الإعلامي علي ضافر يكتب عن :اليمن والموجة الثورية الثالثة..

 

في 26 آذار/مارس 2015، أي بعد 6 أشهر من انتصار الثورة، أعلن عادل الجبير السّفير السعودي في واشنطن العدوان على اليمن، لتدخل الثورة موجتها الثالثة عسكرياً في الدفاع عن اليمن ومكتسبات الثورة.

يقال إنَّ الموجة الثورية تولد ضمن سلسلة من الثورات التي تحدث في أماكن مختلفة وفترة زمنية متشابهة، بمعنى أنَّ الموجة الثورية تحاكي نموذجاً ثورياً محدداً في مكان مختلف، وتتمثّله في الخطابات والمطالب والآليات والوسائل، كالموجة التي حصلت في عالمنا العربي عقب ثورة 23 تموز/يوليو 1952 في مصر، بانقلاب الضبّاط الأحرار وإطاحة الملك فاروق، وما استتبعها من سلسلة انقلابات وثورات كانت تنتهي بقذيفة دبابة وبيان عسكري رقم 1. وقد استنسخ اليمن ذلك النموذج في ستينيات القرن الماضي بما حصل في العام 1962، وبالتالي فإن الطابع العسكري غلب على هذا النموذج، وإن رفع القادة العسكريّون حينها شعارات مختلفة.

وبمقاربة ومقارنة بسيطة بين ذلك القرن ونموذج القرن الواحد والعشرين، وتحديداً في اليمن، نجد أنَّ ثورة الحادي والعشرين من أيلول/سبتمبر 2014 جاءت من خارج الطبقة السياسية التقليدية، ومن خارج المؤسسة العسكرية، وكانت ثورة شعبية سلمية نظيفة، رغم محاولات الأطراف المقابلة لشيطنتها، وتالياً عسكرتها، وبالتالي شكَّلت خليطاً متداخلاً من الثورات العربية والإقليمية والدولية، فأخذت من النموذج الجزائري رفض الاحتلال والوصاية والهيمنة الخارجيّة، وأخذت من الثورة الإيرانية والهندية سلميّتهما واعتمادهما على الجماهير الشعبية من خارج الطبقة التقليدية المرتهنة لوصاية الخارج وهيمنته، كما أخذت من الثورة البلشفية بعدها المطلبي الاجتماعي، وتمثّلت مطالب الجماهير برفض رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وبالتالي هذه الثورة شكَّلت نموذجاً فردياً في القرن الواحد والعشرين، وبعثت قلقاً عميقاً لدى واشنطن والرياض وتل أبيب.

على الصعيد المحلي، فإنَّ ثورة 21 أيلول/سبتمبر لم تنصب محاكم التفتيش وتعاقب الخصوم على الهوية والمذهب والتوجه السياسي، كما حصل في ستينيات القرن الماضي، ولم تقبل بنصف تحوّل، كما حصل في ثورة 11 شباط/فبراير 2011 التي ركبت القوى السياسية والعسكرية التقليدية موجتها، وصادرت مكتسباتها، وهمشت أبرز مكوناتها الثورية والشعبية، وقبلت مبادرة الوصاية الأميركية السعودية التي تمخضت عن حكومة محاصصة وتقاسم بين الأطراف التقليديّة للنظام القديم (المؤتمر والإصلاح وحلفاؤهما)، وأقصت “أنصار الله” والحراك الجنوبي حينها والشباب الثائر المستقلّ، ما دفع قيادة “أنصار الله” إلى تصدّر المشهد الثوري بهدف إسقاط الوصاية الأميركية والسعودية، والحفاظ على مكتسبات الثورة، وضمان الحرية والاستقلال والعيش الكريم، بعيداً عن أي منغصات أو تدخلات خارجية، وبالتالي جاءت ثورة 21 سبتمبر كموجة تصحيحية لثورة 11 فبراير.

ولأنَّ الدول التي تريد فرض الوصاية على اليمن والتعامل معه كحديقة خلفية لم يرُق لها هذا الحراك، ولم تستجب لمطالب الجماهير، ولم تحترم إرادة الشعب وحقّه في تقرير مصيره، ذهبت إلى اتخاذ خطوات عقابية على الشعب اليمني، وفرضت عقوبات اقتصادية تمثلت برفع الدعم عن المشتقات النفطية لمفاقمة الحالة المعيشية وارتفاع الأسعار وزيادة معدلات الفقر، كما فرضت عقوبات على القيادات الثورية عبر مجلس الأمن، بمزاعم أنّها “معطّلة للحل”، والحلّ هنا على الطريقة الأميركية، ثم وضعت اليمن تحت البند السابع، ووجّهت تهديدات شخصية إلى السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، ما لم يتخلَّ عن الجماهير ويقبل بالإملاءات الخارجية كأمر واقع.

في المقابل، إن القوى الثورية لم تلقِ بالاً لهذه العقوبات الدولية، وكان الثوار حينها يرددون شعارات وأهازيج شعبية من قبيل “بالعشر ما نبالي”، وغيرها من الشعارات التي أظهرت صلابة في موقف الثوار لمواصلة المسير نحو انتزاع الحرية والاستقلال في القرار.

ومع استمرار الشدّ والجذب، وجّهت قيادة الثورة، ممثلة بالسيد عبد الملك الحوثي، إنذاراً في خطاب أطلق عليه الثوار اسم “خطاب الإنذار”، وتوعّد فيه بخطوات تصعيدية، ما لم يلغِ النظام وداعموه الإقليميون والدوليون قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية، ويقيلوا الحكومة، وينفّذوا مخرجات الحوار الوطني، ويلغوا فكرة الأقاليم التي جاءت من خارج التوافق الوطني في أروقة فندق “موفنبيك”.

وكالعادة، كان الرد في المقابل هو التجاهل، ما دفع الثوار إلى الإقدام على خطواتهم التصعيدية، بأن دعت قيادة الثورة إلى تنفيذ اعتصام مدني سلمي في قلب العاصمة صنعاء، ثم دعت لاحقاً الثوار من مختلف المحافظات إلى التوجه نحو العاصمة صنعاء، فانطلق الملايين في اليوم التالي لينصبوا مخيمات في مداخل العاصمة من كلِّ الجهات، ورفعوا الشارات الصفراء والشارات الحمراء.

هذه الخطوات الثورية التصعيديَّة أقلقت واشنطن والرياض ومن لفَّ لفهم. يفسّر ذلك في حينه بيانات الخارجية الأميركية ومجلس التعاون الخليجي وبيان مجلس الأمن الَّذي اعتبر الخطوة تهديداً للأمن والسلم الدوليين، وأرسلت واشنطن طائراتها التجسسية لرصد مخيمات الثوار في محيط العاصمة، وحلّقت الطائرات الحربية على رؤوسهم بهدف إخافتهم، بل وصل الحال إلى أن أرسل النظام قواه الأمنية، إلى جانب تكفيريين تم استجلابهم إلى العاصمة، لارتكاب مجازر دموية بحق الثوار أمام مجلس الوزراء وفي شارع المطار، بغية جرّ الثورة نحو الخيار العسكري. 

أدرك الثوار المؤامرة، فقابلوا العسكريين بالورود، في مشهد بغاية السلميَّة، دفعت العسكريين إلى الإحجام عن العنف، ولاحقاً الالتحاق بصفوف الثوار، وكان ذلك نتاجاً طبيعياً لحكمة القيادة وعملها بالتعاون مع قيادات قبلية وقيادات داخل المؤسسة العسكرية، لإقناع الألوية والمعسكرات بالنأي بأنفسهم عن الصدام مع الثوار، فوجدنا المعسكرات تلو المعسكرات، والألوية المحيطة بالعاصمة والموجودة على قممها، تعلن ولاءها لقيادة الثورة والتحاقها بالثوار.

أمام هذه المشهديَّة من التلاحم الثوري بين المدنيين والعسكر، جنّ جنون السلطة والنافذين في المؤسَّسة العسكرية، وتحديداً علي محسن الأحمر (رجل السعودية الأول في اليمن)، واندفعوا إلى ارتكاب المزيد من الحماقات بحق الثوار، ما دفع قيادة الثورة في المقابل إلى حماية الثوار، بالتوجّه إلى معسكر الفرقة الأولى مدرع، حيث كان علي محسن متواجداً، ودخلوا في اشتباك مباشر، فأسقطوا الفرقة وأحلام السفارات، وانتصرت الثورة بعد شهر وبضعة أيام، أي من آب/أغسطس إلى أيلول/سبتمبر من العام 2014.

 وفي عشية ذلك اليوم، وبدلاً من أن ترسل قيادة الثورة خصومها إلى السجون، وإلى المشانق والجحيم، أرسلت إليهم مندوبيها لتوقيع اتفاق السلم والشراكة كعنوان لمرحلة جديدة تسودها الشراكة والهدوء. وقد وقّعت المكونات المناوئة للثورة في حينها على ذلك الاتفاق، بحضور المبعوث الأممي جمال بن عمر، وحظي ذلك الاتفاق بمباركة دوليّة، ثم ما لبثوا أن انقلبوا عليه وأوعزوا إلى أدواتهم بالاستقالة من الحكومة والرئاسة، لتدخل البلاد في حالة فراغ سياسي ودستوري، وتغادر السفارات الأميركية والسعودية والبريطانية والإماراتية وبقية السفارات صنعاء، لفرض عزلة سياسية على حكومة الثورة.

وفي 26 آذار/مارس 2015، أي بعد 6 أشهر من انتصار الثورة، أعلن عادل الجبير السّفير السعودي في واشنطن العدوان على اليمن، لتدخل الثورة موجتها الثالثة عسكرياً في الدفاع عن اليمن ومكتسبات الثورة. وها هي اليوم في العيد السابع للثورة، وعلى أعتاب العام الثامن، صامدة في وجه تحالف عدواني بدأ بـ17 دولة، انفرط عقده خلال سنوات الحرب، فيما لم ينفرط عقد الثورة، ولا عزمها، بل نمت وتطورت وتحوَّلت من قوة محلية فاعلة إلى قوة إقليمية صاعدة، ومثّلت إضافة نوعية لمحور المقاومة في مواجهة مشاريع الهيمنة الأميركية والإسرائيلية والغربية، ولا مكان فيها للهزيمة أو القبول بنصف تحوّل.

 

الميادين-نت

قد يعجبك ايضا