الكشفُ عن تفاصيل عملية كبرى بجيزان: صنعاء تعيد فتح جروح العدوّ في الحدود

كشفت القواتُ المسلحة، السبت، تفاصيلَ إحدى أوسع وأكبر العمليات العسكرية التي نفّذتها قواتُ الجيش واللجان الشعبيّة في جبهة الحدود، وفي محور جيزان بالتحديد، وأزاح الإعلامُ الحربي الستارَ عن جانب من مشاهد العملية التي تضاف إلى رصيد الملاحم البطولية الاستثنائية للمجاهدين اليمنيين، بما تتضمنه وتُظهِرُه من احترافية قتالية منعدمة النظير، وحنكة عالية في الرصد والتخطيط والتنفيذ والانتشار والتوثيق، بمقابل ما تمثله أَيْـضاً من فضيحة مدوية لجيش العدوّ السعوديّ ومرتزِقته، وللسلاح الغربي الذي تمثل فائدته المنعدمة بيد جنود العدوّ ومرتزِقته، انعكاساً لعدم جدوى الغطاء السياسي والدبلوماسي الذي توفره الولايات المتحدة وحلفائها للنظام السعوديّ.

العملية نُفذت في وقت سابق وتكللت بتحرير أكثر من 40 موقعاً عسكريًّا ضمن مساحة تزيد عن 150 كيلو متراً مربعاً، حَيثُ كانت تتمركز تشكيلات عسكرية متنوعة من قوات الجيش السعوديّ والمرتزِقة السودانيين ومرتزِقة ما يسمى “لواء المغاوير” المحليين.

وبعد رصد دقيق لحجم قوات العدوّ وعتاده وتحَرّكاته وخطوط إمدَادِه، أعدت القوات المسلحة خطة محكمة لتنفيذ العملية، وفقاً لاستراتيجية الهجمات الواسعة والمكثّـفة والتي أثبتت نجاحاً كَبيراً في فرض معادلات جديدة على الميدان (مثل عمليتَي نصرٌ من الله والبنيان المرصوص)، وقد تضمنت الخطة تنسيقاً متكاملاً بين مختلف الوحدات القتالية للجيش واللجان الشعبيّة، وتوزيعها بصورة تضمن إرباك العدوّ وتقطيع خطوط إمدَاده ومباغتته من أكثر من جهة.

ونفذت وحداتُ الجيش واللجان الشعبيّة الخطةَ بصورة احترافية ليست غريبةً على رصيدها البطولي، وقد كشفت مشاهد الإعلام الحربي بشكل واضح عن تلك الاحترافية التي تجلت في مظاهر عدة أبرزها الاشتباك المباشر والشجاع من مسافة صفر مع قوات العدوّ التي لجأت في معظم الحالات إلى الفرار عاجزة عن الاستفادة من العتاد الحربي المتطور والكبير التي تمتلكه، والتي تحول إلى غنائم لقوات الجيش واللجان.

وتضمنت استراتيجيةُ الهجوم أَيْـضاً تنفيذَ عمليات قنص احترافية وكمائن نوعية واستهداف دقيق لتحصينات العدوّ، الأمر الذي كشف عن تميز كبير في التخطيط والتنسيق، بما يحقّق كثافة نارية متنوعة ومركزة تعجّل من حسم المواجهة المباشرة؛ لأَنَّها تجعل العدوّ، إضافةً إلى هزيمته النفسية، عاجزاً عن التصرف بشكل تام، وخياراته الوحيدة هي التعرض للقتل أَو الأسر أَو الفرار، وهذا الأخير بالذات بدا في هذه العملية خياراً بائساً، فجغرافيا المعركة كانت وعرةً كما أن قوات الجيش واللجان انتشرت فيها بشكل استثنائي، حَيثُ أحاطت بمعظم المواقع من أكثر من جهة، الأمر الذي أوقع جنود ومرتزِقته العدوّ الفارين في مأزق كبير.

وقد أظهرت مشاهدُ الإعلام الحربي لحظاتٍ مخزيةً لسقوط ضباط وجنود سعوديّين من منحدرات جبلية أثناء الفرار (وكانت قواتُ الجيش واللجان قد التفَّت إلى الجهة التي يريدون الفرار إليها)، ما أَدَّى إلى مقتل وإصابة عدد منهم.

وبالحديث عن جغرافيا المعركة، فَـإنَّ نجاحَ العملية يكشفُ تفوقاً حربياً (معنوياً وتكتيكياً وقتالياً) لقوات الجيش واللجان، لتمكّنها من التغلب على الطبيعة الوعرة للمنطقة وتحويلها من ميزة للعدو المتمركز فيها إلى مشكلة بالنسبة إليه.

الكمائنُ التي استهدفت آليات العدوّ كانت هي الأُخرى منظمة واحترافية بحيث مثلت محارق امتدت على طول وعرض مسرح العمليات، الأمر الذي يوضح بشكل أكبر مدى دقة وسعة أفق الخطة المعدة للهجوم، والقدرة الكبيرة لقوات الجيش واللجان بوحداتها المختلفة على تنفيذ مثل هذه الخطة.

بحسبِ الإعلام الحربي، فقد اتخذت العملية ثلاثة مسارات: الأول كان مسار جبل “إم بي سي” والذي انقض عليه أبطال الجيش واللجان من ثلاثة مسارات فرعية، تكللت بالسيطرة التامة عليه وتأمين محيطه، والثاني كنا مسار شمال التبة البيضاء وشرق قرية قايم الصياب، فيما كان المسار الثالث من تباب “الفخيذة” و”البيضاء”.

وقد عرضت المشاهد المصورة، أمس، جانباً من تفاصيل العمليات التي دارت فيه هذه المسارات، بالقرب من مدينة الخوبة، فيما أوضح الإعلام الحربي أن مشاهدَ أُخرى ستعرض تفاصيل السيطرة على أكثر من 30 موقعاً قبالة جبل الدود والرميح وجحفان.

الصورةُ تتكلم

استحوذت المشاهدُ على اهتمام المراقبين والمحللين بما احتوته من تفاصيل مهمة ومدهشة، ولحظات خالدة ونادرة من بطولات قوات الجيش واللجان، ومنها لحظة اقتحام أحد أبطال الإعلام الحربي لموقع سعوديّ واشتباكه من المسافة صفر مع العدوّ الذي حاول الفرار، وخلد ذلك المشهد بسالة وفروسية منعدمة النظير للمقاتل اليمني الذي عرض على الجندي السعوديّ الاستسلام، لكن الأخير والذي كان قد تظاهر بأنه ميت ثم تلكأ في النهوض، حاول التذاكيَ والهروبَ من الموت الذي لحقه بعدَ خطوات.

وكان مشهد تساقط الجنود والضباط السعوديّين من على منحدر جبلي أثناء محاولة الفرار، من أكثر المشاهد التي مثلت صفعة مدوية للعدو، وفضيحة لقوته الكرتونية وجيشه المتهالك، إلى جانب مشاهد قيام المجاهدين بملاحقة بعض الجنود الفارين.

ولعل هذه هي المرة الأولى التي يكشف فيها الإعلام الحربي عن توثيق جوي مواكب لعملية برية، حَيثُ تضمنت المشاهد لقطات وثقت مجريات المعركة من الأجواء، وهو تطور مهم يعبر عن تجاوز القدرات اليمنية موضوع السيطرة على أرض المواجهة، إلى السيطرة على أجوائها، وذلك يفتح الباب لتأمل مدى المرونة والتوسع في توظيف الإمْكَانات المتاحة ضمن الخطة القتالية بدءاً بعمليات الهجوم وما تتطلبه وحتى عملية التوثيق.

وأظهرت مشاهد أُخرى قيام قوات الجيش واللجان بإحراق العديد من آليات العدوّ بالولاعات في إهانة جديدة للسلاح الغربي الذي يعتمد عليه النظام السعوديّ، ويشتريه بمبالغ كبيرة، وهي صورة تعكس بدورها عدم جدوى الدعم الغربي السياسي والدبلوماسي والمعنوي الذي يستند إليه تحالف العدوان.

ولم تقتصر فضيحةُ السلاح الغربي في هذه العملية على إحراق الآليات وانقلابها، فمشاهد الغنائم مثلت أَيْـضاً صفعة أُخرى، إذ جمعت قوات الجيش واللجان من المواقع التي سيطرت عليها أنواعاً متعددة وكميات كبيرة من الأسلحة والمعدات المتطورة والحديثة (قناصات ومعدلات ونواظير نوعية وكاميرات حرارية) وهي معدات كان يفترض بها أن تحسن فرصة العدوّ في هذه المواجهة إلا أنها لم تكن ذات قيمة حقيقية بيده، فيما تحولت الآن إلى إضافة مهمة بيد أبطال الجيش واللجان.

وكَثيراً ما تبدي وسائلُ الإعلام الغربية، والأمريكية على وجه الخصوص، قلقاً إزاءَ وصول المعدات العسكرية المتطورة التي تباع للنظام السعوديّ إلى أيدي مقاتلي الجيش واللجان الشعبيّة.

أكثر من 200 قتيل ومصاب وأسير و60 آلية مدمّـرة

فيما يخُصُّ خسائرَ العدوّ، وبحسب الإعلام الحربي، فقد سقط أكثرُ من 200 عنصر من قوات الجيش السعوديّ والمرتزِقة السودانيين والمحليين بين قتيل وجريح وأسير، خلال العملية، (أكثر من 80 منهم سقطوا في الجزء الذي تم عرض جانب من تفاصيله أمس)، كما تم تدمير وإعطاب العشرات من الآليات والمدرعات منها 60 آلية وثقتها عدسة الإعلام الحربي.

وتعبر هذه الأرقام عن هزيمة كبيرة للعدو في الجبهة الحدودية، تضاف إلى هزائم كبرى سابقة، وهو ما يؤكّـد على أن العدوّ لا زال عاجزاً بالكامل عن حماية المناطق الحدودية التي تعني الكثير بالنسبة له في ميزان المعركة، وبالتالي فَـإنَّ القوات المسلحة ما زالت تمتلك القدرة على توجيه صفعات وضربات أقسى وأكبر وأوسع على العدوّ أن يحسب حسابه لتلقيها في حال استمرار العدوان، خُصُوصاً وهو يعرف جيِّدًا أن مسار العمل العسكري اليمني يمضي تصاعدياً على كُـلّ المستويات.

رسائل

يقودُ هذا إلى الرسائلِ السياسيةِ التي تحملُها هذه العمليةُ ونشر تفاصيلها في هذا التوقيت، ولعل أبرز ما يمكن التقاطُهُ من الرسائل: تذكيرُ العدوّ السعوديّ بورقة ذات قيمة استراتيجية كبيرة تمتلكها صنعاء، وهي معركة الحدود، خُصُوصاً وأن الرياض حاولت كَثيراً وبشكل وقح في الفترة الأخيرة القفزَ على حقيقة أن المعركة (سعوديّة – يمنية) وتماهت مع محاولات المراوغة الأمريكية التي تحاول تقزيم الصراع وتصفه بأنه “حرب أهلية”، على أمل الهروب من تداعيات وكلفة استمرار العدوان والحصار.

هذا التذكير اليوم يحبط أَيْـضاً محاولة النظام السعوديّ ورعاته لخلق ضغوط بخصوص “مأرب” ويعيد وضعهم أمام واقع حاولوا الهروب منه إلى الأمام، حتى باتوا يتصرفون وكأنه لم يعد موجوداً، فهو بالتالي يرسل رسالة بأن موقف القوة الذي تقف فيه صنعاء أكبر وأثبت من أن تؤثر فيه أية “فزاعات” سياسية أَو دبلوماسية، وأن من يجب أن يشعر بالتهديد هو العدوّ الذي يعرف جيِّدًا أن لدى صنعاء خياراتٍ عسكريةً متنوعة وبقدرات متطورة قد لا تخطر على باله أبداً، فيما لم يعد يمتلك هو أي خيار جديد.

وترتبط هذه الرسالةُ بوضع المسار السياسي الراهن والذي يصر فيه العدوّ على التمسك بأُسلُـوب “الابتزاز” من خلال مقايضة الملف الإنساني بملفات عسكرية وسياسية، خُصُوصاً وأن موضوع جبهة الحدود هو أحد أبرز مخاوف النظام السعوديّ، وبالتالي فعليه ألا “ينفخ صدره” وهو يتحدث عن مأرب.

ولعل نشرَ تفاصيل العملية الآن يرسل أَيْـضاً رسالة للعدو بخصوص إعلانه الأخير عن احتلال جزيرة ميون اليمنية بمضيق باب المندب.

وأيًّا كانت الرسائل الأُخرى، فَـإنَّ مشاهد الإعلام الحربي قد أوصلتها للعدو بشكل يجبره على التعاطي معها بجدية، وذلك يعبر عن ذكاء كبير تتمتعُ به القيادة اليمنية في توظيف واستخدام المعلومة سواء كحربٍ نفسية، أَو كرسائل.

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا