التعليمُ تحت القصف.. صمودٌ موجعٌ للعدوان

 

عصف العدوانُ الأمريكي السعوديّ بالقطاع التعليمي خلال ٦ سنوات مضت، لكن الإرادَةَ اليمنيةَ الصلبة، والصمودَ الأُسطوري للطلاب والمعلِّـمين والكوادر التربوية قد أصابت العدوانَ في مقتل.

نموذجٌ لهذا الصمود يتجسد في المدارس التي تعرضت للقصف، فأبوابُها لم توصد أمام الطلاب والطالبات، وبلسان الطلاب: “فَـإنَّ العدوّ لن يوقفنا”.

الأُستاذ مطهَّر علي، واحد من هؤلاء المعلِّـمين الذين حملوا على عاتقهم هموماً كثيرة، ومعاناة لا تقدر على حملها الجبال، لكنه يصر على البقاء في الميدان، ملتزماً بدوامه بمثالية منقطعة النظير، ليؤكّـد للعدوان أنه سيظل على هذا النهج حتى وإن استمرت الحرب عشرات السنين.

ويروي المعلِّـم مطهّر لصحيفة “المسيرة” معاناتِه الكبيرةَ خلال السنوات ٦ الماضية ويصفها بالفظيعة، ولا سيما حين يتذكر بأنه لن يستلم راتباً نهايةَ كُـلّ شهر.

ويؤمن المعلِّـم مطهر بأن العدوان هو سبب كُـلّ هذه المعاناة التي تحدث له ولكل المعلِّـمين، فهو الذي أقدم على خطوة نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، وهو الذي يحاصِرُ الشعبَ اليمني، ويقصفُ كُـلّ مقدرات البلد.

وخلالَ السنوات الماضية، لم يتحملْ بعضُ المعلِّـمين هذا الوضع، فانصرف البعضُ منهم للبحث عن أعمال أُخرى، في حين لجأ البعضُ إلى دول العدوان والعمل ضمن خانة الارتزاق، لكن المعلِّـم مطهر لم يفكر بهذا مطلقا، وواصل عمله في هذا الميدان المقدس؛ باعتبَار ذلك واجباً دينياً ومسؤولية وطنية.

ويقول مطهر: “صحيحٌ المعاناةُ طالت جميعَ اليمنيين، لكن نحن نكافحُ على المستوى العام وعلى مستوى المعلِّـم، ونحن شعبٌ يؤمن بأن الله هو الرزاق وبيده هو تدبير الأمور”، مواصلاً حديثه بالقول: المعلِّـم مثله مثل المجاهدين في الجبهات، وكل واحد يقوم بدوره بصمود وتَحَــدٍّ أمام هذا العدوان حتى يكتُبَ اللهُ لنا الانتصارَ، مؤكّـداً أن العملية التعليمية ستستمر، وأن المدارس لن تغلق أبوابها رغم قصف العدوان وحصاره وحربه على الشعب اليمني.

 

صمودٌ لا نظيرَ له

ورسمت الجبهةُ التربويةُ وللعام السادس -رغمَ هَالةِ الخراب والدمار التي لَحِقت بالمؤسّسات والمنشآت والمرافق التعليمية- أروع ملاحم وصور البطولة ضد عربدة وعجرفة وطغيان وجبروت عدوان تحالف العاصفة، بفضل الثبات والصمود الأُسطوري للكادر التربوي من معلِّـمين ومعلِّـمات وموجهين وإداريين وفنيين، والذين سطّروا أسمى معاني التضحية والتفاني والإيثار في القيام بواجباتهم التربوية الرِّسالية، وتجاوزهم كُـلّ الظروف والعقبات الصعبة التي أوجدها العدوانُ وحصارُه البغيض، وهم وحدَهم من يجب أن تُرفع لهم القبعات، فلولا صمودهم لانهارت المنظومة التعليمية منذ السنة الأولى للعدوان.

ويقول رئيس قسم الصحة المدرسية في مكتب التربية بالأمانة، عبداللطيف الحزيزي: “لم يبقَ شيءٌ في اليمن لم يتأثرْ جَــرَّاءَ هذا العدوان الظالم علينا، فقد عانى الشعبُ اليمنيُّ بجميعِ فئاتِه وشرائحِه المختلفة، ولكن فيما يخُصُّ التربيةَ والتعليم وسير العملية التعليمية وتأثرها على مدى الست السنوات الماضية من عمر العدوان السعوديّ على اليمن الذي كان له الأثر الأكبر في قصف المنشآت التعليمية المختلفة وخَاصَّة المدارس سواء في أمانة العاصمة أَو المحافظات”.

ويزيد الحزيزي بالقول: “كما تأثر أَيْـضاً المعلِّـمُ الذي هو اللبنةُ الأَسَاسية في العملية التعليمة إلى جانب الطالب نفسه الذي عاش المعاناة والرعب النفسي أثناء قصف المدارس والطلاب والطالبات بداخلها.

ويذكر الحزيزي ما حدث من قصف وحشي لطيران العدوان الغاشم الذي استهدف مدرسة “سعوان”، ويقول: “لقد شاهدتُ بنفسي حين ضربت الصواريخ بالقرب من المدرسة، وشاهدت حالة الفزع والصراخ من الطالبات والأطفال وحتى أولياء الأمور، فكانت حالة رعب وخوف امتزج فيها الصراخ والبكاء في مشهد لن أنساه أبداً”.

ويؤكّـد الحزيزي لصحيفة “المسيرة ” أن هذه الحادثة لم تكن هي الوحيدةَ، فقد شهدت اليمن حوادث أُخرى، لكن هذه المرة في شارع الدفاع حين تم استهدافُ نفس الشارع والمنطقة على نفس توقيت خروج الطالبات من مدرسة “السماوي” ومدرسة أُخرى أهلية لا يستذكر اسمها الآن، والمدرستان قريبتان من الجسر وفي شارع الدفاع.

وبدمعةٍ تخترقُ عينيه مختلطةٍ مع كلمات بطعم الألم ولون الحزن، يستذكر الحزيزي في تلك الحادثة فيقول: “امتلأ الشارعُ بصراخ الطالبات من المدرستين وبكاء كالنحيب يهتز له الحجر والشجر قبل الإنسان”، مُشيراً إلى أن بعضَ الطلاب دخلوا في حالات فزعٍ وخوفٍ نفسي إلى اليوم وبعضهم بحاجة إلى علاج نفسي، ويرفضون الذهابَ إلى المدرسة جراء هذه الحادثة، كما أُصيب بعضهم بحالة التبول اللاإرادي وقت القصف مثل ما اشتكى وأخبرنا به بعضُ أولياء الأمور.

أما المعلِّـمُ فهو الأكثرُ تأثراً خَاصَّةً بعد انقطاع الرواتب، حَيثُ اشتغل بعضُ المعلِّـمين في مهن أُخرى؛ مِن أجلِ توفير لقمة العيش لهم ولعوائلهم فمن العام 2016 لم تعد هناك رواتبُ إلى جانب الحصار الاقتصادي الجائر، ولهذا تأثر المعلِّـم اليمني والذي كان من أنجح المدرسين ويتم طلبه في بعض الدول؛ لأَنَّ المدرسين اليمنيين أصبحوا ذوي كفاءات كبيرةٍ ولهم بصماتٌ واضحةٌ في التدريس، وخَاصَّة المواد العلمية مثل الكمبيوتر والتقنيات الكبيرة، فحاولوا إضعافَ هذا المدرس.

ويشير الحزيزي إلى أن العدوانَ لا يريد لليمن أن ينهضَ نهضة تعليمية قوية، مثل بقية دول العالم، وهم من زمان يحاولون إجبار الشعب اليمني في الخضوع لهم ولسياستهم والعمل على تبعيتهم، مؤكّـداً أن العمليةَ التعلميةَ مستمرّة رغم كُـلّ التحديات والصعوبات التي أفرزها العدوان السعوديّ الأمريكي على الشعب اليمني بتَحَدٍّ.

ويرى الحزيزي أن الجبهةَ التعليميةَ لا تقلُّ أهميّةً عن أية جبهة في ميادين القتال، واصفاً صمودَ اليمنيين بالمعجزة في حَــدّ ذاته، فهم يكتفون بالقليل للعيش، لافتاً إلى أن اليمنيين ومنهم فئة المعلِّـمين صابرون وصامدون، وهم أكثر قوة وعزة وفخراً، وأنهم مستمرّون في ذلك حتى الانتصار على العدوان الإجرامي.

 

أرقامٌ صادمةٌ

وإذا ما تكلمنا بلُغةِ الأرقام، سنجد أن العدوان خلال فترة ست سنوات دمّـر عدد (419) من المنشآت التعليمية وحولها إلى ركام، وألحق أضراراً جزئية بإجمالي 3257 مدرسة.

ويدخل تحت مسمى التدمير الجزئي مدارس تضرر جزءٌ منها وليست الكل؛ بسَببِ استهداف قصف محيط تلك المدارس أَو فصول ملحقة وبلغ عددها 1506 مدارسَ، كما يقول مدير عام الخارطة المدرسية بوزارة التربية والتعليم، رضوان العزي لصحيفة “المسيرة”، موضحًا أن أضرارَ العدوان السعوديّ الأمريكي لم تقتصرْ على المبنى المدرسي فحسب، وإنما آثاره التدميرية تعدت ذلك إلى استهداف الحجر وَالبشر، فبنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في أغسطُس 2016م، ترك ذلك أثرًا مدمّـرًا على الموظفين المدنيين ومن بينهم قرابة 196 ألفَ شخص يمثلون القوى العاملة في مجال التربية والتعليم، الأمر الذي نتج عنه ظروفٌ اقتصادية صعبة مترافقة مع حصار أمريكي بري وبحري وجوي يمنع كُـلّ أسباب الحياة عن اليمنيين، كما تسبّب هذا الإجراء التدميري بانقطاع عملية طباعة الكتاب المدرسي نتيجة عدم سماح العدوان باستيراد المواد الخام بطباعة الكتاب المدرسي.

ويؤكّـد العزي أن العدوان السعوديّ الأمريكي عجز عن النيل من صمود الجبهة التربوية، حَيثُ استمرت العملية التعليمية حتى في ظل جائحة فيروس كورونا عن طريق التعليم عن بُعد وإجراء الاختبارات في وقتها وبطريقة الحوسبة الحديثة.

ويشير العزي إلى أنه من اللافت افتتاح ثلاث مدارس للمتفوقين والمتفوقات في الأمانة ومحافظات اب وحجّـة، إضافة إلى ثانوية جمال عبد الناصر للمتفوقين في أمانة العاصمة، إلى جانب مصادقة مجلس النواب على صندوق دعم التعليم والمعلِّـم واعتماد موارده المالية، وهذا صورة من صور النصر، ويشكل بحد ذاته قفزةً نوعيةً تصُبُّ في إطار دعم العملية التعليمية، مؤكّـداً أن كُـلَّ ما سبق يعزز من الانتصارات المتلاحقة للجبهة التربوية التي لا تقل شأناً عن انتصار الجبهة العسكرية.

 

معاناةٌ وحلولٌ راهنة

لم تكن حملةُ العدوان الأمريكي السعوديّ على القطاع التعليمي سهلةً، بل أوجدت معاناةً للكثير من المعلِّـمين والتربويين، لكن المخلصين كانوا سداً منيعاً أمام مخطّطات العدوّ الذي كان يعتقد أن صمودهم سيكون مستحيلاً.

ويؤكّـد مديرُ مدرسة الشعب بصنعاء، عبد الحميد الحاشدي، أن الحديثَ ذو شجون عن التربية والتعليم في ظل العدوان الغاشم على بلادنا منذ ما يقارب الـ6 السنوات، منوِّهًا إلى أن العدوان استهدف العملية التعليمة والتربوية في اليمن؛ لإدراكه ولعلمه بأهميّة التعليم بالنسبة للشعوب والتي تمثل أَسَاسَ الحياة لدى الكثيرين.

ولا ينسى الحاشدي الهجومَ المتوحّشَ لطيران العدوان لاجتماع قادة تربويين في محافظة عمران قبل سنتين، وأدّى إلى استشهاد العشرات منهم، لافتاً إلى أنه وخلال الست السنوات الماضية تأثرت العمليةُ التعليميةُ بشكل كبير، حَيثُ تعمد العدوان قطعَ رواتب المعلِّـمين، ما أَدَّى إلى انقطاع عدد كبير من المعلِّـمين، واضطر بعضُ المعلِّـمين للعمل في مهن أُخرى بعيدًا عن هذا القطاع؛ مِن أجلِ إعالة أسرهم.

ويسرد الحاشدي عدداً من الصعوبات التي ترافق عملَهم في الميدان التربوي، منها عدمُ توفر المناهج بشكل يلبِّي احتياجاتِ الميدان، وأن المدارسَ تعملُ بجدولِ الطوارئ “ويتم تقليصُ الحصص إلى 4 أَو 5 نتيجةَ الوضع الراهن واختصار المنهج”.

وأمام هذه الصعوبات والتحديات، يقول الحاشدي: إن المعلِّـمين ومنذ الوهلة الأولى لحدوث العدوان ما زالوا صامدين في الميدان التربوي بشكل عام سواء المعلِّـمين أَو الطلاب، حَيثُ يستشعر الجميع أهميّة الاستمرار وعدم تعطيل العملية التربوية والتعليمية؛ لأَنَّها تعني تعطيل للحياة بشكل عام على مستوى كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

ويشير الأُستاذ الحاشدي إلى أن العملية التربوية والتعليمية استؤنفت بعد أشهر معدودة من حدوث العدوان، وتم تطبيعُ الحياة بشكل كامل عندما عاد الطالبُ والمعلِّـمُ إلى المدرسة، موضحًا أنه تم اعتماد مبدأ تفعيل المشاركة الاجتماعية وأصبح الطالب يساعدُ ولو بالقليل واليسير؛ مِن أجلِ توفير بعض المبالِغ الرمزية التي تُمنَحُ للمعلِّـم حتى يستطيعَ أن يصلَ إلى المدرسة، إضافة إلى توفير بدل مواصلات بأكبر قدرٍ وطريقة ممكنة، منوِّهًا إلى أن الكثيرَ من المعلِّـمين أبدوا استعدادَهم للحضور وما يمنعُه هو عدمُ توفر بدل المواصلات فقط.

ويؤكّـد الحاشدي أنهم لا يزالون في الميدان التربوي كُـلّ صباح يقومون بعملهم ويسيرون في خطوات ثابتة وراسخة، “وفي كُـلّ عام يمر علينا في ظل العدوان السعوديّ الأمريكي وبتَحَدٍّ وصمود، حدثت قفزات وتطورات أَدَّت إلى مزيد من الاستقرار والثبات على مستوى جميع مدارس الجمهورية”.

وتواجه الـيمنُ منذ ستة أعوام العدوانَ والحصار الأمريكي السعوديّ الذي دمّـر كُـلّ شيء، حَيثُ طال الخرابَ جميعَ المرافق والمؤسّسات المختلفة وتأثرت كُـلّ القطاعات على كافة المستويات، ومنها قطاعُ التعليم الذي طاله تدميرٌ هائلٌ تمثل في خراب المدارس والمؤسّسات التعليمية، إضافة إلى استشهاد وإصابة المئات من الطلاب والمعلِّـمين.

ويؤكّـدُ وكيلُ وزارة التربية والتعليم، عبدالله النعمي، أن العدوانَ الأمريكي السعوديَّ وعلى الرغم من وحشيته ضد العملية التعليمية في اليمن إلا أنه لم يحقّقْ ما كان يسعى إليه، منوِّهًا إلى أن الإيمانَ بالله الكبيرَ والوثوقَ به والتوكلَ عليه جعلهم أكثرَ صموداً وثباتاً رغم المعاناة، ورغم طردِ المعلِّـمين من بيوت الإيجار، ورغم معاناة المرضى منهم ومن يعولون، إلا أنهم تحمّلوا المسؤوليةَ كاملةً وصبروا، ولم يبقَ منهم إلا الصادقون المخلصون، واستمرت العمليةُ التعليميةُ يصاحبُها الأنشطةُ المناهِضةُ للعدوان الغاشم والتوعيةُ الصحيحةُ والحِفاظُ على الهُــوِيَّة الإيمانية اليمانية، مؤمنين بالنصر والفتح.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا