أطفال اليمن: تنشئة قرآنية لنهضة “أنصارية”

منذ اليوم الأول لتحالف العدوان الأمريكي – السعودي على بلد الإيمان والحكمة، كان التعليم بمدارسه ومرافقه ومؤسساته هدفًا دسمًا على رأس قائمة بنك الأهداف لغارات التحالف الهمجية. حرصت دول التحالف طوال سني الحصار والدمار، على استهداف كل ما يمكن أن يبني في حاضر اليمن شيئًا لمستقبله.

واجه الأطفال والمعلمون صنوفًا من الاستهداف اليومي والممنهج، فتبعثرت أحلام الصغار تحت أنقاض الفصول وركام المدارس، واختلطت دماؤهم بمناهجهم وتناثرت بقايا حقائبهم مع أشلائهم.

جريمة الحصار كانت أشد فتكًا وألمًا، تجرع فيها اليمني معلمًا وطالبًا ويلات سبع سنوات لمّا تتوقف. وفي أبرز صورٍ الإجرام الدولي المشرعن بصمت العالم، ما يزال المعلمون والتربويون في اليمن يتقلبون تحت سياط انقطاع مرتباتهم كما هو حال كل موظفي الدولة للعام السادس على التوالي، بعد أن نقلت دول التحالف البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى محافظة عدن المحتلة.

ورغم كل هذه الآلام، واصل اليمنيون التعليم بعزيمةٍ وهمةٍ عالية، متجاوزين كل عراقيل العدوان والحصار. انتظم الطلبة على مقاعد الدراسة تحت الأشجار وفوق الأنقاض ووسط الخيام، وحضر المدرس ليُعلّمَ جيل الغد، وهو لا يملك في جيبه ثمن ما يقله إلى منزله.

وها هو اليمن في السنة الثامنة، ما يزال النظام التعليمي فيه قائمًا، وكل طفل يمني يحظى بحقه في التعلم بما هو متاح، وإن كان العالم كله بتواطئه مع العدوان أو بصمته وخنوعه أراد حرمانه. الجدير أيضًا بالاهتمام، أن الشعب اليمني لم يصمد في جبهة التعليم بالحفاظ على استمراريته فحسب، بل أقام رسميًا وشعبيًا نظامًا تربويًا تعليميًا خاصًا بالعطلة الصيفية في كافة المحافظات الحرة، ناله ما ناله من بشاعة ووحشية هذا العدوان، واستُهدفت المدارس الصيفية عسكريًا واعلاميًا وبمختلف الوسائل، ولا يمكن أن ننسى جريمة استهداف حافلة الأطفال بضحيان.

أطفال اليمن: تنشئة قرآنية لنهضة "أنصارية"

وما إن دشن قائد المسيرة القرآنية السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي برامج الصيف لهذا العام، حتى تدفق الأطفال صوب المراكز والمدارس. ووصل عدد الملتحقين في الأيام الأولى للصيف في محافظة صعدة وحدها أكثر من سبعين ألف طالبٍ وطالبة.

ينوّه رئيس اللجنة الفنية للدورات الصيفية ووكيل قطاع الشباب بوزارة الشباب والرياضة بحكومة الانقاذ الوطني الأستاذ عبد الله الرازحي في تصريحٍ خاصٍ لموقع “العهد” الإخباري إلى أن “الإقبال على الدورات في تزايدٍ مطردٍ عامًا تلو عام، بل إن مستوى الالتحاق تجاوز التوقعات بكثير، وتفاجأنا بالأعداد الهائلة التي تفد إلى الدورات. وصيف هذا العام بالذات كانت هناك مدارس ومراكز، عجزت عن استيعاب الطلاب الوافدين إليها، ووصلت طاقتها الاستيعابية إلى الذروة.
ومن الملفت أيضًا أن أعداد الطلاب الملتحقين بالمدارس المستمرة (المخيمات) تضاعفت عن الأعوام السابقة، وهذا مؤشر لاندفاع فئة طلاب الثانوية (الراشدين)، الذين كان يعزف الكثير منهم عن الالتحاق بالدورات في السابق، نحو الدورات”.

الدورات الصيفية حصانة ضد حرب العدو الناعمة

تأسست دورات الصيف بناءً على نظام تربوي توعويٍ تثقيفيٍ شامل، وضعت له الخطط، وتضافرت فيه الجهود الرسمية والمجتمعية. ويوضح الأستاذ الرازحي لموقع “العهد” الاخباري بعضًا من الأهداف التي تسعى الدروس الصيفية لتحقيقها: “إن الدورات الصيفية تسعى لبناء الشخصية الايمانية الواعية المنتجة، على أساس هدى القرآن ومنظومة القيم والأخلاق والهوية الايمانية والانتماء الوطني، وتسعى لتحصين الأبناء من عوامل الاختراق والانحراف والتحريف، وقطع الطريق على قوى الشر التي تستهدفها”.

كما تهدف بحسب الرازحي إلى “تنمية المهارات الذاتية، وتشجيع الابداع والابتكار ورعاية أصحابها والاسهام في رفد المجتمع بجيل صالحٍ، يجتهد في خدمة مجتمعه وأمته، وأن يكون متسلحًا بالعلم والمعرفة والوعي، مرتبطًا بالقرآن وأعلام الهداية من أهل البيت عليهم السلام، قادرًا على التأثير والتغيير. وتعمل الدورات على تجذير وترسيخ ارتباط أبنائنا بقضايا الأمة، وفي مقدمتها القدس الشريف”.

في خطابه لافتتاح صيف هذا العام تحدث قائد المسيرة القرآنية السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي عن أهمية الدورات الصيفية بالقول “ميزة الدورات الصيفية أنها تأتي في إطار التوجه التحرري العملي الشامل لشعبنا الذي يستند إلى كتاب الله والهوية الإيمانية”. ويشير كذلك في ذات الخطاب إلى حرب قوى الشر المستهدفة للناشئة خاصةً “الأعداء يُسخّرون مختلف وسائل الإعلام والتواصل لتضليل الأمة، ولا بد من التحصن بالوعي والبصيرة.. الأعداء يستهدفون الجيل الناشئ والشباب لإفسادهم وتضييعهم، حتى لا يتجهوا بشكل صحيح لينهضوا كأمة قوية مستقلة”.

إن برامج الصيف تقدم منهجًا قرآنيا توعويًا، يكبر فيها الأطفال بالقرآن ثقافةً ومسيرة حياة.
أصبح صغار اليمن في كل حصة ودرسٍ صيفي يرددون شعار “الله أكبر -الموت لأمريكا – الموت لاسرائيل – اللعنة على اليهود – النصر للاسلام” ويهتفون بشعار الدورات الصيفية “علمٌ وجهاد” عن وعيٍ متنامٍ. وما أعظمها من مراكز، حين تنشأ فيها الأجيال على العزة والكرامة والحرية، حاملين معهم سلاح الايمان، ومستنيرين بثقافة الجهاد.

وكما هو تنوع الدروس الثقافية المقدمة، من قرآن وتاريخ وسيرة نبوية واهتمام واسعٍ باللغة العربية، فإن الدورات الصيفية تزخر كذلك بالكثير من الأنشطة الفنية والرياضية، والحرفية والزراعية وغيرها، وبشكل عمليٍ أتاح للطلاب فرصة التجربة والتطبيق، كلٌّ حسب ميوله واهتماماته.

أطفال اليمن: تنشئة قرآنية لنهضة "أنصارية"

إن برامج الصيف واجهت بكل قوةٍ حرب العدو الفكرية والثقافية، بل أصبحت حصنًا وملاذًا يتوجه إليه الآباء لحفظ أبنائهم من وسائل غزو العدو المرئية والمسموعة أو عبر شبكة الانترنت.
لاقت دورات الصيف ارتياحًا كبيرًا من المجتمع بمختلف أطيافه، في هذا السياق يؤكد الرازحي لموقع “العهد” الإخباري” أن دورات الصيف تحظى بتفاعل شعبيٍ واسعٍ وكبير، فالمجتمع يلتف حول هذا المشروع ويتعاطى بحماس معه، ويقدم له الدعم المادي والمعنوي ويسهم بشكل فاعلٍ في أنشطته وبرامجه.

رغم أنف العدوان.. دورات الصيف في تطور وازدهار

يقول الرازحي في حديثه لموقع “العهد” الإخباري “بتوفيق الله وعونه، وبفضل الرعاية التي توليها القيادة لهذا المشروع الرائد فقد حققت الدورات جملةً من الانجازات على أكثر من صعيد، بالرغم من جسامة التحديات، والظروف الضاغطة التي تعاني منها بلادنا جراء العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي الغاشم والظالم. وكانت الانجازات دافعًا للاستمرار، وتحقيق طموحات أكبر بخطًى ثابتةٍ ومدروسة”. ومن جملة ما تحقق على سبيل المثال لا الحصر بحسب الرازحي:

– على الصعيد القانوني والمؤسسي تمت مأسسة مشروع الدورات ضمن هيكلة الدولة، وإدراجها في المنظومة التنظيمية والإدارية لرئاسة الوزراء، واستكمال المعالجة القانونية اللازمة لهذا الغرض.

– قامت اللجنة العليا بإعداد وصياغة مناهج وبرامج تعليمية حديثة خاصة بالدورات، وطباعتها وفق أحدث المواصفات، وتوزيعها مجانًا.

– التحق بالدورات مئات الآلاف من الطلاب وتلقوا تعليمًا نوعيًا متميزًا.  

– تخرج من الحلقات القرآنية (جيل القرآن)، وهي دورات تستمر طيلة العام بالتزامن مع الدراسة النظامية، عددٌ كبيرٌ من الحفاظ والمجيدين لقراءة القرآن وفهم آياته.

– التأييد والقبول الجماهيري والمجتمعي للدورات وتبوؤها مكانة مرموقة تنامى لدى المجتمع بكل أطيافه، واكتسب ثقته ودعمه وذلك لما لمسه من أثر ومردود إيجابي.

– شكلت الدورات جدار حماية فعالة أمام حملات الحرب الناعمة المسعورة التي تستهدف الجيل الناشئ، والتي يشنها العدوان بالتوازي مع الحرب الخشنة.

بالإضافة إلى الإنجازات على الصعيد التربوي والتعليمي والمهاري، لا يتسع المقام للاسترسال في عرضها.

وفي ختام حديث رئيس اللجنة الفنية للدورات الصيفية يؤكد الرازحي لموقع “العهد” الإخباري أن مشروع الدورات ليس بديلاً عن الدراسة الرسمية ولا يمكن أن يكون، ولكن تتقاطع الغايات والأهداف، لتشكل تكاملاً في العملية التربوية والتعليمية. فالدورات تركز بشكل أساسي على الأنشطة التفاعلية، والتي يمكن أن تستمر طيلة العام فتصبح رافدًا مؤازرًا للدراسة الرسمية.

 

سراء جمال الشهاري

قد يعجبك ايضا