أقيال اليمن !

عين الحقيقة/كتب /د/ مصباح الهمداني

تختلط المشاعر فجأة، وتضطرب الأحاسيس على غير العادة، وأنتَ تُقلِّب بصرك، أمام خبرٍ ما، ثُمَّ تستدعي بصيرتك لِفهمِ ما حدَث!

لن أتوقَّفَ بكم كثيرًا أمامَ حالاتٍ كثيرة، يصعبُ على المُتأمِّل استيعابها، ويعجزُ المُحلِّل عن تفسيرِ أسرارِها، وكلما توقفتُ عند واحدة، وأخذتني بتفاصيلها إلى عمقِ الحدث، وإلى معينِ العرفان، وسلسبيل الإيمان، ومراتب اليقين..

يتجدد خبرٍ جديد؛ بحدثٍ جديد، وعارفٍ جديد، وأجدُ نفسي أبتدئ من جديد، وأجد أقدام معرفتي تصعدُ من جديد أولى درجاتِ سُلَّمَ النُّور..

سأتوقف معكم اليوم عند آخرِ خبر، وكما يسمونه “هُم” آخر بُشرى:

صعدَ بالأمس شهيد، لم أتشرف بمعرفته من قبل، ولا أعرف أبيه، ولا أحدًا من إخوانه؛ إلا أني عرفتُهم جميعًا من خِلالِ من رافقهم، وصاحبهم، وآخاهم، وسايرهم…

وحين وضعتُ اسم الشهيدَ وصورته أمام بصري، وأدرتُ مُحرِّكَ بصيرتي، وبعدَ أن دققتُ وأمعنتُ ؛ فقد رأيتُ في الصورة خمسةُ أشبال، أو خمسةُ أسود، أو خمسةُ أقيال، أو خمسة جبال، سمِّهِم ما شِئتَ، فكلُّ الأسماءِ في حقهم قليل، وكل الوصفُ في حضرتهم هزيل…

خمسةٌ كانوا ككواكبٍ دُرِّية، وخلفهم شمس وقمر!
خمسةٌ من خيرةِ الشباب، توفَّرتْ لهُم كل وسائِلِ العيش الرغيدِ، فالسيارةِ يمتلكونها، والبيتُ موجود، والمالُ الكافي متوفر، وأرقى والدين خُلُقًا، وتعامُلاً، ومَرحا…
صعدَ أولهم شهيدًا؛ فلم تُخِف دماؤه المنسكبة بقية إخوته!
وصعدَ الثاني شهيدًا؛ ولم يرتعِبَا قلبا والديه!
وصعدَ الثالثُ شهيدًا؛ ولم ترتِجف أفئدةُ إخوته وهم يلملمون أشلاءه!
وعاد الرابعُ جريحًا؛ ولم تُثني كُسوره عزيمةُ أمُّ العظماء، ولم توهنُ جراحه شموخُ أخواتِ الكرماء!
وصعدَ آخرهم؛ الخامسُ شهيدًا؛ واكتملَ العددْ…

وجاء المُعزُّون، وفي فمِ كلٍّ منهم كلمةٌ خائرة، وفي كل عينٍ منهم نظرةٌ حائرة، إلا أن الأبُ العظيم، يواجهُ الجميعَ بنظرة الواثق، وكلمة العارِف ويقول
” بل اكتملت الفرحة، وتمَّ الشراء، وربحنا البيع”

تقدَّم أولاده الخمسة جميعهم، إلى ميادين الوغى، ومواطِنِ الرجولة، في عزيمةٍ لا يعتريها لين، وبأسٍ لا يعرف التردد!
تقدم الخمسة الأشبال الأبطال إلى معركةٍ ليسَ فيها سوى الحسنيين نصرٌ أو استشهاد!
تقدم الخمسة الأولياء إلى ميدان الحرب، مع أنهم لم يدخلوا كلية شرطة، ولا حربية، ولا بحرية، ولم يسافروا لأخذ دورات التجنيد في كليات زايد العسكرية، ولم يلتحقوا بمعسكرات الأردن التدريبية!

تقدم الخمسة استجابةً لنداء الوطن والواجِبِ والغيرة والعروبة والدين!

إنني أشعر بالخجل، ويمتلئ قلبي وعقلي بالحياء؛ حينَ أقِفُ أمامَ أسرٍ بعينها وقد قدمتْ مُعظم شبابها فداءً لهذا الوطن، ودفاعًا عن الأرضِ والعرض،وردعًا؛
للجنجويدي، والبنقالي، والبلاك ووتر، وبقية جنسيات الإرتزاق؛ والذي جاؤوا غزاة مرتزقة ومستأجرين ليفعلوا الأفاعيل وسيرتهم معروفه ولا تحتاج إلى شرح التفاصيل!

تقدم الخمسة لكي لا يحلَّ بصنعاء ما حلَّ بعدن، والتي أصبح الحالُ فيها، يُدمي قلبَ كل ذي مروءةٍ وشرف، حتى أصبحَت الأمهات، مع الطفلات الصغيرات، يخرجنَ إلى الشوارع، حاملاتٍ أوراقٍ مكتوبٌ عليها 
( أيها الغُزاة المحتلين: إن كان آباؤنا في سجونكم أحياء؛ فاسمحوا لنا برؤيتهم، وإن ماتوا تحت تعذيبكم؛ فسلموا لنا جثثهم لندفنهم)

صعد الخمسة نحو قمة العزة والكرامة والإباء، صعد الخمسة إلى قمم العلياء، وإلى مراتب الأولياء العظماء…

لم يصعدوا إلا بعدَ أن ملأوا صفحات التاريخ ببطولاتٍ لا مثيلَ لها، وعزائم لا نظير لها، وبأسٍ لا يُقاسُ به بأس..

آخرهم!
لم يصعد إلا بعدَ أن جندَلَ العشرات من السعاودة ومرتزقتهم، في جبهات ما وراء الحدود.
ولم يصعد حتى اقتحم مع رفاقه عشرات المواقع السعودية. 
ولم يصعد حتى أحرق بولاعته الكثير من المدرعات والدبابات الأمريكية والإسرائيلية والتي اشتراها الجيش السعودي. 
لم يصعد إلا وقد صعدت أقدامه عشرات المجنزرات المعتدية…

ولو فكر هؤلاء الخمسة، وأسرتهم الكريمة، كما يفكر بعض الراقدين، لجلسوا في البيوت، وركبوا أفخم السيارات، ولبسوا أجمل الثياب، وقاموا بعجن وخبز شوارع صنعاء بأحدث السيارات، وبأغلى العطورات، وأحزق وأرخى البنطلونات، وأغلى الأكوات، وألمَع الكرفتتات، ويقضون سنوات العدوان، تسكع وهنجمة؛ من شارع إلى شارع، ومن مول إلى مول، حتى يصل الجنجويدي إلى غرف النوم…

لكنهم رفضوا إلا أن يكونوا حيث يكون الرجال!
واختاروا لأنفسهم حيث يكون الأقيال!
وسلكوا منهج القائد الذي قال: 
نحن قوم الأفعالِ لا الأقوال!

وبهم وبأمثالهم من العظماء الأقيال؛ احتار الغازي، وخارت قواه، وخرِفَتْ جيوشه، وتكبد الهزائم في كل جبهة، وأصبح بعضهم يلعن بعضا، بل ويقتل بعضهم بعضا، ويُشمت بعضهم بعضا، وكل واحدٍ يصفُ الآخر بالجُبنِ والهروب!

ولا بد أنكم في شوقٍ لمعرفة أولئك الخمسة العظماء الأقيال!

إنهم أبناء نائب وزير الخدمة المدنية الأستاذ العلامة عبد الله حسين المؤيد.
وآخر الخمسة هو الشهيد البطل: إبراهيم (أبو خليل).

إن كلَّ متابع، في مشارق الأرضِ ومغاربها، يُدركُ أن الفجر قد لاح، وإن النصرَ قاب قوسين أو أدنى في جبهة اليمن والإيمان!
جبهة القوة والبأس والعرفان؛ في الجبهة التي قائدها القائد، وفي جنباتها:
رئيس لا يغيب نوره عن الجبهات!
وثورية لا تتأخر عن المُهِمات!
ورجال أقيال في قلب المواجهة!
بهؤلاء جميعًا؛ وبالآلاف من أمثالِ الخمسة العظماء؛ سيتحقق النصر العظيم !!

قد يعجبك ايضا