” وفرص النجاة والنجاح

 

يتعرّض الفلسطينيون المقاومون داخل الأراضي المحتلة للاعتقال بشكل مستمر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تداهم منازلهم دون سابق إنذار وفي أي وقت تريد وتضعهم في زنزانات انفرادية وتمارس عليهم أشدّ أنواع التعذيب والتنكيل لإخماد روحهم الثورية والتأثير على معنويات الشباب الفلسطيني وإجبارهم على التراجع عن الذهاب في طريق المقاومة، ولكن هذا الأمر لم يحصل حتى اللحظة منذ أن احتل “الإسرائيليون” فلسطين واتخذ الشعب الفلسطيني منذ ذلك الوقت وحتى اللحظة أشكالاً مختلفة من المقاومة مهما اشتدت الظروف عليهم، حيث لم يستطع كيان الاحتلال منعهم من السير على نهج المقاومة بأي شكل من الأشكال، والإضراب الذي يجري حالياً في سجون الاحتلال من قبل 6 شبان فلسطينيين يؤكد على أنه لا يوجد أي أحد يستطيع ردع الفلسطينيين عن المقاومة.

الأمر المهم أن الذين يضربون عن الطعام ليسوا مجبورين على فعل ذلك وإنما يفعلون هذا الأمر بملء إرادتهم، حتى إنهم قبل بدء الإضراب يبعثون هذه الرسالة من قلب زنزاناتهم: “أنا الأسير.. قرّرتُ الخوضَ في إضرابٍ مفتوحٍ عن الطعام، بناءً على قرارٍ داخليّ، حتى تحقيق كافّة المطالب التي تمّ تقديمُها”، وطبعاً يعدّ الإقدام على الإضراب عن الطعام خطوة ليست بسيطة أبداً وقد كلفت الكثير من الفلسطينيين حياتهم إلا أنهم يجدون فيها أحد أهم أشكال المقاومة، حيث يدمّرون بهذا الشكل كل المحاولات الإسرائيلية لإذلالهم داخل السجون وقد نجحت الكثير من تجارب الفلسطينيين في هذا الموضوع ومنهم من نال حريته ومنهم من أظهر للعالم مدى إجرام الصهاينة، فضلاً عن أن تاريخ النضال الفلسطيني يشير إلى أنّ الأسرى لم يحصلوا على أيٍّ من حقوقهم الأساسيّة داخل سجون الاحتلال إلّا عبر “معركة الأمعاء الخاوية”: معركة الإرادة والتصميم، معركة الحريّة أو الشهادة.

وفي الوقت الحالي يخوض 6 أسرى إداريين معركة الإضراب المفتوح عن الطعام، في سجون الاحتلال، رفضاً وتنديداً بالإجراءات والسياسات الإسرائيلية القمعية، في مقدمتها الاعتقال الإداري التعسفي، وهم: حسام الرزة، ومحمد طبنجة، وخالد فراج، وحسن العويوي، وعودة الحروب، إضافة للمعتقل أيمن اطبيش الذي أعلن إضرابه مؤخراً رفضاً لقرار عزل.

وقال نادي الأسير إن أقدم الأسرى الذين يواصلون الإضراب عن الطعام هو الأسير حسام الرزة من محافظة نابلس الذي يواصل إضرابه عن الطعام منذ (36) يوماً.

وحاليا يواصل الأسير خالد فراج، 31 عاماً، من مخيم الدهيشة، إضرابه المفتوح عن الطعام لليوم الـ26 على التوالي، مطالباً بإنهاء اعتقاله الإداري، في ظل تدهور وضعه الصحي، ودخل خالد فراج إضرابه المفتوح عن الطعام في 26 آذار الماضي، لينضم إلى الأسيرين حسام الرزة ومحمد طبنجة، المضربين منذ 19و25 آذار وحتى اللحظة، احتجاجاً على اعتقالهما الإداري أيضاً.

وأكدت وحدة التوثيق في مؤسسة الضمير أن خالد فرّاج، والذي لا يزال يقبع في زنازين العزل في سجن النقب، يعاني من آثار استمرار إضرابه عن الطعام، كالإرهاق، وعدم القدرة على استيعاب الماء، كما بدأ باستفراغ المادة الصفراء الناتجة عن عدم دخول الطعام إلى الجسم.

وقدّم محامي مؤسسة الضمير اليوم الإثنين، 22 نيسان 2019، التماساً إلى المحكمة العليا للاحتلال، للمطالبة بالإفراج عن خالد فرّاج، الذي اعتقلته قوات الاحتلال في 24 كانون الثاني 2018، وجرى تجديد اعتقاله الإداري مرتين، أي إنه أتمّ 15 شهراً في الاعتقال الإداري.

وناشدت والدة الأسير فراج، مطلع الأسبوع الحالي، جميع المؤسسات الحقوقية المحلية، والدولية، ومنظمة الصليب الأحمر الدولي، للتدخل من أجل معرفة مصير ابنها المضرب عن الطعام احتجاجاً على اعتقاله الإداري منذ نحو شهرٍ، في ظروف اعتقالية سيئة.

ووفق عائلة الأسير فرّاج، فحالته الصحية باتت حرجة، وتتردّى بشكل حاد، ولاسيّما بعد نقله من مكان اعتقاله في سجن النقب الصحراوي، إلى مكانٍ مجهول.

خلافات واتفاقيات ظالمة

لا يمكن إنكار أن الخلاف الذي نشهده بين السلطة الفلسطينية وحماس يؤثر على الشعب الفلسطيني، حيث يضعف هذا الخلاف موقف الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج ويضعف حركة المقاومة ومقاومتها للاحتلال، ولا يوصل رسائلهم بشكل صادق إلى المجتمع الدولي.

الأمر الآخر أن السلطة الفلسطينية تتعرّض حتى اللحظة لانتقادات واسعة واحتجاجات شعبيّة جرّاء توقيعها على اتفاقيّة أوسلو من دون الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين.

وخاض الأسرى إضراباتٍ عدّة عن الطعام، مؤكّدين تمسّكَهم بحريّتهم باعتبارهم أسرى حرب ومدنيين ناضلوا ضدّ الاحتلال.

وفي بداية العقد الميلادي الحالي، وردّاً على غياب استراتيجيّة فلسطينيّة واضحة لتحرير الأسرى، شرع هؤلاء في خوض إضرابات فرديّة وجماعيّة، رفضاً لسياسة العزل الانفراديّ، ومطالبين بمعاملتهم وفق اتفاقيتيْ جنيف الثالثة والرابعة.

من أبرز هذه الإضرابات: إضرابُ 500 أسير من الجبهة الشعبيّة طوال 23 يوماً بين نهاية أيلول ومنتصف تشرين الأول 2011، وقد توقّف مع إعلان إطلاق سراح 1027 أسيراً وأسيرةً مقابل إطلاق سراح شاليط.

وقبل يوم واحد من موعد تنفيذ الجزء الثاني من الصفقة أعلن المعتقل خضر عدنان إضرابَه المفتوح عن الطعام بتاريخ 17/11/2011 ، واستمرّ 66 يوماً رفضاَ للاعتقال الإداريّ والإذلال.

وشكّل نجاحُه شرارةَ لما يشبه انتفاضةً في السجون، بعد أن قدّم الدليلَ على قدرة الشارع الفلسطينيّ على إسناد إضراب الأسرى.

وبعد أن تمكّن الأسرى من إعادة ترتيب بيتهم الداخليّ، وأَسقطوا الرهانَ على المفاوضات للإفراج عنهم بل لضمان كرامتهم، وبعد أن أبقت صفقةُ التبادل 4600 فلسطينيّ في الأسْر، ولم تنجح في إنهاء عزل 19 أسيراً من قادة الحركة، بات واضحاً أنّ ساعة الصفر قد دقّت لمعركة جديدة فاصلة بين الأسرى ومصلحة السجون، التي بدأتْ تتراجع أمام استنهاض الحركة الأسيرة لنفسها وإصرارها على استعادة مكانتها مكوِّناً أصيلاً من مكوّنات الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة.

الوقت التحليلي

قد يعجبك ايضا