كاتب عُماني : اليمن… عزٌّ لا يُكسر وشرفٌ لا يُشترى
خرج اليمن من حربٍ ظلاميةٍ شعواء شُنّت عليه بيد من كان يُفترض أنهم أشقاؤه، حربٌ غايتها تقسيمه إلى شطرين جنوبٍ وشمال وتمزيق نسيجه الوطني وتفكيك دولته.
لكن قدرة الله كانت حاضرة وعزيمة أبنائه الأوفياء كانت بالمرصاد، فحُفظ اليمن وبقيَ صامداً يتكئ على سواعد أبنائه الأمناء الذين رفضوا أن يسقط الوطن في مستنقع التبعية والضياع.
لم يكن اليمن يوماً رقماً عابراً في معادلات التاريخ بل كان دائماً الرقم الصعب الذي تتعثر عنده مشاريع الطغيان وترتدّ على جباله موجات العدوان.
فأرض سبأ وحِمْيَر ومهد العروبة الصافية لم تنحنِ يوماً لمستعمر ولم تُقهر عزيمتها أمام جيوش الغزاة، وها هي صفحات التاريخ تشهد أنّ اليمن كان ـ ولا يزال ـ مقبرةً للطامعين ومصدر فخرٍ عربيٍّ أصيل.
واليوم يُعيد اليمن كتابة اسمه بأحرفٍ من نور في سفر الكرامة من خلال وقفته الشريفة والمشرّفة مع قضية الأمة المركزية فلسطين.
لم يتردّد برغم جراحه الاقتصادية العميقة وتردّي أوضاعه المعيشية في أن ينتصر لدماء أطفال غزة وأن يكون في طليعة المساندين لمظلومية الشعب الفلسطيني لا بالكلام والخُطب بل بالفعل والميدان.
لقد أذهل اليمن العالم وهو يواجه ـ بمفرده ـ تحالفاً ثلاثياً شيطانياً يضمّ: أميركا وبريطانيا والكيان الصهيوني.
وبرغم هذا التحالف الظالم أصرّت القوات اليمنية على تنفيذ واجبها القومي والديني فقطعت البحر الأحمر بقرارٍ سيادي جريء ومنعت السفن المتجهة لميناء أم الرشراش (إيلات) من العبور في موقفٍ غير مسبوقٍ في تاريخ المواجهة مع الاحتلال.
لم تكتفِ اليمن بهذا بل أوصلت صواريخها وبأسها إلى عمق أرض فلسطين المحتلة مؤكدةً أنّ إرادتها ليست حبيسة الجغرافيا بل ممتدّة بحجم الحق وعمق المظلومية وطهارة الدم الفلسطيني.
وإننا إذ نُحيّي هذه الوقفة النادرة فإننا لا ننسى أنّ هذا الشعب العظيم الذي يرزح تحت حصار اقتصادي خانق وظروف معيشية قاسية أبى إلا أن يقوم بواجبه الديني والإنساني والقومي…
فرض اليمن حضوراً مباشراً في مقدمة صفوف القتال وأثبت للعالم أنّ النبل لا يُقاس بالثراء ولا الرجولة تُشترى بالبترول بل بالإيمان والمروءة والشرف والتعاضد العربي الخالص.
رغم غارات الطيران وحشود العدوان والحصار المطبق لم يحد اليمن قيد أنملة عن موقفه المقدس، وقالها بصوتٍ واحد لا يتبدّل:
«لن نتوقف عن ضرب عمق الكيان الصهيوني ما دام مستمراً في حرب الإبادة في غزة وما لم تُفتح المعابر لإيصال المعونات الإنسانية.»
تحية لليمن… شعباً وجيشاً وقيادة.
تحية لوطنٍ تتكسّر على جباله جحافل الغزاة وتولد من بين ركامه أنشودة النصر،
تحية للأحرار الذين أثبتوا أنّ القدس لا تنصرها سوى السواعد المؤمنة والقلوب العامرة بالحق.
وكوني مسلماً عربياً حراً فإنني أستغرب من مواقف بعض بني عروبتنا وديننا!
فطالما أنّ اليمن يتمتع بهذه المصداقية وبهذه القوة والجسارة فلماذا لا تقترب منه دول الخليج العربي؟
لماذا تُنصت هذه الدول لأصوات قوى الشر والظلم التي تدفعها لإبقاء اليمن بعيداً عن الحضن العربي بحجة أن قيادته بيد ميليشيا؟!
أما آن لنا أن ندرك أنّ من يحملون البندقية دفاعاً عن القدس أحقُّ بالتحاور والتقارب من أولئك الذين يحتلون أرض فلسطين ويعيثون فساداً وتنكيلاً بغزة وأهلها؟!
والسؤال الكبير:
لماذا تتفاوض الدول الغربية مع إيران بينما يُحرَّم على العرب التفاوض مع حماة العرين في صنعاء؟!
ختاماً
إنْ كنّا نطمح فعلاً إلى أن يكون للخليج العربي صوتٌ مسموع وهيبةٌ مهابة وقوةٌ فاعلة في معادلات الإقليم والعالم
فلا بدّ أن نعيد النظر في علاقتنا باليمن.
فاليمن ليس عبئاً ولا خصماً بل هو رصيدٌ استراتيجي وشقيقٌ أصيل ودرعٌ متين في وجه العواصف .
التقارب مع اليمن ودعمه لإعادة بناء ما دمّرته الحرب هو الخطوة الأولى نحو استعادة التوازن العربي الحقيقي.
فلتكن دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية هي من تتكفّل بإعادة إعمار بنيته التحتية وإنشاء الجامعات والمستشفيات وتحفيز الاستثمارات وإعادة الحياة إلى الاقتصاد اليمني.
وليُطوَ الماضي بجراحه وتُفتح صفحة جديدة من الشراكة والتكامل تُفضي إلى انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية كعضوٍ كامل العضوية لا ضيفاً على الهامش.
نهضة اليمن هي نهضة للمنطقة بأسرها وأمنه واستقراره هما صمام أمان لكلّ بيتٍ عربي.