نصرة السيد نصر الله لليمن: إرثٌ خالد

في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد السيد حسن نصر الله، تعود إلى الواجهة مواقفه التي شكّلت محطة أساسية في وجدان الشعوب المستضعفة، وفي مقدمها الشعب اليمني. فالسيد لم يتخذ يوماً موقع الحياد في معارك الحق والباطل، بل كان يعتبر أن الوقوف إلى جانب المظلومين واجب أخلاقي وديني لا يحتمل التردد. من يتأمل سيرته يدرك أن راحته لم تكن في الانكفاء أو الاكتفاء بالخطابات العامة، بل في حمل أصوات المحرومين والمستضعفين، وفي إعلان نصرة الحق بوجه كل قوى الاستكبار. ومن بين المحطات التي رسّخت هذه الصورة، كان موقفه التاريخي إلى جانب اليمن منذ اليوم الثاني للعدوان السعودي الأميركي عليه عام 2015.

الخطاب الأول: كشف الأهداف وبداية العلاقة

في اليوم الثاني للعدوان على اليمن، ألقى الشهيد السيد حسن نصر الله خطابه الشهير الذي وصفه لاحقاً بأنه “أشرف وأعظم خطاب في حياته”. في ذلك الخطاب، عرف اليمن إلى العالم وأعلن أن نصرته ضد ما يتعرض له أمر واجب. وبين أن ما نشرته حينها السعودية والولايات المتحدة من مزاعم حول شن العدوان ما هي إلا حجج واهية، وأوضح بجرأة أن الهدف الحقيقي للحرب لم يكن “إعادة الشرعية” كما زُعم، بل إعادة الهيمنة والوصاية على شعب قرر استعادة سيادته. تساءل السيد حينها بحدة: “إذا كان الهدف إنقاذ الشعب اليمني، فلماذا تركتم الشعب الفلسطيني عقوداً بل تآمرتم عليه”؟

في هذا الخطاب أوضح السيد عن موقف حزب الله تجاه اليمن، وتبلورت جراء هذا الموقف العلاقة بين حزب الله وأنصار الله ليتشكل عندها جبهة مقاومة جديدة، أثبتت قدرتها على الصمود والانتصار رغم الحصار والتجويع والإبادة. وبعد مرور سنوات، بات اليمن قوة إقليمية لا يستهان بها، إذ يواصل عملياته اليوم دعماً لفلسطين وغزة رغم كل التهديدات ويفرض نفسه في المعادلات الكبرى.

المكانة المعنوية عند اليمنيين

الشعب اليمني، المعروف بأصالته ووفائه، لم ينسَ موقف السيد نصر الله في أحلك الظروف. واتخذه نموذجاً يُحتذى في الصبر والمقاومة. في وجدان اليمنيين، أصبح السيد حالة حيّة تُستحضر عند مواجهة الصعاب، إذ رأوا في تجربته التي انتهت بتحرير الجنوب عام 2000 ثم انتصار تموز 2006، دليلاً على قدرة هزيمة الاستكبار مهما بلغ سلطانه بفعل التوكل على الله والإعداد والعمل المتقن.

اليمنيون الذين عانوا من الإبادة والحصار وجدوا في تجربة المقاومة الإسلامية ملهماً لهم، ورأوا في شخصية السيد قائداً صادقاً لا يساوم. لذلك لم يكن غريباً أن يحافظوا على محبته في قلوبهم، وأن يردّوا موقفه بمواقف أحسن منها، سواء في دعم فلسطين أو في دعم لبنان أثناء الحرب عليه بمواقفهم وعملياتهم العسكرية. أو حتى بعد الحرب من خلال مشاركتهم الكبيرة في تشييع السيد نصر الله، ما عبروا عنه “برد الوفاء”.

أكثر ما ميّز علاقة السيد باليمنيين هو صدق مشاعره تجاههم. في خطابات متكررة، عبّر عن رغبته الحقيقية في أن يكون إلى جانبهم في ساحات القتال، تحت راية قائدهم السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، الذي وصفه بالحكمة والشجاعة. حين تحدّث عن معركة الساحل الغربي التي خاضها أنصار الله بوجه جحافل العدوان، لم يخفِ إعجابه قائلاً إن ما جرى هناك “أشبه بالمعجزة” لأن مقاتلين بقدرات متواضعة ألحقوا هزيمة نكراء بجيوش مدعومة بأحدث الأسلحة. وأضاف بتواضع: “أنا خجول أنني لست مع المقاتلين اليمنيين، وليتني كنت أقاتل تحت راية قائدكم الشجاع”.

هذه المحبة الظاهرة جعلت السيد جزءاً من ذاكرة اليمنيين ونموذجاً للقيادة التي تلتحم بالشعوب وتشحذ عزيمتها.

إرث يتجاوز الحدود

إن المتتبع لمسيرة السيد حسن نصر الله يكتشف أنه لم يكن يوماً يسعى من خلال مواقفه إلى مكاسب سياسية أو نفوذ إقليمي كما يفعل معظم الحكام والزعماء، بل على العكس، كان يقدم كل ما يملك في سبيل أي قضية آمن بأحقيتها، بصرف النظر عن حجم التضحيات التي قد تترتب على ذلك. مواقفه من فلسطين، ومن لبنان في مواجهة الاحتلال، ومن اليمن في وجه العدوان، كلها تشهد على أن السيد كان يرى نفسه جزءاً من معركة أمة واحدة ضد الاستكبار.

لقد وقف إلى جانب المظلومين بلا حسابات بل قدّم نفسه في نهاية المطاف على طريق فلسطين، التي اعتبرها القضية المركزية للأمة، فختم حياته شهيداً في نصرتها ونصرة شعبها المظلوم.

بهذا الإرث، يظل السيد نصر الله مختلفاً عن كل الحكام الذين اعتادوا استخدام القضايا كوسيلة للهيمنة. وقدم نموذج القائد الحقيقي الذي يقود الشعوب نحو الحرية.

الخنادق

قد يعجبك ايضا