زعيم الفوضى المنظمة… كيف حكم علي عبد الله صالح اليمن ثلاثة عقود بالدعاية والخداع (١_٣)

خاص: الحقيقة

صادق البهكي

المقدمة

لم يكن عهد علي عبد الله صالح (1978–2017) مجرد فترة حكم طويلة في تاريخ اليمن الحديث، بل كان نموذجًا متكاملًا لاستخدام الدعاية السياسية كأداة للبقاء في السلطة. استطاع صالح أن يوظف الخطاب الإعلامي، والرموز الوطنية، والدين، والتحالفات الداخلية والخارجية، لتشكيل صورة زائفة عن سياساته وأهدافه، بينما كانت الممارسات على الأرض تكشف عن منظومة حكم قائمة على الفساد، وتوزيع الولاءات، وتغذية الصراعات.

من حرب صيف 1994 التي صُوّرت كمعركة “إنقاذ للوحدة”، إلى حروب صعدة الست التي ألبسها ثوب “حماية الجمهورية”، وصولًا إلى فتنة ديسمبر 2017 التي أعاد فيها تدوير خطابه القديم ضد حلفاء الأمس، ظل صالح يبرع في صناعة رواية إعلامية تتناسب مع مصلحته اللحظية، حتى وإن كانت متناقضة مع خطاباته السابقة.

في هذا التقرير حاولنا تقديم قراءة استقصائية مختصرة تربط بين الوثائق السرية، الواقع السياسي والاقتصادي، والشهادات التاريخية، ليقدّم الحقيقة التي حاول نظام صالح طمسها لعقود: الحقيقة التي تقول إن عفاش لم يكن باني نهضة اليمن، بل كان أداة في يد مصالح خارجية أعادت كتابة تاريخ الوطن بما يخدم مصالحها.

عفاش لم يحمل كفنه على راحته.. بل حملته السعودية إلى كرسي الحكم

لطالما ردد عفاش وإعلامه روايةً اعتاد على تسويقها للجمهور، بأنه في 17 يوليو 1978م حمل كفنه بيده وقَبِلَ بالرئاسة بعد أن عزف الجميع عنها، وبأنه وصل إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع. غير أن الوثائق والبرقيات السرية التي أُزيح عنها الستار لاحقًا، ومنها ما نشر عبر “ويكيليكس”، تفضح تلك الرواية وتكشف أن الحقيقة مختلفة تمامًا: صالح لم يأتِ بانتخابات ولا بإرادة شعبية، وإنما جاء بتعيين سعودي مباشر، وبترتيبات شاركت فيها شخصيات نافذة داخل المملكة.

البرقيات الدبلوماسية والأمنية، بعضها مترجم عُثر عليه في مخزن وثائق صالح بصنعاء، وأخرى رُفعت عنها السرية لاحقًا، تكشف أن الدور السعودي لم يقتصر على فرض صالح رئيسًا، بل شمل كذلك ترتيب تشكيل حكومته بالكامل، بالتنسيق مع الأمريكيين، ضمن سياق إقليمي يهدف إلى جرّ اليمن الشمالي نحو صدام مع الجنوب. بل إن تلك البرقيات تعيد فتح ملف اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، مشيرة إلى تورط سعودي مباشر في تمهيد الطريق لصالح عبر سلسلة من الاغتيالات والصفقات والضغوط على المشايخ.

الوثائق التي نشرها موقع (الخبر اليمني) التي تعود للفترة ما بين اغتيال الرئيس أحمد الغشمي في 24 يونيو 1978م وتنصيب صالح في 17 يوليو من نفس العام، تكشف تفاصيل دقيقة عن كيفية إدارة الرياض للملف اليمني، وعن الدور السعودي في ترتيب السلطة وصولًا إلى تثبيت صالح رئيسًا بعيدا عن الدعايات الزائفة التي ظل يروجها طوال حكمه..

الوثائق والبرقيات التي نشرت عبارة عن برقيات سرية بين السفير السعودي في صنعاء آنذاك صالح الهديان وبين المستشار في الديوان الملكي السعودي ورئيس ما يسمى لجنة التنسيق السعودية اليمنية علي مسلم:

🔹 الوثيقة الأولى – برقية رقم 901 بتاريخ 24 يونيو 1978م

من صالح الهديان إلى معالي علي مسلم:

“تم بتوجيهاتي ما يلي: تشكيل مجلس رئاسة، العرشي رئيساً، الشيبه قائداً عاماً وعضواً، علي عبدالله صالح عضواً ونائباً للقائد العام ورئيساً للأركان، عبدالعزيز عضواً. ثم يقول: الوضع بعد مقتل الغشمي هادئ”.

🔹 الوثيقة الثانية – نفس اليوم 24 يونيو 1978م

من علي مسلم إلى سعادة صالح الهديان:

“اجعلوا من مقتل الغشمي قميص عثمان وابحثوا عن بديل لا نحمله كما حملنا الذي قتل قبل أن يتم دوره .. راقبوا العرشي وزودونا بمعلومات أكثر عنه وعن الوضع. كيف حدث ما حدث دون تنبيه مخابراتنا؟”

🔹 الوثيقة الثالثة – برقية رقم 903 بتاريخ 26 يونيو 1978م

من صالح الهديان إلى معالي علي مسلم:

“أخبرونا في القيادة أنهم يسهرون ويسكرون فلم ينتبهوا. مخابرات صنعاء مشكوك في قدرتها. العرشي إداري ولكن أبعاده السياسية محدودة. أشك في صلاحيته كمنفذ دون نقاش”.

🔹 الوثيقة الرابعة – برقية رقم 918 بتاريخ 29 يونيو 1978م

من صالح الهديان إلى معالي علي مسلم:

“وصول الشيخ عبدالله الأحمر والمشايخ بجموع كبيرة أزعجنا وأربكنا. آل الغشمي يخشون من وضع يحاسبهم على قتل الحمدي والآخرين وأنا معهم. أرى أن رجلنا هو علي عبدالله صالح المشترك بالقتل. الشعب اليمني ملتهب، الموقف خطير”.

🔹 الوثيقة الخامسة – رد علي مسلم بتاريخ 29 يونيو 1978م

من علي مسلم إلى سعادة صالح الهديان:

“ادفعوا إلى رجلنا أي مبلغ مما أرسلناه إلى الغشمي أخيراً لاستخدامه في عدن، وأرهبوا الشيخ عبدالله الأحمر والمشايخ حتى يخرجوا من صنعاء. لا تقلقوا فقد أضعفهم المخطط وأفقدهم القدرة على التأثير”.

🔹 الوثيقة السادسة – برقية بتاريخ 2 يوليو 1978م

من علي مسلم إلى سعادة صالح الهديان:

“سأصل إلى صنعاء على طائرة خاصة بمال يكفي لحسم الموقف. يتم تفاهمكم مع قادة الوحدات والضباط وتقديم المساعدة اللازمة لهم وكذلك مع أعضاء مجلس الشعب. استخدموا لغة الإرهاب وخاصة مع المشائخ فلم يبق لديكم من يستطيع المقاومة وكلهم بحاجة إلى المال. سوف أتصرف عند وصولي. تقرير المندوب الأمريكي لا قيمة له لأن هدفنا هو إضعاف الشمال والجنوب وليس إشعال حرب حقيقية. وحادث الغشمي يخدم المخطط برغم أنه ليس من ترتيبنا”.

🔹 الوثيقة السابعة – رسالة من علي مسلم إلى الأمير سلطان بن عبدالعزيز (بعد وصوله صنعاء)

“سمو الأمير سلطان، لم نكتف بسكوت المشائخ بل أمرناهم بإعلان تأييدهم لرجلنا. عبدالله الأحمر وآخرين معه كانوا ضيوفي على الغداء وقلت لهم بحزم: إن علي عبدالله صالح رجل المملكة تدعمه بكل إمكانياتها ولن تسمح لأحد بمعارضته. سلطنا على العرشي من يرهبه، وسيتم اختيار رجلنا رئيساً وقائداً عاماً يوم الثلاثاء القادم وكل شيء على ما يرام”.

البرقيات الأمريكية

وثائق السفارة الأمريكية في صنعاء آنذاك، أكدت بدورها أن المستشار السعودي علي بن مسلم كان في العاصمة لمناقشة تشكيل الحكومة، وأن صالح هو المرشح الأنسب للتوجه السعودي والأمريكي نحو الحرب مع الجنوب.

إحدى البرقيات الأمريكية (29 يونيو 1978م) بعنوان “بداية التطورات السياسية في الجمهورية العربية اليمنية” تشير إلى أن عبدالله الأحمر ومجاهد أبو شوارب سعيا للحصول على نصيبهما من السلطة، لكن السعوديين رفضوا ذلك. كما أكدت البرقية أن شخصيات مثل العرشي وعبدالعزيز عبدالغني رفضوا قطع العلاقات مع السوفييت، بينما أبدى صالح – “الطموح وعديم الخبرة” كما وصفته البرقية – حماسة للانضمام إلى السعودية في الهجوم على الجنوب.

برقية أخرى أكدت أن تعيينات الحكومة اليمنية بعد تنصيب صالح جاءت مطابقة للرغبة السعودية، فيما علق السفير الأمريكي بالقول:

“لقد نجح السعوديون في تحقيق ذلك بشكل كبير في الجمهورية العربية، نظراً لتعقيد المجتمع اليمني وتعقيدات الماضي السياسي”.

خلاصة استقصائية

تكشف هذه البرقيات أن علي عبدالله صالح لم يكن “الرجل الذي حمل كفنه”، بل كان رجل السعودية الذي جرى فرضه على اليمنيين بترتيبات مالية وأمنية وإرهابية، ضمن مخطط إقليمي لإضعاف اليمن شمالًا وجنوبًا. أما الرواية التي رددها صالح لاحقًا عن “صناديق الاقتراع” فلم تكن سوى غطاء دعائي لإخفاء حقيقة صعوده إلى السلطة على أكتاف المال السعودي والدعم الأمريكي.

عفاش ودعاياته الزائفة

يقول عفاش في مقابلة مع مجلة الرجل السعودية عام 2000م أجراها الصحفي محمد فهد الحارثي ( لم أعثر على المجلة ولكني وجدت المقابلة في موقع صحيفة (اليمن تايمز) التي تصدر باللغة الإنجليزية وفيها يجيب صالح على سؤال حول نشأته العسكرية وأنه طور شخصيته حتى وصل للرئاسة ليواجه تحديات وصعوبات في:

بناء يمن حديث

وإرساء الأمن والاستقرار

واستعادة الوحدة

ومكافحة القبلية..

وهذا نص كلامه وهو هنا يحاول الإيحاء بأنه الرجل المنقذ وأنه وصل للرئاسة ليحكم شعب همجي قادم من العصور الغابرة متجاوزا مراحل من سبقوه وبالذات المرحلة الذهبية في تاريخ اليمن المعاصر عهد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي .. والغريب أنه في نفس المقابلة يعترف بعد أكثر من 22 عام من الحكم على عدم قدرته على استخدام الحاسوب..

سوف نفد هذه الدعايات التي ظل يرددها طوال حكمه،

اكذوبة إرساء الأمن والاستقرار

بعد أن تسلم عفاش السلطة ب3 أشهر اقترف مجزرة دموية بعد فشل ما يمسى انقلاب الناصريون في 15 أكتوبر 1978  حيث تم اعتقال أغلب أعضاء القيادة التنفيذية للتنظيم والمجلس العسكري، وتم تقديم القيادة المدنية لمحكمة أمن الدولة، فتم اتخاذ قرار إعدامهم، وفعلًا نُفذ فيهم الحكم، وأخفيت جثامينهم حتى اليوم، في الوقت الذي كان قد سبقت فيه محاكمتهم محاكمة العسكريين ميدانيًّا، وأُعدِموا وأُخفِيَت جثامينهم أيضًا.

كما اعتقل نظام صالح المئات من قيادات وكوادر التنظيم، وزج بهم في السجون والمعتقلات، ومورست ضدهم شتى صنوف التعذيب وأبشعها لانتزاع الاعترافات، كما تهيَّأت المحكمة لاستقبال دفعة ثالثة من المتهمين، لولا تدخلات عديدة محلية وإقليمية حالت دون مضي نظام صالح في طريق جديد للإعدامات. أعقب الفشل قيام السلطة بتصفية العديد من الرموز والناشطين السياسيين بدون محاكمات أو اعتقال وتحقيق، كما تشرّد مئات آخرون، إما باللجوء إلى (عدن) أو إلى بعض القبائل، وفي مقدمتها (نهم) التي استضافت وحمت العشرات منهم، وإما باتخاذ الجبال غير المأهولة ملاجئَ وملاذات، كما أقدم نظام صالح على معاقبة الجميع ممّن عُرف بانتمائه للتنظيم، بحرمانهم من حقوقهم المدنية المختلفة، ومنهم من لا يزال منتهك الحقوق حتى اليوم.

وبعد عام واحد من تولي عفاش السلطة تسبب في نشوب حرب الجبهة أو حرب المناطق الوسطى، وكانت في المناطق الوسطى في اليمن ) تعز – إب – البيضاء – ذمار – ريمة وغيرها)، وسبب هذا الصراع الدموي تدهور الظروف المعيشية وتفشي الظلم وحرمان الناس من خدمات الثورة والجمهورية من أهم الأسباب التي دفعت المواطنين للانضمام للجبهة. وقد امتد نشاطها الملتهب نحو خمس سنوات.

بعد نحو اثني عشر عامًا من تولي عفاش مقاليد السلطة، أشعل حرب صيف 1994 وتسبب في خسائر قاسية للشعب اليمني ما تزال تبعاتها إلى اليوم على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتربوية وغيرها .. وأعادت اليمن قرون إلى الوراء وقضت على كل ما تم إنجازه خلال السنوات السابقة سوى في الشمال أو الجنوب..

وبعد حرب صيف 94م بعشر سنوات أعلن عفاش بدفع من واشنطن حربا دامية على أبناء صعدة وبالتحديد على الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي وأنصاره في جبل مران وحرك الجيش بكله ومعه القبائل الموالية له والجماعات التكفيرية تحت عنوان (عملية الأرض المحروقة ) انتهت في جولتها الأولى باستشهاد السيد حسين والكثير من أنصاره فلم يكونوا بأيديهم سوى سلاح (الكلاشنكوف) الذي يقتنيه المواطنين اليمنيين في مواجهة جيش دولة ودعم خارجي غير محدود وقد امتد العدوان على أبناء صعدة إلى 6 جولات اقترف فيها نظام صالح مجازر بشعة وتعامل بعنصرية وطائفية مقيته ضد أبناء صعدة ومارس كل صنوف التنكيل من قتل واعتقالات وفصل من الوظائف وأصبحت مظلومية توازي مظلومية أبناء الجنوب وزيادة..

بعد حروب صعدة التي استمرت قرابة ست سنوات عرفت بالحروب الست .. اشعل عفاش مواجهات دامية بينه وبين عيال الأحمر داخل أمانة العاصمة 2011م في مواجهات عبثية وصراع على النفوذ والمناصب.. ومحاولات حرف مسار الثورة الشعبية .. كما استهدفت قناصات صالح المتظاهرين المطالبين بإسقاط النظام وسقط العشرات من القتلى في نفس العام.

وكان عفاش أحد أسباب العدوان الأمريكي السعودي على اليمن فبعد نجاح ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر في إسقاط نظامه لجأ إلى وكلائه في الخارج والذين ركزوه ودعموه طوال حكمه الدموي فتم إعلان ما سمي بعاصفة الحزم والتي أكملت ما دمره عفاش بتدمير كل ما بناه الشعب اليمني من مؤسسات حرب عدوانية إجرامية قادتها السعودية وأمريكا ونتج عنها أكبر مأساة إنسانية في العالم واستمرت 8 سنوات برصيد أكثر من ربع مليون غارة ومئات المجازر وتدمير شبه كلي لكل المؤسسات الخدمية في اليمن..

وفي الثاني من ديسمبر عام 2017م أعلنت عفاش حربه على الشعب اليمني ودعا اتباعه للانتفاضة ضد أبناء ثورة 21 سبتمبر وضد أنصار الله بالذات بدعم سعودي أمريكي إماراتي وبعد تخطيط وخيانة طوال سنوات العدوان أي منذ 2014م بالرغم أنه في الظاهر أعلن أنه ضد العدوان لكن نفسيته الماكرة والمخادعة لم تسعفه هذه المرة وكانت نهايته المشؤومة في الرابع من ديسمبر حيث لقي حتفه خائنا لوطنه كما صعد إلى السلطة بخيانة وغدر خرج منها خائنا وغادرا…. وللحديث بقية

قد يعجبك ايضا