يا أُمَّـةَ القرآن.. لا تخذلوا الحسينَ من جديد!
بشير ربيع الصانع
إنَّ التفريط في زمننا هذا، على وجه التحديد، ليس كأي تفريط، بل هو تفريط في زمنٍ يتكشّف فيه العدوّ بكل وضوح، وتتموضع فيه المعركة في أوضح صورها بين معسكر الإيمان ومعسكر اليهود، بين جبهة المستضعفين وجبهة أمريكا و”إسرائيل”.
والتراجع في هذا السياق ليس تراجعًا عابرًا، بل هو تراجعٌ أمام اليهود، وتخاذلٌ يخدمهم بصورة مباشرة، حتى وإن لم يُدرِك البعض عاقبته. ومن يفرِّط ْاليوم في مسؤوليته، أَو يضعُفْ عن نصرة قضايا أمته، فإنه يُسهِمُ – من حَيثُ يدري أَو لا يدري – في تقوية كيان العدوّ، ومدّ يده في جسد الأُمَّــة، ومضاعفة الجراح في الأرض المباركة.
وتفريط اليوم، بما نملكه من رصيدٍ هائل من القرآن، والتاريخ، والتجارب، والمواقف، هو أسوأُ من أي تفريطٍ في أي زمان؛ لأَنَّ الحُجَّـةَ قد قامت على الأُمَّــة بأوضح بيان، وبأشد برهان؛ ولأن الطريق قد رُسمت بتضحيات الأنبياء والأولياء، وبالدماء الطاهرة التي سالت في كربلاء وغزة، وبالمحاضرات والتوجيهات المتكرّرة التي نسمعها من قيادة قرآنية حكيمة، تُبيّن لنا العدوّ من الصديق، والمسؤولية من الخذلان.
ولعل من أعظم الشواهد على عواقب التفريط، ما حصل لمجتمع المدينة بعد أحداث عاشوراء في واقعة “الحَرَّة”، حين استُبيحت المدينة المنورة ثلاثة أَيَّـام، فدُهست الكرامة، ووقعت المجازر، واغتُصبت الحرائر، وقُتل قرابة عشرة آلاف، منهم من لجأ إلى قبر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ-، فلم يُرحم، ولم يُصنّ. ثم ما جرى بعدها في مكة، من إحراق الكعبة المشرَّفة، ورميها بالمنجنيق، وما حصل كذلك في العراق، من فوضى، وتسلط الجبابرة، وتحول الأُمَّــة إلى أشلاء ممزقة، كُـلّ ذلك كان نتيجة مباشرة لتفريطها في الحسين، وخِذلانها له.
وهذه الشواهدُ ليست روايات للتسلية، بل مرايا تُظهِرُ لنا واقعَنا، وتُحذرنا من المصير إن أعدنا الخطأ نفسه. فما حصل للمفرطين بالأمس، يتكرّر اليوم أمام أعيننا، ولكن بلبوسٍ جديد، وتحت شعاراتٍ مختلفة، بينما الجوهر واحد، والخطر هو ذاته، بل أشد وأشد.
والتفريط لا يبدأ أمام الحدث، بل يبدأُ في ما قبله، حين يسمع الناسُ التوجيهات من القيادة القرآنية، فلا يُحسنون الإصغاء، ولا يقدّرون التوجيهات، ولا يُدركون حجم المسؤولية، فيؤجلون، ويتردّدون، ويستهينون، حتى إذَا وقعت الكارثة، وهاج العدوّ، قالوا: ليتنا فعلنا، وليتنا سمعنا، ولكن بعد فوات الأوان.
لذلك، في هذه المرحلة الخطيرة التي نعيشها، ومع وضوح التوجيهات الإلهية، وبيان القيادة الصادقة ممثلة بالسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي – يحفظه الله –، لا بد أن نكون على أعلى درجات اليقظة، وأن نحذر من التفريط في أقوالنا وأفعالنا ومواقفنا؛ لأن الزمن ليس وقت التردّد، ولا موضع الحيرة، بل وقتُ الثبات، والعزة، والنهوض، والاصطفاف في صَفِّ الحق بكل وضوح، مهما كانت التكاليف.