الحقيقة تعيد نشر أبرز مقالات مؤسس جريدة السفير اللبنانية الصحفي الراحل طلال سلمان عن اليمن

 

السعودية والامارات في اليمن: عجز عن الانتصار ورفض للتسليم بالهزيمة

حكام هذه الأيام لا يعرفون التاريخ ولا هم يتعظون به!

 

علمَنَّا التاريخ أن اليمن قد استعصت على المحتلين والمستعمرين لأسباب كثيرة، بينها طبيعة أهلها الذين يولدون محاربين قبل أن يزيدهم الموقع المميز للبلاد بجباله الصخرية الشاهقة وأوديته العميقة قدرة على الصمود متحصنين بالإرادة والصبر على الجوع والبراعة في القتال وضآلة احجام المقاتلين منهم بحيث يمكن لواحدهم أن يكمن ” للعدو” في جورة مغطاة بالشوك ومعه مطرة للمياه وبضع حبات من التمر حتى تجيء اللحظة المناسبة، فاذا العدو صريع واذا المقاتل اليمني يخرج من مكمنه راقصاً، هازجاً ملوحاً ب”البندق” في الهواء… قبل أن ينصرف للبحث عن حزمة قات..

وفي التاريخ أمثلة تشهد لليمنيين بشدة البأس وبالصبر الجميل والاهتمام بمراقبة العدو ودراسة تركيبته العسكرية وخط سيره ومحاولة استدراجه بمعارك وهمية إلى حيث يريدونه أن يكون في ميدان المواجهة لاستيلاد النصر.

وفي التاريخ الحديث أن اليمن السعيد قد هزم الغزاة، عبر التاريخ، بفقره و”إمامه” وتحالفه وقوة شكيمته المعززة بجغرافية ارضه وصعوبة اقتحام مدنه، ولا سيما عاصمة الحكم صنعاء التي يعاني اهلها من نقص الاوكسجين فيصعب التنفس… حتى إذا ما جاءت حزمات القات نسي الناس المناخ وانصرفوا إلى “التخزين” ومع “القات” مشاريب ليس بالضرورة أن تكون مُسكرة، مع شيء من المرطبات والحكايات والنكات والأخبار والاسرار التي لا يجوز “للمخزنين” نقلها او التحدث بها حرصاً على حرمة “المجلس”.

يشهد هذا التاريخ أن آل سعود حين تمكنوا، بالتواطؤ مع البريطانيين، ثم مع الاميركيين، إثر اكتشاف النفط في الارض الشاسعة التي أخذها الملك – المؤسس عبد العزيز آل سعود بالسيف والتآمر، قد حاولوا التوسع في اتجاه اليمن، بإغراء الفراغ السياسي والضعف الاقتصادي و”تخلف” الامام احمد حميد الدين، الا أن هذا الامام الداهية قد افاد من الكراهية المتأصلة عند اليمنيين لأهل الصحراء، فهزم الحملة السعودية التي كان يقودها الامير فيصل بن عبد العزيز، مما اضطر الملك إلى التدخل وسحب القوة المهاجمة والسعي إلى تطبيع العلاقات مع اليمن السعيد!

ربما لهذا كله نشأ حلف غير مقدس بين المحمدين على اليمن.. (مع الاشارة هنا إلى أن المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة التي استولدت في ليل – الشيخ زايد آل نهيان كان يعتز بأن قبيلته من أصول يمنية، وحين زار صنعاء للمشاركة في افتتاح سد مأرب (الجديد) الذي موله من “جيبه”، رفع اليمنيون لافتات الترحيب بابن اليمن البار الشيخ زايد (واسموه زايد الخير..).

هكذا انضم الشيخ محمد بن زايد الى الحملة السعودية على اليمن، وقد وضع هدفاً له بدلاً من الشمال جنوب اليمن، الذي تستقبل أرضه بحر العرب المتصل بالمحيط الهندي، فضلاً عن السيطرة على مرفأ عدن الذي كانت بريطانيا تتخذ منه أكبر قاعدة بحرية – جوية في المنطقة، لحماية مصالحها بعنوان ” طريق الهند”. ولمن ضعفت ذاكرته نشير إلى أن عدن كانت إلى ما قبل 25 سنة، عاصمة لدولة “جمهورية اليمن الجنوبي الديمقراطية الاشتراكية”، وقد حكمها حزب متحدر من صلب حركة القوميين العرب، قبل أن يتجه قادته الى اليسار ويعلنون جمهوريتهم بالاستناد إلى الاتحاد السوفياتي…

على أن هذه الجمهورية لم تعمر طويلاً اذ سرعان ما دب الشقاق بين الرفاق المتمركسين وحصل أكثر من انقلاب على الزعامة والرئاسة (قحطان الشعبي، وسالم ربيع علي- أو سالمين، عبد الفتاح اسماعيل الجوفي، علي ناصر محمد وحيدر ابو بكر العطاس..) وانتهى الامر بحرب اهلية افاد منها رئيس الجمهورية في صنعاء علي عبد الله صالح لإلحاق الهزيمة بالجنوبيين واعادة عدن وملحقاتها إلى جمهوريته… ثم سقط دونها، بعد دهر، ولكن ذلك حديث آخر.

ولقد وجد الملك سلمان، بعدما تولى العرش في الرياض، وبعد أن أُسقط علي عبد الله صالح، ثم اغتيل وهو هارب من صنعاء (على يد الحوثيين على الارجح)، أن المسرح اليمني يصلح لمغامرة سعودية جديدة.. وهكذا فقد غزا اليمن بجيش متعدد الهوية. وقد زاد هذا الغزو، بل هو عزز بالقصد، الانقسام الطائفي في “اليمن السعيد” بين الزيود – وهم طائفة اقرب إلى الشيعة – والشوافع ( وهم اهل السنة).

ويبدو أن “المحمدين” – بن سلمان وبن زايد – قد وجدا في اليمن المفككة والمصطرِعة قواها السياسية ( فضلاً عن الاختلاف المذهبي) والمطرود رئيسها المخلوع عبد ربه منصور هادي – وهو من اصول جنوبيه، وقد أتى به علي عبد الله صالح نائباً للرئيس مراعاة لجنوب اليمن – وجد وليا العهد في السعودية والامارات “أرض فراغ” فقررا أن يملآها.. عسكرياً! هكذا ارسلت السعودية جحافل من جنودها، فيهم الكثير من المرتزقة، بينما بعثت الامارات بجحافل من المرتزقة، قادتهم من الاماراتيين طبعاً، فتمركز “جيشها” هذا في عـــــدن واحتل جزيرة سوقطره، بينما حاولت القوات السعودية التقدم براً بعد غارات جوية على مدار الساعة هدمت الكثير من مدن اليمن السعيد وبلداته وقراه المتناثرة بين الجبال، من دون أن تستطيع حسم الحرب المفتوحة منذ بضع سنوات… بل أن قوات هاتين الدولتين الغنيتين بأكثر مما تستطيعان انفاقه حيث يجب (لتقدم بلادهما ورفعتها وحماية إرث “زايد الخير” وعبد العزيز ال سعود) تواصل دك بلاد الحضارة الأولى في التاريخ الانساني بالعواصم والمدن والقرى المعربشة إلى قمم الجبال التي تعانق السحاب.

لعل هذا التعثر في تحقيق النصر المستحيل واستحالة الاتفاق على تقاسم اليمن التي ترفض أن تموت الا واقفة، هو الذي دفع بولي عهد دولة الامارات لأن يقصد الرياض فيلتقي وليد العهد السعودي للتباحث ومحاولة إيجاد مخرج من هذا الخندق الدموي (اليمن) الذي ما دخله جيش الا وهُزم. وآخر التجارب جيش جمال عبد الناصر الذي ارسله لحماية الجمهورية اليمنية الوليدة من أطماع آل سعود فكان ذلك سبباً مباشراً في هزيمة 1967 أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين..

لكن حكام هذه الأيام لا يعرفون التاريخ ولا هم يتعظون به!

 

الحرب الظالمة على اليمن السعيد

منذ سنتين، الا قليلا، تشن مملكة الذهب الاسود والصمت الابيض، المعروفة باسم عائلتها الحاكمة، خلافاً لما هو معتمد في مختلف البلاد التي يظل اسمها التاريخي هو اسم دولتها فلا يلغيه نسب من ساقته المقادير والتآمر الدولي إلى حكمها، حرباً وحشية غير مبررة ولا اسباب وجيهة لشنها والتمادي فيها غير الاحقاد والاطماع والرغبة في السيطرة على اليمن، البلاد الفقيرة حتى إلى الخبز..

ولقد نجحت مملكة الذهب الاسود والصمت الابيض في استدراج بعض مشيخات الخليج التي جعلها النفط او الغاز “دولاً”، مثل قطر العظمى ودولة الامارات العربية المتحدة، للمشاركة في حربها القذرة على اليمن الذي كان سعيداً، ذات يوم… فأطلقت أساطيلها الجوية لتدك معالم العمران في أفقر دولة على وجه الارض، وهكذا فقد مات بالجوع من لم يمت بالقصف “الاخوي”، وتشرد مئات الالوف من اليمنيين بلا مأوى، يحملون اطفالهم واسمالهم إلى أي مكان لا تطاله “الصواريخ الاخوية” و”القذائف الشقيقة” حاملة الموت والدمار بغير سابق انذار.

لم تتحرك اية دولة عربية للوساطة او الشفاعة او بدافع الاشفاق على هذا الشعب الشقيق.. فضلاً عن أن جامعة الدول العربية لم تعد تجمع بل تقاعدت فتقاعست وغرقت في صمت موتها وأصمت اذنيها عن سماع انفجارات التدمير ورصاص القتل الجماعي، رامية المسؤولية على مندوب الامم المتحدة الموريتاني (الذي قد يكون أصل شجرته العائلية يمانيا) الذي يجول بين العواصم ويلتقي “الاطراف ذات الصلة” في الفاصل بين غارتين، يقدم اقتراحات للحل او للتسوية او حتى لوقف إطلاق النار عبثاً.

آخر الاخبار تفيد أن بضعة ملايين من اليمنيين الفقراء مهددون بالموت جوعاً، نصفهم على الاقل من النساء والاطفال والباقي من العجائز والجرحى الذين لم يجدوا مستشفيات او حتى مستوصفات تقدم لهم العلاج.

ليس معروفاً ما إذا كانت هذه الحرب مدرجة في خطة ولي ولي العهد – وزير الدفاع محمد بن سلمان، للنهوض بالمملكة إلى مصاف الامبراطوريات العظمى في العام 2030، وإذا كان الانتصار فيها من شروط فوزه على ابن عمه ولي العهد وازاحته من طريقه إلى تولي العرش، بعد رحيل “طويل العمر” الملك سلمان بن عبد العزيز، علما بأن ولي العهد (الاول) محمد بن نايف هو وزير الداخلية، وهو أكبر سناً من الغر محمد بن سلمان وأعظم خبرة بمؤامرات القصر، ولديه اجهزة المخابرات الفعالة، وهو من يمسك بمفاتيح السلطة وكشف عمليات التآمر على الاسرة المالكة التي منحت اسمها للبلاد التي انزل فيها الوحي على النبي العربي محمد بن عبدالله فكان هدى للناس إلى دين الله الحق، الاسلام.

هكذا تصير اليمن جائزة للمنتصر في الصراع على وراثة العرش في الارض التي شرفها الله بان اختارها مهبطاً للوحي على رسوله الكريم… علماً بأن اليمنيين هم الذين حملوا راية الاسلام وتقدموا بها فاتحين ..وصولاً إلى الاندلس التي يذكر التاريخ انها فتحت بعمامة مجاهد يمني.

..ومن قبل، حاول السعوديون غزو اليمن، وكان قائد الحملة الملك عبد العزيز، الذي اناب بعد حين نجله فيصل، فلما استعصت عليه اليمن أمره بالعودة، فرجع مهزوماً.. من البلاد قاهرة الغزاة، عبر التاريخ.

ولكن قراء التاريخ قلة في بلاد الذهب والصمت..

وكذلك قراء الجغرافيا..

وعلى ذلك تستمر الحرب الظالمة على اليمن السعيد!

قد يعجبك ايضا