أرامكو ونهايةُ اقتصاد العدوان.. أبعادٌ استراتيجية لعمليات الردع

 

نعودُ للحديث مجدّدًا عن عملية توازن الردع السابعة التي استهدفت شركةَ أرامكو في رأس تنورة بمنطقة الدَّمَّامِ شرقي السعوديّة بثماني طائرات مسيرة نوع صمَّـاد3 وصاروخ باليستي نوع ذو الفقار، وكذلك تم قصف منشآت أرامكو في مناطق جدة وجيزان ونجران بخمسة صواريخ باليستية نوع بدر وطائرتين مسيَّرتين نوع صمَّـاد3، حَيثُ تأتي هذه العمليةُ الاستراتيجية في إطار حق اليمن الطبيعي والمشروع في كُـلّ الشرائع السماوية والقوانين والأعراف المحلية والدولية في الرد على تصعيد العدوان الغاشم والحصار الجائر، ولهذه العملية أبعادٌ استراتيجية قصيرة وطويلة المدى تتمثل في بُعدين استراتيجيين.

والبُعْــدُ الاستراتيجي الأول يشملُ الأضرارَ الكارثية التي سوف تصيب الاقتصاد السعوديّ في مقتل، وسوف يتضرر النظام السعوديّ ماليًّا واقتصاديًّا ويؤدي إلى انخفاض الأسهم في شركة أرامكو إلى نسبة 5 %، وهي نسبة كبيرة، مقارنة بما يترتب عليه من خسائرَ فادحة في ميزانية النظام السعوديّ تصل إلى مئات المليارات من الدولارات، ويؤدي إلى فقدان الثقة لدى المساهمين، وستعمد إلى سحب رؤوس أموالهم والذي سيترتب عليه عدم القُدرة في الوفاء بالالتزامات والنفقات الضرورية وتآكل احتياطاتها الخارجية من النقد الأجنبي.

أما البُعْــدُ الاستراتيجي الثاني يتمثل في الرسائل التي يبعثها الجيشُ واللجان الشعبيّة ممثلاً بالقوة الصاروخية والطيران المسيَّر ومضمونه ما وصل إليه من قدرات دفاعية متطورة وتدعو إلى فرض معادلة جديدة على الواقع السياسي، وهي أن خيارَ التفاوض سيصبح مطلباً لدى النظام السعوديّ للخروج من الوحل الذي تورط فيه باليمن.

والقوة الصاروخية والطيران المسيَّر في عمليات الردع السابقة التي استهدفت عمق الاقتصاد السعوديّ في أرامكو وفي كُـلّ مرة كان يصيب الهدف بدقة عالية وتحترق أرامكو ويصيبها الشلل التام وتبلى بخسائر فادحة.

وتعتبر أرامكو شركة سعوديّة تعمل في مجالات النفط والغاز الطبيعي والأعمال المتعلقة بها من تنقيب وإنتاج وتكرير وتوزيع وشحن وتسويق، وتعد أكبر شركة في العالم، حَيثُ قدرت قيمتها السوقية في عام 2015م بحوالي 10 تريليونات دولار، وبلغ إجمالي أرباحها في العام 2018م بحوالي 111 مليار دولار، أي ما يعادل أرباح الشركات الكبرى في العالم، وتعتبر عصب الاقتصاد السعوديّ الذي دخل المراحل الأخيرة للانهيار الاقتصادي نتيجة لعمليات نوازن الردع التي ينفذها الجيش واللجان الشعبيّة ممثلاً بالقوة الصاروخية والطيران المسيّر، وعملاً بقوله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ).

ضرورة العملية والرد على الحرب الاقتصادية:

جاء الرد وكان ضروريًّا؛ نتيجةَ تصعيد العدوان والحصار الشامل على اليمن، علماً بأن هذا الاستهداف ليس الأول ولن يكون الأخير، ويأتي من منطلق القاعدة الربانية العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص، ومن باب الرد بالمثل والدفاع عن النفس، وعملاً بقوله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ، إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ، وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا).

ويندرج هذا الرد أَيْـضاً ضمن دائرة الحرب الاقتصادية التي يرتكبها تحالف العدوان والذي استهدف البُنية التحتية للاقتصاد اليمني وجعلها أهدافاً عسكرية منذ الوهلة الأولى لعدوانه الغاشم في 26 مارس 2015م، مخالفاً بذلك القوانين الدولية، ومتجاوزاً كُـلّ أخلاقيات الحروب، وشمل كذلك هذا العدوان الغاشم حرباً مالية ونقدية واقتصادية ونهب فيها ثروات اليمن وموارده السيادية من النفط والغاز وجميع الإيرادات في المنافذ البرية والجوية والبحرية وتوريدها إلى حساباته الخارجية في البنك الأهلي في الرياض، ومنع دخول سفن النفط في ميناء الحديدة، ومنع صرف مرتبات الموظفين، وفرض القيود على الصادرات والواردات، وخلّف الكثيرَ من الأزمات، إضافة إلى طباعة آلاف المليارات من العُملة المزوَّرة، حَيثُ ضرب فيها الاستقرار المعيشي والاقتصادي في بلد الإيمان والحكمة وأثّر ذلك على انخفاض كبير في نصيب دخل الفرد والناتج المحلي الإجمالي.

وجاءت هذه العمليةُ الاستراتيجية ونحن تفصلنا أَيَّـامٌ قلائلُ على قرب الذكرى السابعة لثورة الواحد والعشرين من سبتمبر وعلى مدى ما يقارب من سبع سنوات استخدم فيها العدوان الغاشم والحصار الجائر كافة الوسائل المحرمة دوليًّا في سبيل تحقيق أهدافه الإجرامية بحق الشعب اليمني الذي يصنف كواحد من أفقر الشعوب في المنطقة استهدف فيها الشيخ والمرأة والطفل ودمّـر المزرعة والمدرسة والمصنع والسوق والطريق العام واستهدف مخازن الغذاء وخزانات وشبكات المياه وفرض حظرًا جويًّا وبحريًّا وبريًّا على شعبنا اليمني.

وكذلك ما أوجع الأعداءَ ثباتُ وصمود هذا الشعب اليمني العظيم والتحدي والإقدام والاستبسال في المواجهة ومواصلة الكفاح والاستمرارية في رفد الجبهات بالمقاتلين والإمدَادات بأنواعها في ظل العدوان والحصار الظالم، وهذا ما يقهر الأعداء؛ لأَنَّ هذا الشعب العظيم بإمْكَانياته المحدودة وقدراته وموارده البسيطة لا يزال يتصدرُ مواقعَ الهجوم وليس الدفاع في المعركة والذي أنهك فيها العدوُّ وتفككت جيوشُه ومرتزِقته وانهارت ترسانةَ أسلحته المتطورة والحديثة وأصبحت غنيمةً في أرض المعركة للجيش واللجان الشعبيّة.

“اللاعبون” الأَسَاسيون والمعالجات القادمة الضرورية:

ومن المعلوم أن الاقتصاد اليمني واجه كماً من المتغيرات السياسية والأمنية والتشريعية والتي كانت لها انعكاساتُها المباشرة في رسم ملامح الاقتصاد في المرحلة الراهنة، حَيثُ يمر الاقتصاد اليمني بعدوان وحصار غاشم أوهنت قواه الحية وأضعفت قدراته الإنتاجية وبدَّدت طاقاته المادية والمالية والبشرية، فالاقتصادُ اليمني من الاقتصاديات الضعيفة، من حَيثُ هياكله الإنتاجية؛ نتيجة السياسات والقوانين والاتّفاقيات والبرامج المستوردة؛ بغرضِ إضعافه والتي جاء بها برنامجُ الإصلاح المالي والإداري من صندوق البنك الدولي وبعض التشريعات التي تعرقل عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولأهداف استعمارية تم فرضها، في حين تتبنى البلدان سياسات متنوعة؛ بهَدفِ إنجاز أهدافها الاقتصادية الرئيسية.

ولعلَّ السياساتِ الماليةَ والاقتصاديةَ وتوجيهاتِ القيادة الثورية والسياسية وصمودَ الشعب اليمني العظيم هي أحدُ أبرز اللاعبين المساعدين في الوصول إلى المحطات المنشودة، وكذلك عبر تطبيق أهداف وبرامجَ ترمي إلى الحِفاظ على بعضِ المؤشرات الاقتصادية، وعليه كان من الضروري التحَرُّكُ إلى بناءٍ اقتصاد قوي من خلال تغييرِ المفاهيمِ الاستعمارية المغلوطة في جميع المجالات المالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولا يستقيمُ ذلك إلا من خلال أهدافٍ وبرامجَ وسياساتٍ ومعالجاتٍ ضرورية.

صحيفة المسيرة: د. يحيى علي السقاف

وكيلُ وزارة المالية

قد يعجبك ايضا