آمالُ “سلام” محاطةٌ بأكاذيبَ سعوديّة وإصرار أمريكي على “الابتزاز”

 

غادر وفدُ المكتب السُّلطاني العُماني العاصمةَ صنعاءَ،  الجمعة، وذلك بعد ستة أَيَّـامٍ عقد خلالها لقاءاتٍ متنوعةً مع الأطرافِ الوطنيةِ التي قدمت له تصوراً “ممكناً” لعملية إنهاء العدوان والحصار على اليمن، والتي تبدأُ بمعالجة المِـلَـفِّ الإنساني، في الوقت الذي تواصلُ فيه دولُ العدوان ومرتزِقتُها شحنَ الأجواء بالمزيد من الشائعات والأكاذيبِ؛ لإثارة الرأي العام، وتبحَثُ الولاياتُ المتحدة عن المزيد من “ضغوط” الابتزاز، الأمر الذي يترجم حرصاً كَبيراً على إعاقة أي توجّـه نحو سلام حقيقي؛ لأَنَّ ذلك ينطوي كما يبدو على هزيمةٍ واضحةٍ لرُعاة العدوان الذين يبحثون اليوم عن سبيلٍ للخروج “بماء وجه” قد جَفَّ منذ زمن طويل.

 

صنعاءُ تقدِّمُ تصوراً ممكناً للسلام

رئيسُ الوفد الوطني، ناطق أنصار الله، محمد عبد السلام، والذي غادر برفقةِ الوفد العُماني عائدا إلى مسقط، أوضح أن اللقاءاتِ التي أجراها العمانيون، شملت قائدَ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، ورئيسَ المجلس السياسي الأعلى مهدي المشَّاط، ورئاسةَ هيئة الأركان العامة، ولجنةَ التنسيق وإعادة الانتشار في الحديدة، إلى جانبِ شخصياتٍ اجتماعية وسياسية من مأرب.

ويُفهَمُ من ذلك أن الوفدَ العماني ناقش تقريبًا كُـلَّ المِـلَـفَّات الرئيسية المتعلقة بالعدوان والحصار، وهو ما أكّـده عبدُ السلام، الذي أضاف أَيْـضاً أن اللقاءات جرت في جوٍّ تسودُه الجديةُ والمسؤولية، وأن الأطراف الوطنية “قدمت للوفد العماني الشقيق التصورَ الممكنَ لإنهاء العدوان ورفع الحصار المفروض على اليمن بدءاً من العملية الإنسانية”.

وأشَارَ عبد السلام إلى أن التصور اليمني “ركّز على العملية الإنسانية وما يليها من خطوات لاحقة تؤدي للأمن والاستقرار في اليمن ودول الجوار”، وأنه “تصورٌ جاد ومسؤول ومباشر”.

يعني ذلك أن معالجة المِـلَـفِّ الإنساني ما زالت تمثلُ الأولويةَ التي تسبقُ الدخولَ في تفاوض حول المِـلَـفَّات العسكرية والسياسية على مختلف الأصعدة، وهو الأمر الذي استطاعت صنعاءُ تثبيتَه على طاولة المفاوضات، بالرغم من المحاولات المكثّـفة من قبل العدوِّ للقفز عليه وفرض “مقايضة” الجانب الإنساني بمكاسبَ عسكرية وسياسية.

عبد السلام أضاف أن الوفدَ الوطنيَّ سيستكملُ النقاشاتِ مع المجتمع الدولي في سلطنة عمان؛ “للوصول إلى ما يمكن أن يؤدي إلى حَلٍّ”.

 

العدوُّ يكثّـفُ حملاتِ التضليل

بهذا تكونُ صنعاءُ قد ألقت مجدّدًا الكُرةَ في ملعب تحالف العدوان ورعاته الذين لم ينفكوا عن إرسالِ رسائلَ سلبيةٍ منذ وصول الوفد العماني إلى صنعاء، الأمر الذي اعتبره مراقبون دلالةً على عدم استعدادهم للوصول إلى حلولٍ حقيقية، وإصرارهم على إبقاء مسار التفاوض “فارغا” من أي محتوى جاد يفضي إلى تقدم ملموس (إلا إذَا كان استسلام صنعاء!)، بما يجعل المجال مفتوحاً دائماً للمراوغة والخداع.

آخرُ تلك الرسائل السلبية، ويبدو أنها ليست الأخيرةَ، قيامُ النظام السعوديّ بدفع حكومة المرتزِقة لإصدار بيان، أمس، يقول: إن صنعاء رفضت فتحَ مطار صنعاء “إلا بشروطها”، ويتهمها بـ”نهب إيرادات ميناء الحديدة” كمبرّر لمنع سفن الوقود من الوصول إليه، وهو اتّهام كاذب؛ لأَنَّ الأمم المتحدة كانت قد رعت اتّفاقاً يقضي بإيداعِ إيرادات الميناء في حساب مخصَّص للمرتبات بالبنك المركزي في الحديدة، بشرط أن تقومَ حكومةُ المرتزِقة بإيداع حصةٍ من الإيرادات التي تسيطر عليها لاستكمال مبلغ الرواتب لكل الموظفين، وبعد امتناعِ المرتزِقة بشكل كامل عن تنفيذ التزاماتهم، قامت صنعاء بدفعِ نصفِ راتب للموظفين، من المبلغ الذي كانت قد أودعته في الحساب، الأمر الذي اتخذته الأممُ المتحدة ودولُ العدوان “مبرّراً” للقرصنة على السفن، وقد اعترف غريفيث نفسُه آنذاك بهذا بدون أي حياء.

بيانُ حكومة المرتزِقة جاء ضمن سلسلة من محاولات التشويش الإعلامية المكثّـفة التي تبناها تحالف العدوان ورعاتُه منذ اليوم الأول لوصول الوفد العماني إلى صنعاءَ، والتي تضمنت أَيْـضاً الترويجَ لإشاعة نزع “شبكة ألغام” في باب المندب وجزيرتَي حنيش وزقر، الأمر الذي نفاه المتحدثُ باسم القوات المسلحة، العميد يحيى سريع، مؤكّـداً أنه “فبركةٌ واهيةٌ، الهدفُ منها التضليلُ على الرأي العام الدولي بأن الجيش واللجان الشعبيّة يشكلون خطراً على الملاحة البحرية”.

الولايات المتحدة وبريطانيا أظهرتا مشاركةً واضحةً في محاولات إثارة الرأي العام المتزامنة مع زيارة الوفد العماني لصنعاء، من خلال الترويج لإشاعة سقوط ضحايا مدنيين في مأرب، نتيجةَ قصف صاروخي من صنعاء، بدون توفر أبسط الأدلة على ذلك.

 

مأزِقٌ أمريكي: البحثُ عن المزيدِ من “الضغوطات”

من واقع المؤشرات التي أظهرها تفاعُلُ قوى العدوّ مع زيارة الوفد العماني لصنعاء، كان واضحًا أن الولايات المتحدة، بوصفها الإدارة العليا للعدوان، تعيشُ مأزقاً كَبيراً في اليمن، وهو مأزق يتخلص في: إدراكِ ثبوت العجز العسكري، لكن مع الحاجة إلى مخرج “يحفظ ماء الوجه”، حسب تعبير سماحة الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، الذي أشار في خطابه الأخير إلى أن الولاياتِ المتحدةَ “تمارِسُ عمليةَ دجل وتضليل عندما تقدم نفسها كوسيط”، وأنها “تريدُ أن يبقى الوفدُ اليمني المفاوض تحتَ ضغوط الفقر والحصار ليقدم التنازلات”.

السيد نصر الله قدم قراءةً دقيقةً وواقعيةً لطبيعة المساعي الأمريكية الآن، والتي لا علاقة لها بـ”السلام، بل تتمحور بشكل كامل حول البحث عن “استسلام” يمني يعوّضُ العجزَ العسكري لقوى العدوان ويمنح واشنطن سبيلاً للخروج من مستنقع اليمن بصورة انتصار، أَو على الأقل بمظهر الوسيط الذي حقّق السلام، لكن هذه المساعي تصطدم، وبشكل مزعج للولايات المتحدة، بموقف ثابت لا يتبدل من قبل صنعاء التي تؤكّـد بشكل متجدد على استحالة القبول بمقايضة الحقوق الإنسانية للشعب اليمني بمكاسب عسكرية وسياسية للعدو.

ومع انسدادِ أُفُقِ “الابتزاز”، تدركُ الولاياتُ المتحدة أن النتيجةَ ستكون تصعيدَ ضربات وعمليات الردع العسكري التي قد تصل إلى مستوياتٍ مزلزلة، وهو الأمر الذي سعت الولاياتُ المتحدة إلى تجنبه أصلاً من خلال تقمص دور “الوسيط”.

ولتجنُّب هذه النتيجة، يبدو أن الولاياتِ المتحدةَ تسعى لخلق جو من “البحث اللامنتهي عن السلام” من خلال تعقيدِ عملية التفاوض وإطالتها إلى أقصى حَــدٍّ، على أملِ كسبِ وقت لخلق ضغوطات أكثرَ على صنعاء التي يفترض –حسب آمال واشنطن- أن تخففَ وتيرةَ عملياتها العسكرية لإنجاح هذا البحث الأزلي عن “السلام”.

هذا ما يوضحه سلوكُ واشنطن المتَّجِهُ باستمرار نحوَ إيجادِ المزيد من “الضغوطات”، وآخرها إعلان الخارجية الأمريكية، أمس، عن فرضِ عقوباتٍ على ما أسمته “شبكة دولية تدعم الحوثيين”، وهي شخصياتٌ تجاريةٌ من القطاع الخاص، وقد وصف عضوُ المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، هذا القرار بـ”جريمة جديدة تأتي ضمن خطة ممنهجة للقضاء على الاقتصاد” بعد “استهدافِ البنك المركزي وضرب المصانع وتجويع اليمنيين بالحصار”.

هذا القرار يبرهنُ بوضوحٍ على صحةِ قراءةِ السيد حسن نصر الله، للمأزقِ الأمريكي في اليمن، وبالتالي يبرهنُ على أن واشنطن غيرُ مستعدةٍ أبداً للتخلي عن ورقة الحصار، وبالتالي إيقاف العدوان، وهو أَيْـضاً ما يؤكّـدُه الدعمُ الأمريكي للشائعات التي يروِّجُها تحالفُ العدوان بكثافة، هذه الفترة؛ لإثارة الرأي العام عالميًّا ومحليا ضد صنعاء.

لكن في هذه الحالة، قد تصطدمُ الولاياتُ المتحدة وبشكلٍ مفاجئٍ بانهيار خطتِها للخروج بـ”ماء الوجه”؛ لأَنَّ هذه الخطة مبنيةٌ كما يبدو على افتراضات قصيرة النظر بأن صنعاءَ يمكنُ أن تُخدَعَ بالمراوغة أَو تنحنيَ للضغوط.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا