فلسطين2″ من باليستي إلى فرط صوتي ثم متعدّد الرؤوس.. اسم أرض وقضية برمزية مقدَّسة
منذ انخراطها في معركة إسناد غزة، لم تعد عمليات القوات المسلحة اليمنية مُجَـرّد رسائل دعم رمزية أَو استهداف بعيد المدى على أطراف وعمق الخارطة الصهيونية؛ بل قفزة تكنولوجية في السلاح المستخدم، ورسالة ردع تصيبُ قلب المنظومة الأمنية التي على أَسَاسها قام واستقر كيان الاحتلال الإسرائيلي.
بعمليتين نوعيتين، للقوات المسلحة اليمنية، استهداف مدينتَي “يافا وأم الرشراش” المحتلّتين، إحداهما بصاروخ باليستي فرط صوتي “فلسطين 2″؛ ما ينقل المواجهة إلى مربعٍ مختلف تمامًا، مرسخًا معادلةَ ردع، وفارضًا تحدياتٍ أمنية وعسكرية غير مسبوقة على العمق الصهيوني.
وفي قراءةٍ للحدث الناشئ ولما هو أبعد من البيان العسكري اليمني ومقاطعته مع ردود الفعل الصهيونية الأولية، تتكشف لنا عدة دلالات استراتيجية عميقة؛ فصاروخ “فلسطين 2” وهو اسم أُطلِقُ على هذا السلاح المتطور، يحمل رمزيةً سياسيةً واضحة، ويربط بشكلٍ مباشر بين تطور القدرات العسكرية اليمنية والقضية الفلسطينية.
ووفقًا لخبراء عسكريين؛ فعملية استهداف يافا المحتلّة باستخدام صاروخ “فلسطين2″، لم تقرأ على أنَّها مُجَـرّد تفصيل تقني؛ بل في جوهر الرسالة؛ فوصف الصاروخ بأنه “باليستي فرط صوتي” و”انشطاري متعدد الرؤوس” يعني الكثير من الأمور منها:
أولًا
فلسطين2″ من باليستي إلى فرط صوتي ثم متعدّد الرؤوس.. اسم أرض وقضية برمزية مقدَّسة :
إنَّ الصواريخ اليمنية الفرط صوتية، التي تفوق سرعتها سرعةَ الصوت بعدة أضعاف، مصممة للمناورة بسرعات هائلة؛ ما يجعل اعتراضها من قبل منظومات الدفاع الجوي الصهيونية الحالية، مثل “القبة الحديدية” أَو “مقلاع داوود” أَو حتى “آرو” و”ثاد” الأمريكية، تحديًا شبه مستحيل.
ثانيًّا:
إنَّ الميزة للصاروخ متعدد الرؤوس الانشطارية المستخدم في العملية الأخيرة، تزيد من صعوبة الاعتراض وتوسع دائرة التدمير المحتملة، حَيثُ ينقسم الصاروخ إلى عدة رؤوس قبل الوصول إلى الهدف؛ ما يتطلب من الدفاعات التعامل مع عدّة أهداف متزامنة.
ثالثا:
إنَّ التكتيك اليمني الذي يتنقل من الأطراف إلى المركز، مع اعتماد تغيير بنك الأهداف، يشئ بتفوق يمني تقني واستخباراتي، في حين تركزت معظم العمليات السابقة على ميناء أم الرشراش (إيلات) في الجنوب منذ بداية الأسبوع؛ فإن استهداف “أهداف حساسة في منطقة يافا” يمثل نقلة نوعية وجغرافية، “يافا” تقع ضمن التكتل السكاني والاقتصادي الأكبر للكيان الغاصب والتي يسميها (غوش دان الكبرى، وتل أبيب الكبرى).
رابعًا:
إنَّ هذه العمليات تعني ضرب العمق الاستراتيجي؛ إذ لم تعد الأهداف مقتصرة على نقاط حيويّة هُنا أَو هناك؛ بل وصلت إلى القلب الاقتصادي والأمني لكيان العدوّ الإسرائيلي، هدفُها في المقام الأول، تعميقُ الحرب النفسية على قطعان المغتصبين الصهاينة وتعزيز شعورهم بفقدان الأمان.
خامسًا: دوي صفارات الإنذار في يافا “تل أبيب” والقدس المحتلّة، وإقرار الإعلام العبري بوصول الصاروخ إلى مناطق الوسط، وتوقف مطار اللد “بن غوريون”، يحقّق هدفًا لا يقل أهميّةً عن الإصابة المادية، وهو كسر الإحساس بالأمن لدى هؤلاء المغتصبين في أهم وأحصن مدنهم.
وفي السياق ذاته، تناولت وسائل الإعلام العبرية في تحليلها لبيان القوات المسلحة اليمنية، وهي تفسر استخدام البيان لعبارة “هُروبِ الملايينِ من قطعانِ الصهاينةِ إلى الملاجئِ” مشيرةً إلى أنَّه؛ “رغم المبالغة الرقمية”، إلا أنها تشير فعلًا إلى أنَّ الهدف اليمني هو التأثير النفسي الجماعي للداخل الصهيوني.
ومحاولة الإعلام الصهيوني -بحسب الخبراء- في التقليل من شأن الأضرار؛ إلا أنَّ رواية العدوّ تؤكّـد، وإنَّ بشكلٍ غير مباشر، أجزاء حيوية من البيان العسكري اليمني، من خلال اعتراف الجبهة الداخلية بوجود إطلاق صواريخ من اليمن.
وجاء تأكيدُ دوي صفارات الإنذارات في مناطق واسعة بالوسط، بما في ذلك العمق والقدس المحتلّة، وهو ما يثبت أنَّ الصاروخ اخترق المجال الجوي ووصل إلى مرحلة التهديد الفعلي، كما إشارة المصادر العبرية إلى “محاولة” اعتراض الصاروخ وأنّه “تمكّن من الوصول”، وهذا يشير إلى نجاح الصاروخ في تجاوز خطوط الدفاعات الجوية.
كما أنَّ إقرار ما يسمى بالجبهة الداخلية الصهيونية بإيقاف الرحلات في مطار اللد، هو اعتراف رسمي بحجم التهديد اليمني وخطورته، ويؤكّـد أنَّ كيان الاحتلال أخذ العملية بعين الاعتبار المطلق، وهذا ناتج عن يقين إسرائيلي أمريكي؛ بأنَّ اليمن يمتلك إلى جانب الإرادَة السياسية، القدرة التكنولوجية لفرض تهديد حقيقي ومباشر على العُمق الصهيوني.
رسالة يمنية واضحة وموجهة لأطراف عدة؛ فلكيان العدوّ المجرم تقول إنَّ استمرار حرب الإبادة على غزة، له ثمن يتجاوز حدود القطاع، وللشعب الفلسطيني والمقاومة بأنهم ليسوا وحدهم، وللعالم العربي والإسلامي بأنَّ “خيار المواجهة” الذي يطرحه اليمن ليس مُجَـرّد شعار أَو تعاطف لحظي؛ بل استراتيجية مدعومة بإيمان عميق بعدالة القضية وبقدرات عسكرية متطورة.
في المحصلة؛ وبغض النظر عن حجم الأضرار المادية التي لم يُكشف عنها بعد؛ فإنَّ الأضرار الاستراتيجية والنفسية قد تحقّقت بالفعل، ونجح صاروخ “فلسطين 2” قبل أنَّ يصيب هدفه، في إصابة قلب المنظومة الأمنية الصهيونية، ووضع ملايين المغتصبين في دائرة الخطر المباشر، وأثبت أنَّ جغرافيا الحرب أوسع بكثير مما يعتقده الكثيرون.
المسيرة نت