«شراكة الأمن البحري»… غطاء فاشل لحماية الكيان الإسرائيلي وإعادة تدوير العدوان على اليمن

التحرك الذي أُعلن عنه في الرياض من قبل السعودية وامريكا وبريطانيا تحت عنوان «شراكة الأمن البحري» ليس خطوة بريئة ولا منفصلة عن سياق المواجهة الجارية في البحر الأحمر ففي الظاهر يُقال إنه لدعم قوات المرتزقة (خفر السواحل )ومكافحة التهريب، لكن في الجوهر هو محاولة لإعادة صياغة الحضور العسكري الدولي على الشواطئ والجزر اليمنية وإعطاء غطاء دبلوماسي لتحريك قوات المرتزقة على الأرض.

واللافت أن هذا الإعلان جاء متزامناً مع زيارات وزير الدفاع السعودي لقوات العمالقة وقوات المرتزق طارق صالح ومع ظهور وفود إسرائيلية في عدن، ومع حملات إعلامية أمريكية تصف قوات طارق بالشريك الفعّال.

هذا التزامن يثير أسئلة جوهرية لا يمكن القفز عليها: إذا كانت البحرية الأمريكية والبريطانية فشلت طوال عام ونصف في المعركة البحرية مع صنعاء في البحر الأحمر، وعجزوا عن تأمين حتى الملاحة المرتبطة بالكيان الإسرائيلي، فما الذي يمكن أن يفعله مؤتمر بحري جديد أو شراكة بحرية تحمل اسماً مختلفاً؟ وكيف يمكن لتحالف لم يتمكن من حماية مدمراته من صواريخ يمنية أن يحمي ممرات بحرية شاسعة ويمنع عمليات متطورة لا تزال تتطور كل يوم؟

ثم إن المؤتمر الذي يجمع أكثر من 35 دولة يبدو في جانب كبير منه غطاءً لإعادة تموضع وتحريك قوات المرتزقة على الساحل الغربي تحت شعار «دعم خفر السواحل»، بينما الرسائل من صنعاء واضحة لا لبس فيها: أي تحرك لهذه القوات باتجاه الحديدة أو غيرها سيجعل السعودية والإمارات هدفاً مشروعاً لصواريخ الجيش اليمني واللجان الشعبية. فما الذي سيحدث حين يختلط هذا الحشد البحري بعملية برية؟ هل يدرك التحالف أن مثل هذه المغامرة ستفتح جبهة أوسع وأشد عليه؟ وهل أعدّ نفسه لتحمل كلفة التصعيد إذا تحوّلت تهديدات صنعاء إلى أفعال؟

هذه التساؤلات تكشف أن ما يجري اليوم هو حرب أعصاب أكثر من كونه خطة جاهزة للحسم… التحالف يحاول شراء الوقت واستعادة ماء الوجه بعد سلسلة إخفاقات بحرية، ويستخدم «شراكة الأمن البحري» لإظهار نفسه بمظهر الحامي للممرات الدولية، في حين أنه يعيد تدوير أدواته نفسها ويخاطر بتوسيع دائرة النار عليهم.

أما صنعاء فتتعامل مع هذا كله بوصفه حلقة في مسلسل طويل، وتعلن منذ الآن أن كل سلاح جديد أو تحرك جديد سيُواجَه بردّ نوعي وأن البحر الأحمر سيظل ساحة مفتوحة لمعادلة الردع اليمنية،حتى وقف العدوان والحصار عن غزة وأن أي مغامرة برية ستدفع السعودية والإمارات إلى قلب دائرة الاستهداف المباشر. بهذه القراءة تصبح الشراكة البحرية محاولة أخرى لتجميل وجه العدوان أكثر منها تحولاً استراتيجياً حقيقياً، وتبقى الأسئلة المقلقة بلا إجابة: إذا فشلتم طوال عام ونصف في البحر، فبأي قوة ستنجحون الآن؟

يمكن قراءة التحرك البحري الأخير ليس فقط في ضوء ما تفعله الرياض ولندن، بل أيضاً في ضوء ما تفعله العواصم الأوروبية الأخرى. فالدول الأوروبية، التي تابعت على مدى عام ونصف العجز الأمريكي البريطاني عن تأمين الملاحة في البحر الأحمر وعن ردع العمليات اليمنية، تدرك اليوم أن الموقف في البحر أكثر تعقيداً وخطورة مما يُعلن في البيانات الرسمية. كثير من هذه الدول انسحبت بهدوء من تحالفات بحرية سابقة أو قلّصت وجودها العسكري، وبعضها أعاد النظر في انخراطه حتى لا يتحول إلى هدف مباشر للعمليات اليمنية. هذا الإدراك الأوروبي يعكس قناعة متزايدة بأن أي مواجهة جديدة مع صنعاء ـ سواء بحراً أو براً ـ قد تكون مكلفة وغير مضمونة النتائج، وأن زجّ قوات المرتزقة في مغامرة برية سيستجلب بالضرورة ردّاً يمنياً يطال السعودية والإمارات وربما السفن الأوروبية نفسها إذا شاركت.

من هذا المنظور يصبح مؤتمر «الأمن البحري» في الرياض أقرب إلى منصة لإظهار تماسك صوري أكثر منه تحالفاً حقيقياً قادرًا على تغيير الميدان. الأوروبيون، بحكم مصالحهم الاقتصادية ومخاوفهم الأمنية، لا يريدون أن يكونوا طرفاً مباشراً في معركة يعلمون أن التحالف خسر جولاتها السابقة وأن صنعاء باتت تملك قدرات ردع بحرية وصاروخية متقدمة. هذا الوعي الأوروبي بالخطورة يفضح هشاشة الرهان السعودي البريطاني على إظهار «تحالف دولي» جديد، ويضع علامات استفهام أكبر: إذا كانت القوى الكبرى لم تنجح في البحر طوال الفترة الماضية، وإذا كانت الدول الأوروبية تتراجع وتتحسب، فما الذي سيضيفه مؤتمر جديد أو شراكة جديدة؟ وهل يدرك التحالف أن أي تحرك للمرتزقة باتجاه الحديدة سيحوّل السعودية والإمارات إلى أهداف مشروعة، وأن أي انخراط أوروبي في مثل هذه المغامرة سيعني جرّ أوروبا إلى قلب النار اليمنية؟ هذه الأسئلة تكشف أن خلف المظاهر الدبلوماسية هناك إدراك واسع بأن ميزان القوى تغيّر وأن محاولة إعادة فرض الوصاية على البحر اليمني قد تفتح أبواباً لا يستطيع أحد إغلاقها.

أخير ساحة المواجهة في البحر الأحمر لم تعد كما كانت قبل عام او اشهر فاليمن ادخل منظومة صاروخية بحرية جديدة فرط صوتية تم استخدامها مؤخرا في استهداف سفينة صهيونية قبالة ينبع هذه الصواريخ تتحرك بسرعات تتجاوز قدرة منظومات الدفاع التقليدية على الرد الفوري، وتقلص بشكل هائل زمن الإنذار والاستجابة، بحيث لا يكون أمام البحرية الأمريكية أو أي قوة مرافقة اقل من ثلاث ثواني أو أقل للتعامل مع تهديد معقّد ومتعدد الاتجاهات. وهذا التطور يجعل كل البيانات الرسمية عن «تعزيز الأمن البحري» تبدو أقل من الواقع بكثير، واذا كانت البحرية الامريكية في السابق كانت تمتلك 15 ثانية للاستعداد للهجمات الصاروخية اليمنية فانها مع الصواريخ الفرط صوتية لن تجد وقتا لالتقاط أنفاسها

ختاما قد يكون هذا التحرك في جوهره استعداداً وغطاءً لعملية استخباراتية صهيونية بواجهة «دعم خفر السواحل»، لكن اليمن – بجيشها ولجانها وأجهزتها الأمنية – تدرك كل شيء وتقرأ المشهد بدقة، ولن تنطلي عليها هذه التحركات مهما غُلّفت بالشعارات.

قد يعجبك ايضا