الخبير العسكري اللبناني الجنرال شارل ابي نادر يتساءل ويُجيب : صواريخ جو- جو أميركية للسعودية.. هل توقف تحرير مأرب؟

 

في خضم ما يحيط مؤخرًا بمعركة تحرير مأرب من تجاذبات، والتي أصبحت في نهاياتها، ومع ما تناقلته وسائل الإعلام الإقليمية والغربية عن توتر في العلاقة وخلاف اميركي – سعودي، يتمحور حول عدم تلبية البيت الأبيض لطلبات السعودية لناحية تسليمها ما تحتاجه لحماية نفسها من صواريخ ومسيرات أنصار الله، ولناحية عدم اقتناع وقبول محمد بن سلمان بما أشبه بخارطة طريق وضعتها مؤخرًا واشنطن، لفتح ثغرة في جدار جمود الحرب على اليمن، لناحية تخفيف الحصار على اليمن وخاصة على مرفأ الحديدة ومطار صنعاء، لتقديم شيء ما، يجعل أنصار الله يحاولون السير بهذه الخارطة، جاء خبر موافقة الادارة الأميركية على صفقة صواريخ جو – جو أميركية للسعودية، ليكون مناقضًا بشكل كامل للمسار الذي كان ظاهرًا في علاقة واشنطن بالرياض.

تفاصيل الصفقة تقوم على بيع 280 صاروخ جو – جو من طراز “إيه.آي.إم-120 سي” للسعودية، بقيمة تصل إلى 650 مليون دولار، بالإضافة إلى 596 منصة إطلاق صواريخ من طراز “إل.إيه.يو-128″، ومعدات وقطع غيار أخرى. وتحت عنوان وتبرير حماية السعودية ودعمها بمواجهة هجمات انصار الله وغيرهم، قالت وكالة الدفاع للتعاون الأمني، التابعة لـ”البنتاغون”، إنّ من شأن الصفقة: “تعزيز القدرة الدفاعية للسعودية في مواجهة التهديدات الراهنة والمستقبلية”، مضيفةً أنّ هذه الصفقة “ستدعم السياسة الخارجية للولايات المتحدة والأمن القومي الأميركي”. فهل يمكن من خلال هذه الصواريخ تحقيق هذين الهدفين (الاستراتيجيين) للأميركيين؟ وماذا سوف تغير هذه الصواريخ بعد حصول سلاح جو المملكة عليها، من مسار العدوان على اليمن ومضاعفاته لناحية ما يتعرض له عمقها من استهدافات نوعية يمنية؟

على مستوى تعزيز القدرة الدفاعية للسعودية ومن الناحية التقنية، تُعتبر الصواريخ “إيه.آي.إم-120 سي جو- جو، متخصصة للاستعمال والإطلاق من مقاتلات حربية أميركية الصنع: اف 15 واف 16 واف 35، وضد مقاتلات جوية عدوة، ضمن منازلة جوية – جوية، لا علاقة لها بأي دور دفاعي عن أهداف برية بطريقة مباشرة، إلا اذا كانت المقاتلات المستهدفة أو التي يتم الاشتباك معها جوًا، تُنفذ قصفًا على أهداف برية للعدو، الأمر الذي لا يتوفر أبدًا في المعارك والمواجهات التي نشأت من العدوان على اليمن، لا في داخل الميدان اليمني أو على الحدود مع السعودية، ولا في الاستهدافات الدفاعية الاستراتيجية، والتي تضطر وحدات الجيش واللجان اليمينة وأنصار الله لتنفيذها كمناورة ردع بمواجهة الاعتداءات الجوية السعودية.

فكيف يمكن لهذه الصواريخ جو- جو أن تساهم في تعزيز القدرة الدفاعية للسعودية في حربها على اليمن؟ الّا اذا كانت هذه الصواريخ سوف تستعمل جوًّا ضد صواريخ المسيرات اليمنية وهي في الجو على مسارها صوب الداخل السعودي، وهذا الأمر مستحيل وغير منطقي من كافة النواحي الفنية والتقنية والعسكرية، وحتى من الناحية المالية يعتبر أمرًا غريبًا، حيث يبلغ ثمن كل صاروخ إيه.آي.إم-120 سي، عدة ملايين من الدولارات اذا حسبنا قيمة الصفقة على عدد الصواريخ مع الأخذ بعين الاعتبار ثمن منصات إطلاق الصواريخ والتي يكون ثمنها عادة أقل بكثير من ثمن الصواريخ، مقارنة مع طائرة مسيرة ثمنها لا يتجاوز عدة آلاف من الدولارات.

من ناحية أخرى، تتمحور مشكلة السعودية التي تعاني منها الأمرّين اليوم حول خسارتها الحتمية لمأرب، وما سيشكله ذلك على صعيد عدوانها الكامل على اليمن، وكيف ستكون هذه الخسارة نقطة مفصلية في هذه الحرب. من هنا، فإن ما تقدمه صواريخ جو- جو المذكورة، لا يمت بصلة للميدان اليمني، وبالتحديد لمعركة مأرب، فما وصلت اليه وحدات الجيش اليمني واللجان وانصار الله على مشارف المدينة وأبوابها الجنوبية والغربية والشمال غربية، لم يعد ينفع لمواجهته أي سلاح جوي أو غير جوي، حتى أن القاذفات السعودية – الأميركية، والتي بالعادة تغطي وتدعم جبهة الدفاع عن المدينة أصبحت عاجزة وغير فعالة عن لعب هذا الدور، بعد أن تداخلت مواقع انتشار وسيطرة أنصار الله والجيش اليمني مع وحدات العدوان والمرتزقة على تلك المداخل.

لناحية الهدف الأميركي الثاني من الصفقة كما ادّعت الادارة الاميركية “دعم السياسة الخارجية للولايات المتحدة والأمن القومي الأميركي”، فمن غير الواضح كيف سيتحقق ذلك عبر هذه الصواريخ لو امتلكتها السعودية من ضمن الحرب على اليمن، حيث ذكرنا أعلاه كيف وأين يمكن أن تُستعمل، وعدم صلاحيتها وعدم جدواها في هذه الحرب، الا اذا كانت ترمي واشنطن من ذلك أن هذه الصواريخ سوف تستعملها المقاتلات السعودية في اشتباكات جوية ضد دول اخرى، مثل ايران مثلًا، وهو الاحتمال الأقوى، وأيضًا يبقى هذا الأمر بعيدًا عن الواقع، حيث معطيات وضرورات الصفقة جاءت على خلفية الحرب السعودية على اليمن، وليس على خلفية الصراع الاستراتيجي في الاقليم. فبمواجهة قاذفات ايران، سيكون الدور الاول والاخير عند اية مواجهة جوية – فيما لو حصلت – للقاذفات الاميركية والاسرائيلية، وستكون السعودية وبمستواها القتالي الذي أفرزته حربها على اليمن، مراقبًا من بعيد وبالكاد يعرف طياروها وغرف عملياتها ماذا يجري عمليًا وعسكريًا.

تبقى الأهداف الأميركية الحقيقية من هذه الصفقة ومن غيرها، أهدافًا مالية، يتم عبرها ابتزاز الشعب السعودي المسكين الطيب بأمواله، ومن جولة الى اخرى، تسير المملكة في مسار الاستغلال الاميركي الى ما شاء الله.

* المصدر : موقع العهد الإخباري

قد يعجبك ايضا