أباتشي ونسور!

الحقيقة/د/مصباح الهمداني

صحيح أننا نودع شهداء صعدوا في ساحات الوغى؛ لكنَّا نسمعُ صدى وقعَ أقدامهم في الجبهات، ونرى أثرَ إقدامهم في المواجهات، ونشاهِد نتائج كرهم في الإعلام الحربي..

ففي مجازة عسير أقبل العدو السعودي بخيله ورجله، وجمعَ مرتزقة الأرض علَّه يحقق شيئًا في حدوده الجنوبية..وحمل عبيد الريالات كالغنم فوق مدرعاته، ثم قذف بهم إلى نقطة اللاعودة، بعد أن أمرهم بالانتشار كجرادٍ تائه في أرضٍ قاحلة..

هناك استقبلهم رجال اليمن، وأبطال الوطن بالدواء الذي لا يخيب، والسِّر الذي لا يخطئ..أوله التسبيح والحمد والشكر والثناء، وطرفه الآخر كتفٌ ورشاش، وصاروخٌ وقناص…

تحركتِ المدرعات وأعين المؤمنين ترقبها بدقة، وترصدها بمهارة، وما إن انطلقت رصاصة الحسم، حتى تبعتها قذائف الإتقان، وبدأت تتساقط فوق المدرعات والتجمعات وكأنها مأمورة مُسيرة..ارتبك العبيد واحتاروا بين الهروب أو انتظار الموت، يمموا وجوههم إلى السماء، فرأوا عشرات الأباتشي تظلل زحفهم، وتراقب أقدَامهم..قرر العبيد الاحتماء بالآليات؛ لكنَّ الصواريخ اليمانية الموجهة أخذت تطير بأجنحتها وتتراقص بحمولتها لتستقر في قلب تلك المدرعات الممتلئة بالبشر والسلاح، وبعضُ تلك الصواريخ الطائرة عافَتْ الجيف المتوقفة، وأبَتْ إلاَّ أن تُلاحق الأطقم والآليات المتحركة، ومع كل صاورخ وقذيفة تتطاير مدرعة وآلية..

وجدَ العبيد أنفسهم تحتَ جبلٍ لا يحميهم، ومدرعاتٍ لا تؤيهم، وصناديد يتخطفون أرواحهم، فقرروا الهروب وولوا الأدبار..لكن الأباتشي لم ترحمهم، ولم تُقدر مواقفهم، ولم تثمن بيعهم لأنفسهم، ففتحت نيرانها الكثيفة، وألقت بحمولاتها المتفجرة، فوق عبيدها الهاربين، وكأنهم ثيران في غابةٍ أفريقية، وليسوا بشرًا لهم أهلٌ وقبيلة..

وما إن طوي الزحف وانهزم العدو شر هزيمة في عسير..حتى أتى الخبر من صرواح في حكاية أسطورية أخرى، سيبحثُ معها المنهزمين؛ بقية أعمار من تبقى منهم عن كيفية حدوث ذلك..

لقد ظنَّ محسن أن تلك التباب التي سيطر عليها في صرواح منذ 2015 و2016 والتي تمتد لأكثر من 35 كم قد أصبحت ملكية خاصة به، ولذلك بنى فيها الكهوف الكبيرة، ووفر لها الإنارة الجيدة، ولم يبقَ إلا أن يحيطها بالأسوار الحديدية، وهو المعروف بأسواره الطويلة، وأطماعه المستطيلة، وملأها بأحدث السلاح الأمريكي البريطاني، وراهنَ على أنها الوطن البديل، عوضًا عن جبال وتباب سنحان التي تبرأت منه ومن أخيه…

وكما يُقال أن النملة تسير إلى الهلاك بعد أن تنبت لها الأجنحة، وهذا ما حدث لليدومي والآنسي؛ فقد وضع محمد زايد في جيوبهم بعض المال الحرام، ونفخ في صدروهم ببعض الأوهام، ومناهم ووعدهم بإزالتهم من قائمة الرجس والإرهاب والآثام، وطلب منهم أن يهاجموا على حين غرة في صرواح ونهم، فنفذوا الأوامر وبدأوا التخطيط والتنفيذ؛ وكانت المفاجأة، وحلَّت عليهم وعلى من يسير خلفهم الفاجعة..حين علم الأشبال بالمخطط، وأقبلَ رجال اليمن الغيارى الأحرار من حيث لم يحتسب العدو، ولم يخطر له ببال، فقد تحرك أولي البأس الشديد من أربعة مسارات؛ ابتداءً من جبل هيلان، ثم الحماجرة والأشقري، ثم مغربة وانتهاءً بالزغن..

ارتبكَ العبيد وهم يشاهدون أربعة مسارات تتحرك في توقيت واحد، وهي مفاجأة لم يعتادوها من قبل، ووجدوا أنفسهم بين كماشات متعددة، وقلبوا أعينهم نحو السماء لعلهم يشاهدوا مدد البارات؛ لكنهم لم يجدوا فيها إلا النسور تترقب عشاءها المعتاد كلما حمي الوطيس، وكعادة بني مصلاح، فالضرورات تبيح المحظورات، وسلامة الرأس أولى من اليباس..

فبدأت قوافل الهاربين تتسابق فيما بين بينها، وتخلل الهروب اشتباكات بالأيدي والأرجل، وعض بالأسنان، ونهش بالأظافر..

هربوا بالمئات بل بالآلاف تاركين خلفهم جثث القتلى والجرحى، وأنواع السلاح والغذاء، ولم تمضِ ثمان وأربعون ساعة إلا وتباب زيد العاقل، والعلم، وتبة القاضي، وسلسلة أتياس، وتبة السفينة والراصد وأطهب تُقبل أقدام المجاهدين، وتتبرك بنعالهم الطاهرة، وتغتسل ببركتهم من بارود 25 ألف غارة نزلت عليها، وتردد بصخورها وجبالها صرخات المؤمنين، وتُعلن لكل اليمنيين تحرير ثلاثة أرباع صرواح من دنس العملاء الرخاص…

وكم أسعدني حينَ علمتُ بزغردةِ أختي وهي تودِّعُ حبيبها وقرة عينها..ولدها البطل، العائد شهيدًا من جبهة النصر الأسطوري.

تحية لأولئك الأبطال العظماء الأوفياء الشرفاء، وإلى آبائهم وأمهاتهم وإخوانهم..

تحية للقبيلة اليمنية التي أثبتت أنها السد المنيع والجدار الرفيع لحماية الأرض والعرض والدين..

تحية للقائد الاستثنائي، العلم المسدد..والذي أحيا أمة مجاهدة تواجه العالم وتصنع النصر ولا تؤمن إلا بالنصر..

وحديث رجالها وأشبالها وحاضنتهم :ليس أمامنا إلاَّ النصر أو النصر.

 

قد يعجبك ايضا