كيف تناول الاعلام البريطاني والامريكي والاسرائيلي والفرنسي والصيني والروسي المولد النبوي الشريف.
كيف تناول الاعلام البريطاني والامريكي والاسرائيلي والفرنسي والصيني والروسي، المولد النبوي الشريف.
الحقيقة / كتب: عبدالرحمن حسين العابد
في الرابع من سبتمبر 2025م، احتشد مئات الآلاف في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات للاحتفال بالمناسبة، وسط تغطية إعلامية دولية متباينة أظهرت تباين الأولويات واختلاف زوايا التناول بين الوسائل الغربية والشرقية، وكذلك الإسرائيلية.
الإعلام البريطاني:
تناولت الجارديان التجمّعات الشعبية في صنعاء من زاوية إنسانية ـ سياسية، حيث نشرت صورة بارزة لمتظاهرين يرفعون شعارات التضامن مع غزة، وأرفقتها بعبارة:
“في اليمن كما في غزة، القنابل والمجاعة تسلب أرواح أطفالنا”.
هذا الطرح يبرز كيف ربطت الصحافة البريطانية بين معاناة المدنيين في اليمن وغزة، في إطار أوسع لتوصيف مواقف صنعاء من القضية الفلسطينية.
أما BBC فقد اكتفت بإشارات عابرة إلى المشاركة الشعبية والتدابير الأمنية، مع إشارة محدودة إلى الخطابات السياسية التي ألقيت خلال المناسبة.
الإعلام الأمريكي:
انشغلت الوسائل الأمريكية الكبرى (CNN، أسوشيتد برس) بالتحديات الأمنية التي رافقت الحشود الضخمة. وقد ربطت تقاريرها بين المولد النبوي وبيانات الإدانة الصادرة عن سلطات صنعاء بحق العدوان الإسرائيلي.
أما وول ستريت جورنال فقد أولت اهتماماً خاصاً بالخطابات السياسية، واعتبرت أن المناسبة استُخدمت لتعزيز الموقف المناهض لإسرائيل وإظهار وحدة الجبهة الداخلية في اليمن.
الإعلام الإسرائيلي.. المولد منصة “معادية”
جاءت التغطية الإسرائيلية (هآرتس، معاريف، يهودي تايمز) مكثفة وحذرة.. صحيفة هآرتس ركزت على قول أحد العلماء المشاركين في المناسبة:
“اليمن أكثر استعداداً من أي بلد آخر لإعادة الإسلام إلى جذوره بفضل مدرسته القرآنية”.
هذه العبارة أخذت الإهتمام الأكبر في وسائل الاعلام الاسرائيلي وقُرئت كرسالة تعبئة أيديولوجية تحمل أبعاداً أمنية وجيوسياسية.
واعتبرت معظم الصحف أن المولد النبوي تحوّل إلى منصة للدعوة إلى المقاومة ضد إسرائيل، ما يعكس المنظور الأمني الصارم الذي تتبناه تل أبيب تجاه اليمن.
الإعلام الفرنسي:
تميزت التغطية الفرنسية (لوموند، فرانس برس، ليبراسيون) بقدر من التوازن.
فقد أبرزت لوموند الطابع الثقافي للمناسبة، من الأناشيد والرقصات الشعبية، لكنها في الوقت نفسه ربطت بينها وبين المواقف السياسية لسلطات صنعاء.
وفي سياق آخر، أشارت إلى أن “الجنازة الجماهيرية التي شهدتها صنعاء بعد الغارات الإسرائيلية أكدت كيف تحولت المناسبات الدينية إلى مساحة للتعبئة السياسية والتضامن مع فلسطين”.
بهذا المزج بين الثقافة والسياسة، قدّمت الصحافة الفرنسية صورة مركبة للاحتفالات، لا تقتصر على بعدها الديني وإنما تكشف عن وظيفتها التعبوية.
الإعلام الصيني:
وسائل الإعلام الصينية (وكالة شينخوا وموقع جولوكال) ركزت على الجوانب الثقافية والإنسانية. أبرزت أن الأضواء الخضراء التي غمرت شوارع صنعاء والأناشيد الدينية والفعاليات الشعبية تشكّل جميعها تعبيرًا عن الهوية الثقافية وتعزيز التماسك الاجتماعي.
أما البعد السياسي، فقد ورد بشكل ثانوي؛ إذ أشارت التغطيات إلى رسائل التضامن مع فلسطين، لكن دون التطرق بإسهاب إلى التهديدات الأمنية أو السياقات العسكرية.
الإعلام الروسي:
الوسائل الروسية (تاس، سبوتنيك) تناولت المناسبة من زاوية سياسية ـ أمنية. فقد أبرزت الإجراءات التي اتخذتها سلطات صنعاء، مثل حظر دخول الشاحنات الكبيرة ونشر نقاط التفتيش، واعتبرت أن هذه الاحتياطات تعكس حساسية الوضع في بلد يعيش حالة صراع مفتوح.
وفي المقابل، ركزت سبوتنيك على الخطابات المناهضة لإسرائيل، معتبرة أن المولد تحول إلى “منصة لتجديد الدعم الشعبي للمقاومة الفلسطينية”.
الحصيلة النهائية:
إن قراءة التغطيات الإعلامية المختلفة تكشف عن مفارقة واضحة:
فبينما أبرزت وسائل الإعلام المحلية العمق الديني والروح الوطنية، تعاملت وسائل الإعلام الدولية مع المولد من خلال زوايا تتوافق مع أجنداتها.
البريطانيون والفرنسيون ركزوا على التوازن بين الديني والسياسي، والأمريكيون والإسرائيليون شددوا على الأبعاد الأمنية والتهديدات، والصينيون والروس قدموا صوراً متباينة بين الهوية الثقافية والهاجس الأمني.
بهذا المعنى، لم يعد المولد النبوي في نظر الاعلام الدولي حدثاً روحانياً بحتاً، بل أضحى ساحة تتداخل فيها السياسة بالدين، وتلتقي فيها الجغرافيا بالهوية.
ومع استمرار التوترات الإقليمية، يُرجّح أن تزداد هذه المناسبة أهمية في المستقبل كمنصة للتعبئة الشعبية وإرسال الرسائل السياسية، الأمر الذي سيجعلها محط أنظار الإعلام الدولي بشكل متجدد ودائم.