معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول الأمريكي : أنصار الله باتوا أكثر جرأة وصلابة وقوتهم العسكرية متصاعدة ..وإسرائيل فشلت على الرغم من الغارات الجوية المتواصلة
قوة أنصار الله تتصاعد رغم الضغوط العسكرية …الحملات العسكرية الإسرائيلية ضد اليمن تحولت إلى فشل استراتيجي
نشرت مجلة “responsible statecraft ” التابعة لمعهد كوينسي لفن الحكم المسؤول الأمريكي تحليلاً استعرضت فيه إشكالية المواجهة بين إسرائيل وأنصار الله في اليمن، موضحًا كيف فشلت تل أبيب – رغم الغارات الجوية المكثفة والدعم الأميركي – في إضعاف حركة أنصار الله التي باتت أكثر جرأة وصلابة. ويركّز التحليل على مواطن الخلل الاستراتيجي في المقاربة الإسرائيلية، وعلى العوامل التي جعلت أنصار الله يتحولون من هدف عسكري إلى لاعب إقليمي بارز في معسكر المقاومة”.
وتناول التحليل فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها، حيث تحوّلت هجماتها – مثل قصف محطة حزيز للطاقة في صنعاء – إلى ضربات رمزية ضد البنية التحتية المدنية من دون تأثير عسكري حاسم.
ورغم الخسائر، يشير المقال إلى مواصلة جماعة أنصار الله هجماتهم على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر واستهداف المطارات والموانئ داخل إسرائيل، ما أدى إلى شلّ ميناء إيلات بنسبة 90%، وتكبيد الاقتصاد الإسرائيلي أضرارًا فادحة.
وفي سياق متّصل، يعتبر الكاتب بأن الاستراتيجية الإسرائيلية القائمة على استهداف المدنيين تكشف عن سوء تقدير جوهري، خاصة وأن أنصار الله يعتمدون على منظومات طاقة لامركزية تجعل من الضربات على المحطات المركزية عديمة الجدوى.
ويخلص المقال إلى أن إسرائيل تعيد إنتاج أخطائها التاريخية مع حركات المقاومة: القصف لا يضعف الخصوم غير المتكافئين، بل يجعلهم أكثر مرونة وجرأة، ويقود إلى مزيد من عزلة تل أبيب واستنزاف مواردها.
هدد وزير الأمن الإسرائيلي، “إسرائيل” كاتس، بـ”قطع أيدي” أعداء “إسرائيل”، لكن هدفه المحدد، الحوثيين، لم يصمد فقط أمام أشهر من الضغط العسكري الإسرائيلي والأميركي، بل ازداد قوة مع كل مواجهة.
تُجسّد الضربة الإسرائيلية الأخيرة على محطة كهرباء حزاز قرب صنعاء، عاصمة اليمن، هذا الفشل الاستراتيجي: هجوم رمزي على البنية التحتية المدنية يُلحق ضرراً بالغاً بالسكان المدنيين في اليمن، من دون أن يُسهم في إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين.
لا تزال دائرة العنف واضحة جلية. منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، شنّت قوات الحوثيين هجمات شبه يومية على سفن شحن مرتبطة بـ “إسرائيل” في البحر الأحمر، إضافة إلى أهداف داخل “إسرائيل”، مثل الموانئ الجوية والبحرية، مُطلقةً أكثر من 70 صاروخاً و22 طائرة مُسيّرة على “إسرائيل” منذ آذار/ مارس/2025 وحده.
كانت هذه الهجمات، التي يُصوّرها الحوثيون باستمرار على أنها احتجاجات على الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، مؤلمة: فمنذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023، استهدف الحوثيون أكثر من 100 سفينة تجارية في البحر الأحمر، ما دفع أسعار التأمين إلى الارتفاع الشديد وفرض تحويلات مكلفة للشحن التجاري. أجبرت الضربات ميناء “إيلات” الإسرائيلي الرئيسي على البحر الأحمر على خفض عملياته بنسبة 90%، ما دفعه إلى حافة الإفلاس. دفعت هذه الإجراءات “إسرائيل” إلى رد انتقامي لا هوادة فيه ضد أهداف يمنية.
في حين انضمت الولايات المتحدة في البداية إلى الضربات الإسرائيلية، إلا أنها سرعان ما أدركت المأزق الاستراتيجي، فقد كيّف الحوثيون تكتيكاتهم بشكل أسرع مما كانت القوات الغربية قادرة على الرد بفعالية، ما أدى إلى حرب استنزاف باهظة التكلفة. أثبتت حملة القصف الأميركية التي بلغت تكلفتها مليار دولار عدم فعاليتها إلى درجة أنّ إدارة ترامب سعت إلى وقف إطلاق النار بوساطة عُمانية في أيار/مايو، على الرغم من أنّ هذا الاتفاق لم يحمِ سوى الأصول الأميركية بينما ترك “إسرائيل” عرضة لهجمات مستمرة.
تُسلّط التقارير الأخيرة الضوء على صمود قوات الحوثيين. فمنذ توقف الضربات الأميركية، أفادت التقارير بأنهم أعادوا بناء أنظمة الرادار وشبكات الاتصالات وقدرات الاستطلاع. كما أجروا مناورات بحرية في ميناء الحديدة، ونشروا أسلحة حديثة في المناطق الساحلية المطلة على البحر الأحمر، ونقلوا ذخائر إلى المناطق الغربية الجبلية.
وتجاوزت حملة “إسرائيل” الآن استهداف المواقع العسكرية الحوثية لتشمل البنية التحتية المدنية الحيوية. وتُعد محطة كهرباء حزاز أحد المرافق الرئيسية في إمداد العاصمة اليمنية صنعاء. ورغم ذلك، حاولت تل أبيب تبرير الهجوم بالادعاء بأن الحوثيين استخدموها، مُحاكيةً مبرراتها لقصف ميناء الحديدة في حزيران/يونيو، وهو شريان حياة حيوي لواردات اليمن من الوقود والأدوية والغذاء.
تعكس الاستراتيجية الإسرائيلية في مهاجمة المنشآت المدنية حسابات خاطئة جوهرية. هذه الضربات، وإن كانت مُعطِّلة بلا شك، من غير المرجح أن تؤثر بشكل كبير على عزم الحوثيين على مواصلة العمليات العسكرية دعماً للفلسطينيين. وفيما يتعلق باستهداف البنية التحتية للطاقة تحديداً، فقد انتقلت الأراضي الخاضعة لسيطرة الحوثيين، خلال الحرب مع التحالف الذي تقوده السعودية (2015-2023)، إلى الاعتماد بشكل أساسي على مصادر الطاقة اللامركزية. وأصبحت محطات الطاقة الشمسية الصغيرة، ومولدات الكهرباء المنزلية، والوحدات التي تعمل بالديزل، العمود الفقري لإمدادات الكهرباء. ونتيجة لذلك، فإن الضربات الإسرائيلية على محطات الطاقة المركزية لا تُحدث سوى تأثير استراتيجي ضئيل.
أظهر رد الحوثيين الفوري، وهو إطلاق صاروخ بالستي على “إسرائيل” زعمت تل أبيب اعتراضه، عدم تراجع قدراتهم. علاوة على ذلك، فإن هذه الهجمات على المنشآت المدنية تُعزز عزم أنصار الله ورواية مقاومة العدوان الإسرائيلي، ما يعزز شرعيتهم الإقليمية في حين تزداد عزلة “إسرائيل” الدولية.
زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، صاغ في خطاب ألقاه مؤخراً، الصراع بعبارات حادة تجاوزت اليمن، مُنتقداً الحكومات العربية لـ”ضعفها المُخزي” في خضوعها للضغوط الأميركية والإسرائيلية، ومُقارناً تقاعسها بتحدي الحوثيين.
رسالة الحوثي مُتعمّدة وفعّالة. ومن خلال إدانته لقبول لبنان المطالب الأميركية بنزع سلاح حزب الله باعتباره “خيانة للسيادة”، وسخريته من صفقات الغاز المصرية مع “إسرائيل” باعتبارها “مفارقة حزينة” مقارنة بمقاطعة صندوق الثروة السيادية النرويجي لـ “إسرائيل”، واتهامه القادة العرب بالصمت إزاء خطاب حكومة نتنياهو التوسعي حول “إسرائيل الكبرى”، فإنه يضع الحوثيين في موقع القوة الوحيدة المستعدة لمواجهة “إسرائيل” عسكرياً وخطابياً.
كل ضربة إسرائيلية على اليمن – وخاصةً ضد المواقع المدنية – تُعزز ادعاء الحوثيين بقيادة معسكر المقاومة، ما يُضعف مكانة “إسرائيل” ويُعزز نفوذ أنصار الله إلى ما هو أبعد من حدود اليمن.
في غضون ذلك، لا يزال اعتماد “إسرائيل” المُستمر على الحلول العسكرية يتجاهل الواقع السياسي الجوهري: ستستمر حملة الحوثيين طالما استمر هجوم “إسرائيل” على غزة. ويظل وقف إطلاق النار الدائم في غزة هو الحل الوحيد الذي من شأنه أن يُسقط المُبرر الرئيسي للحوثيين لهجماتهم. هذا يُبرز جوهر المشكلة؛ فالعمل العسكري لا يُمكن أن يحل ما هو في جوهره صراع سياسي. ولا يقلّ عنه في تداعياته السلبية الحصار المستمر لليمن، الذي لا يُؤدي إلا إلى معاناة المدنيين، بينما يفشل في إضعاف تجنيد الحوثيين أو الحد من المشاعر المعادية للغرب.
يُقدّم التاريخ دروساً جلية؛ من حزب الله إلى حماس إلى الحوثيين، لا يستسلم الخصوم غير المتكافئين تحت القصف، بل يتطورون. ولا يُبشر مسار “إسرائيل” الحالي إلا بعزلة أعمق، واستنزاف للموارد، وصراع مُطوّل. لا تكمن القوة الحقيقية في التهديدات الفارغة، بل في كسر حلقات العنف. ويبقى السؤال: هل سيتعلم القادة الإسرائيليون هذا الدرس قبل أن يتدهور وضعهم الاستراتيجي طويل الأمد أكثر؟
وكان موقع “ريسبونسبل استيتكرافت” الأمريكي قد كشف في الــ7 أغسطس عن حجم الإنفاق العسكري الهائل الذي تكبدته البحرية الأمريكية دفاعاً عن “إسرائيل” في مواجهة هجمات القوات اليمنية منذ أكتوبر 2023، إضافة إلى التصدي لضربات إيرانية.
ونقل الموقع عن الأدميرال جيمس كيلبي، القائم بأعمال رئيس العمليات البحرية، أن وتيرة استخدام صواريخ الدفاع الجوي من طراز ستاندارد ميسايل-3 بلغت مستوى “ينذر بالخطر”، في ظل استمرار العمليات اليمنية.
وبحسب التقرير، فإن البحرية الأمريكية أطلقت بين أكتوبر 2023 ونهاية يونيو 2025 ما يقدر بـ 268 صاروخاً من طراز SM-2، و159 صاروخاً من طراز SM-3، و280 صاروخاً من طراز SM-6 في الشرق الأوسط، معظمها لاعتراض هجمات في البحر الأحمر وحماية الشحن المتجه إلى موانئ الاحتلال الإسرائيلي.
ورغم هذه الترسانة من الصواريخ، فشلت واشنطن في وقف عمليات صنعاء المساندة لغزة، والتي استمرت لأكثر من 22 شهراً، ما يعكس محدودية فعالية الدفاعات الأمريكية في مواجهة هذا النمط من الهجمات.