الراقصة والمُرتزقة!

عين الحقيقة/طتب/ د/مصباح الهمداني

سُئِلَتْ إحدى أشهر الراقصات، في حوارٍ طويل، بِسؤالٍ يقول: لماذا إذًا تتعرَّينَ وتقومينَ بهذا الفِعلِ الحرام والمُهينِ والمُشينْ؟ 
ولأنَّها في حضرةِ أحدِ الفُضلاءِ الأجِلاء، منَ الذينَ يفرضونَ احترامَهُم على الجميع بلا استثناء.. 
تنهَّدتِ الراقِصةْ، وسقطَت من عينيها دمعتينِ حارَّتين، وقالتْ بصوتٍ متهدِّج:
-إنني أقومُ بالرقصِ والتعرِّي، وشُربِ الخمرِ، وأحيانًا كثيرة ال… وغطَّت وجهها وهي تُكملُ جملتها، ثمَّ أكملت حديثَها الطَّويل تشرحُ فيهِ قصَّةَ حياتِها ووصولِها إلى هذه المَرحلة ، ثمَّ تنهَّدتْ ثانيةً وقالتْ:

-لقدِ اشتريتُ العديدَ من الفِللِ، وسافرتُ الكثيرَ من الدول، لكنِّي أستغِلُّ دخلي المُرتفِعْ؛ فأقومُ برِعايةِ الأيتامِ، ومُساعدةِ المرضى، وإعانةِ المُحتاجينْ، ولديَّ مراكزٌ كثيرة، ولو قُمتَ بزيارةِ دور الأيتامِ والعجزةِ ومستشفياتِ الأمراضِ الخطيرة، لوجدتَ اسمي حاضرًا مشهورًا بينهم.. صمتَتْ قليلاً ثم نظرتْ في عينيَّ مُحدثِها والتي أصبَحتْ مُجلَّلةً بالدمع..

وواصلتْ حديثَها بقولها: 
وحتى في رمضان فإني أتكفَّلُ بشكلٍ كامِلْ بإقامةِ أكبرِ مُخيمٍ لإطعام الصائمين..
سأتوقفُ هُنا وسأُخبركم عن نهايةِ هذه الراقصة.. 
ولكني سأتوجهُ إلى المُرتزقة مباشرةً، والذينَ يفاجئوننا كل يومٍ بصورةٍ جديدة، ولأنَّ قافِلةَ الإرتزاقِ مُغرية، ومُربحة، ولكنَّ طريقهَا شاقٌ جدًا، والوصولُ إلى القِمة قد يستوجِبْ بعضَ الملاطِيم المُهينة ، ولا يصلُ إلى القمةِ إلا القِلة– مالنَا ولهذه التفاصيل- ولنعُد إلى الإرتزاق وقد رأيتُ مؤخرًا صورتين استثنائيتين لمُرتزقةٍ جُدد.
الأولى للقوسي نسيب طارق وعفاش في الرياض. 
والثانية مُفاجِئةٌ أكثَر وهي (لكوكتيل) في الإمارات، ومن بين هذا (الكوكتيل) هاشميان -كُنتُ أُكِنُّ لأحدِهما احترامًا كبيرا- هما الكحلاني والذاري، وهناك هاشميٌ ثالثٌ بينهم لكنه غيرُ معروف، وقد يقولُ البعضَ لماذا تُركِّز على الهاشميين بينما يظهر في الصورة البركاني والقربي وغيرهما..

والجواب أنَّ هناك من المرضى المصابين بحُمَّى العُنصرية، ويظُنُّون أن الهاشميين جميعًا في خندقِ الشرفِ والعزةِ والكرامةِ والبطولةِ والدفاعِ عن الوطن، وهذا الظن غيرُ صحيح، فالهاشميين حالهم كحالِ بقيةِ الناس، وفيهُم الحُر، وفيهم العميل والمرتزق، ومارب والرياض واسطنبول والقاهرة تحتضن المآت بل الآلاف من المُرتزقة الهاشميين، ولكي لا نظلِم بني هاشِم أيضًا، فالأمانةِ تقتضي أن نُشير إلى أنَّ الغالبية منهم في مُقدمةِ الصفوفِ في الدِّفاعِ عن الوطن، وستبقى القاعِدة الكبيرة المشهورة هي الأصلُ في كل مِحنةٍ ومنحة (في كل بيت حمَّام) …

ذكرتُ الراقصة والمُرتزقة، ولابُدَّ هُنا من الربطِ بينهما، وهو مربطُ الفرسِ في موضوعي، فلقَد بلغني من القِصصِ التي يشيبُ لها الولدان مما يجري على أهلنا وفلذاتِ أكبادِنَا خارج الوطن، فعلى سبيلِ المِثال؛ يمنية تحملُ شهادة الدكتوراة في القاهِرة؛ تقطَّعت بها السبُل، وتحطَّمت بها المَراكِبْ، وباعَت كل ما تملِكْ، ولم يتبقَّ لها إلا أن تتكفف الناسَ في الشَّوارِع.. 
طُلابٌ يمنيون في ماليزيا انقطعتْ مُنحتهم المالية، وانعدَمتْ وسائلُ عيشهِم، وأصبَحَ حالُهم يبكي الغريبَ، ويُدمي القَريب.. 
مريضٌ في عمَّان يُذلُّ ويُهان ويُطردُ من أقسامِ المُستشفى، ويُرمى خارِجَه، ولا يجِدُ من يُفرِّجُ كربه أو يقضي حاجته أو يُسدد للمستشفى تكاليفَ عمليته.. 
مُسافِرٌ في القاهرة تنسرقُ منه خمسة عشر ألف دولار، هي ثمنُ بيته الذي باعه ليتعالجَ، وفي لحظةٍ يُصبحُ المُرافقُ لأبيه أشبهُ بمجنونٍ يحتاجُ إلى رعاية.. 
مغتربٌ انقطعت به الطُّرُق، وباتَ عاجزًا عن العيشِ في الغربة، وعاجِزا عن الوصولِ إلى بلده…

قصصٌ يشيبُ لها الطِّفل الرضيع، والقولُ كل القول؛ إلى أولئك المُرتزقة المتسكعين في الاماراتِ ومصر والاردن وتركيا والرياض؛ ألا تكونونَ على الأقل كتلكَ الراقصة؛ 
فتسألون الإمارات: 
لماذا تسجُن وتُعذب وتمنع وتهين وتُذل المغتربين في أراضيها، ألا تسألونها: لماذا لا تستقبِل الجرحى (المُرتزقة) وتُعالجهم بدَلاً عن رحلة العذابِ إلى القاهِرة!
وفي مِصر: 
ألا تقومونَ بزيارة جرحى(المُرتزقة) وتنظرون معاناتهم ومأساتهم وحاجتهم فهم في الأول والأخير (يمنيون) وضحوا بأنفسهم من أجلكم ومن أجلِ الفُتاتِ الذي أُعطوه.
وفي الأردن: 
ألا تتحاورون مع السلطات هناك بأن ترحَمَ اليمني وتُعامله كإنسان!
وفي الرياض: 
ألا تُقابلون الملكَ الخرف أو ابنه المهفوف وتحدثانهما عن المغتربين اليمنيين واستثنائهم من الرسوم والضرائب والسعودة والظلم الذي تقطُر منه السماءُ دمًا، على الأقل في هذه الظروف الصعبة والقاسية.
وفي تركيا: 
ألا تمدونَ أيديكم وتُنفقون بعض الملايين من المليارات التي سرقتموها وتُنقذوا مُنقطِع أو طالِب أو مريض أو مُحتاج!

لقَدْ تابتِ الراقصة بعدَ حديثها معَ الحكيم! 
وإلى حينَ توبتكم أيها المرتزقة ألا تفعلون شيئًا بسيطًا مما فعلته الراقصةُ لعَلَّ وعسى يَشفَعَ لكُم عندَ ربِّكم وشعبكم.

قد يعجبك ايضا