الانسحاب من الحديدة جاء بأمر من واشنطن للرياض.. والهدف فتح باب للمفاوضات..بقلم/بسام أبو شريف*

قبل اسبوع من الزمن وافقت واشنطن على بيع صواريخ طلبتها الرياض وهي عبارة عن صفقة تضم صواريخ جو – جو وتضم صواريخ دقيقة التهديف، محرمة دولياً.

وجاءت موافقة البيت الأبيض على هذه الصفقة، لما تدره من أموال على الولايات المتحدة في زمن يحاول فيه بايدن أن يشعر الأمريكيين بأن هنالك تقدماً إقتصادياً كبيراً في الولايات المتحدة في عهده رغم كل الصعاب والمنافسة الصينية التي تحصل عنقاً الى عنق مع الولايات المتحدة.

موافقة البيت الأبيض على الصفقة فيها نوعاً من الإحراج للإدارة الأمريكية أمام الكونغرس الأمريكي في ظل كافة الظروف التي تحيط بسمعة السعودية في الكونغرس ولدى الرأي العام الأمريكي.

فالرئيس بايدن وعد بكشف بعض الوثائق المتصلة بالحادي عشر من سبتمبر – تدمير برج منظمة التجارة العالمية، وكشفت بعض الوثائق التي تشير الى إمكانية وجود علاقة بين منفذي العملية وشخصيات رسمية سعودية.

وآثار هذا حفيظة عدد كبير من أعضاء الكونغرس وحفز نواب الحزب الجمهوري على التجديد لتطويق إدارة بايدن، من حيث علاقة هذه الإدارة بالسعودية.

من ناحية آخرى، تعرف الإدارة الأمريكية أن السعودية دور كبير في ما يتعلق بأسعار الطاقة وأسعار الوقود وأنها بحاجة الى تفاهم مع السعودية حتى تبقى الأسعار ضمن الحدود التي لا تضر بمصالح الولايات المتحدة ، سواء من حيث المخزون الإحتياطي أو من حيث أسعار البنزين لدى الأسواق الأمريكية.

لهذه الأسباب وافقت الإدارة الأمريكية فوراً على ما طلبته السعودية فقيمة الصفقة تتجاوز المليار دولار رغم أن ما أعلن هو 800 مليون دولار.

لكن الإدارة الأمريكية التي واجهت رفضاً وتعنتاً وعناداً سعودياً في ما يتعلق بكل مقترحاتها التي نبعت من موقف الرئيس بايدن الذي أعلنه قبل شهور طويلة من أنه مع وقف الحرب في اليمن، هذا العناد السعودي جعل من إقتراحات الرئيس بايدن حبراً على ورق.

لذلك شكلت هذه الطلبات السعودية الجديدة ، أي صفقة الصواريخ مناسبة لممارسة ضغوط على السعودية، بشأن تحريك موقف الرئيس بايدن من وقف الحرب في اليمن حريكاً فعلياً ملموساً.

فحركت الإدارة الأمريكية من بعض النواب الديمقراطيين كي يعترضوا على الصفقة، بمعنى أن الإدارة الأمريكية أرادت أن تفهم العائلة السعودية، أن الأمر ليس ببساطة موافقة البيت الأبيض فقط، بل هنالك موافقة آخرى يجب أن تتم أو عدم حصول إعتراض تشريعي من قبل الكونغرس الأمريكي على الصفقة حتى تتم وتمرر.

انبرت ولهان عمر باقتراح للكونغرس مشروع قانون يرفض إعطاء السعودية هذه الصواريخ إحتجاجاً على إستخدامها المفرط للقوة ضد المدنيين في اليمن ، وخدمة لموقف الرئيس بايدن الذي دعا الى وقف الحرب فوراُ في اليمن.

مباشرة جرت إتصالات سريعة بين الإدارة الأمريكية وبين السعودية خاصة مجلس الأمن القومي المحيط بالرئيس بايدن والأمير محمد بن سلمان ، حول هذه الصفقة .

واقترح الأمريكيون نتيجة العناد السعودي الذي رفض بالمطلق تقديم أي تنازل آخر بل كان يصر إصراراً كبيراً على الاستمرار في سياسة التدمير والقتل وتوجيه الصواريخ للمدنيين للضغط على قوات اليمن واللجان الشعبية والقيادة اليمنية المقاومة للوجود السعودي الإماراتي على أرض اليمن.

فاقترح مجلس الأمن القومي الأمريكي، على الأمير محمد بن سلمان أن لا يقدم على خطوة جديدة بل أن يحي خطوات كان قد وافق عليها سابقاً وذلك في اتفاق ستوكهولم.

وساهمت مجريات الأمور والهزائم المتلاحقة التي منيت بها السعودية في مآرب وحلفاء السعودية والمرتزقة هناك، ساهمت في تمرير هذه الفكرة التي لا تشكل رسمياً، موقفاً جديداً لدى السعودية ولكنها تشكل نوعاً من التراجع ضمن ما وافقت عليه سابقاً السعودية في ستوكهولم.

وقام مستشارو الأمير محمد بن سلمان وبعضهم من الأمريكيين والبريطانيين بتزيين الفكرة بمعنى أن الإنسحاب من هذه المناطق التي تعتبر مناطق منزوعة السلاح ومناطق لا حرب فيها، أن الإنسحاب منها لن يضر بمواقع السعودية والحلفية إستراتيجياً بل ستبقى في نطاق تطويق الحديدة كميناء فاعل وعامل.

لكنها في الوقت ذاته ستتيح مجالاً للسعودية بأن تدعم جبهة مآرب أو الجيوب التي ما زالت تدعم لتشكل نوعاً من المقاومة أمام تيار التقدم الزاحف الذي تشكله هجمات الجيش اليمني واللجان الشعبية القوى الثورية اليمنية ضد الغزاة والمرتزقة في مآرب.

ومررت الإدارة الأمريكية هذه التحركات التي وافق عليها الأمير محمد بن سلمان، للأطراف الآخرى، خاصة لمن له صلة بطهران ، بأن هذه الخطوات ، هي دليل على أن السعودية ترغب بإيجاد حل لمساءلة الأزمة في اليمن ، أو للخروج من المستنقع الذي غرقت فيه.

لكن ما يدور في ذهن محمد بن سلمان شيء آخر ، فقد أراد إستغلال هذا وهو ليس تراجعاً جديداً بل هو تنفيذ لإتفاق سابق أراد إستغلاله للحصول على الصواريخ ليستمر في معركة القتل والتدمير ضد الشعب العربي اليمني وقواته الوطنية ولجانه الشعبية.

من هنا جاءت الأوامر صارمة لمن تبقى في جنوب محافظة مآرب في المدينة والوادي بالمقاومة بكل أشكالها ومهما كان الثمن إنتظاراً بالدعم القادم لهذه القوات، لشن هجوم مضاد على القوات اليمنية التي أصبحت مآرب في قبضتها من كل الجهات.

وتهيئة لذلك، اُمر الطيران السعودي بطياريه الإسرائيليين والبريطانيين والأمريكيين والسعوديين وبعض الجنسيات الآخرى، اُمرو بشن غارات لا يمكن وصفها الا بالجنونية ضد المدنيين والقرى المحيطة بمركز مدينة مأرب والمناطق المحيطة بمحافظة مآرب.

الإدارة الأمريكية أرادت إستخدام ذلك للإيحاء بأنها تسير قُدماً في تنفيذ ما اقترحه بايدن من وقف الحرب، ومحمد بن سلمان يسير قدماً بإتجاه التصعيد ظناً منه بعقله المريض ، أن بإستطاعة التحالف السعودي أن يحق إنجازات في وجه التقدم الذي حققه الجيش اليمني واللجان الشعبية ومحور المقاومة ، في كل المناطق ، فقد أسرعت قوى الجيش واللجان الشعبية للسيطرة على المناطق التي تم الانسحاب منها.

وأصبحت الطريق الموصلة بين الحديدة وصنعاء الطريق الدولي مفتوحة للجميع وفي الوقت ذاته يعلم المناضلون اليمنيون ما يخبىء محمد بن سلمان أو ما يحاول تخبئته ولذلك فعينهم بإستمرار على البيضاء وعلى شبوه ، وضرورة تحرير كامل المنطقة المحيطة المحيطة حتى يكون هنالك منفذاً حقيقياً لدعم المقاومة في المحافظات الجنوبية ضد الإحتلال السعودي الإماراتي وضد المرتزقة الذين يخضعون لإملاءات الغزاة.

إذا كان هذه هي النيات ، سواء نية البيت الأبيض أو نية محمد بن سلمان ، فإن الطرف اليمني الوطني المناضل واضح كل الوضوح ، المطلوب من أجل تحقيق وقف لإطلاق النار ، فك الحصار أولاً ، عن الموانئ والمطارات بحيث يصبح بإمكان الشعب اليمني الحصول على الغذاء والدواء ومعالجة الجرحى واستلام المساعدات الإنسانية دون أي عائق من العوائق ، وذلك إستيراد ما يحتاجه البلد من مواد إستهلاكية ومواد للبناء وإعادة التعمير.

كل هذا مطلوب قبل أن يقال هنالك وقف لإطلاق النار ، وما يضاف هنا هو أن وقف إطلاق النار مشروط أيضاً بتعهدات بالإنسحاب الكامل من أراضي اليمن لكل من هو غير يمني ، للقوات السعودية والحلفاء والمرتزقة وكل من هو غير يمني ، أما في ما يتعلق باليمن ، فإن القوى الثورية اليمنية مستعدة كل الإستعداد للجلوس والتفاوض مع اليمنيين ، يمنيين ويمنيين لحل كافة القضايا العالقة بين الطرفين.

وعلى ضوء ما يفكر به محمد بن سلمان ، فإنه يصبح مطلوباً من القوى الثورية اليمنية أن ينهوا موضوع مآرب ، وأن لا يبقوه معلقاً لإستخدامه كنقطة للتفاوض، إنهاء مآرب ضرورة قصوى حتى يصبح الطرف الآخر في موقف الضعف تماماً، أي أنه عليه الإنسحاب من الأرض اليمنية ، كل الأرض اليمنية ، قبل أن يقال هنالك وقف لإطلاق النار.

تحرير مآرب يجب أن لا يتأخر ويجب أن لا يركن جانباً ، تحرير مآرب يجب أن يتم بالتعاون مع القبائل ، ونحن نعلم أن هنالك مغريات كثيرة للقبائل هنالك من قبل السعودية ، أموالاً ومساعدات ووعد بالدعم ولكن الوقائع على الأرض هي التي تتحكم في الأمور فمن حقق إنتصاراً عند النقطة الأولى عليه أن يكمل الطريق ليصبح الإنتصار عند النقطة الأخيرة أيضاً.

بهذا تكون القوى الثورية اليمنية والمناضلون اليمنيون والثوريون اليمنيون والمجاهدون الأبطال قد حققوا الضرب على نافوخ المحتل واجبروه رغم عناده وجنونه على الرضوخ للوقائع والحقيقة التي فرضت على الأرض.

* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع

قد يعجبك ايضا