الكيان الصهيوني والكيان السعودي 2016: وجهان لعملة واحدة

 

لم تعد أخبار لقاء مسئولين سعوديين بنظرائهم الإسرائيليين خبراً يدعو للدهشة، فاعتيادية المشهد الذي يجمع المسئولين على مختلف مواقعهم ومراتبهم في كل من الدولتين والابتسامات والتصريحات البراقة والواعدة، كانت محض انعكاس لتطور خطير في السنوات الخمس الأخيرة، ما بين توق إسرائيلي إلى تطبيع العلاقات وعلانيتها مع دول عربية، وحاجة سعودية لحليف إقليمي، مروراً بتقاطع المصالح وترجمة ذلك على كافة المستويات وحتى العسكرية منها، وصولاً إلى اعتراف علني صريح لا جدال فيه على لسان بنيامين نتنياهو، بأن دولة الاحتلال على علاقة جيدة للغاية وفي تحالف ضد أخطار مشتركة بدول “سُنية عربية”.

هذا الوصف والتصنيف الذي أطلقه نتنياهو مصادقاً لما هو عليه الواقع من مسارات أثبتت أن تقاطع كل من الرياض وإسرائيل ليس فقط في مصلحة كل منهما، ولكن هو أمر ضروري وحيوي وحتى وجودي لاستمرار كل من الكيان الصهيوني والمملكة الأسرية السعودية، فالأخيرة وما عانته من تراجع بنيوي على مدار السنوات الماضية ومفاقمة هذا في العامين الأخريين بخوض حرب في اليمن وتورط أكثر في سوريا، وصراع داخلي ومستقبل غامض فيما يخص الحكم مستقبلاً، عانت أخيراً من انكشاف الغطاء الأميركي الذي يكفل الحماية للمملكة، وبالتالي كانت حاجة الرياض لتعويض هذا الانكشاف بتوطيد ورص الصفوف خلفها في المنطقة عن طريق سياسة شراء المواقف السياسية، وتوثيق العلاقات مع تل أبيب، التي تتشارك مع الرياض في بوصلة واحدة فيما يخص العداء للمقاومة وإيران، وتضررهما من التغيرات التي شملت المنطقة واستجابة واشنطن معها، مثل الملف النووي الإيراني والاتفاق الذي أفضى إلى إسقاط خيار الحرب أو الضربة العسكرية الأميركية ضد طهران بسبب برنامجها النووي، وهو ما كانت كل من السعودية وإسرائيل تدفع في اتجاهه.

ويمكن القول أن العام الجاري شهد تكثيف وتسريع وتيرة تعميق العلاقات بين السعودية وإسرائيل، فمقارنة ب،2013 كانت العلاقات في طور الخروج للعلانية وجس النبض الشعبي، وفي 2014 بدأت سيرورة عمل مشترك ضد اتفاق نووي وشيك، والعام الماضي ومع إخفاق إجهاض الاتفاق النووي، والذي حاز معظم مجهود الدولتين في التقارب بينهم، بدأ الاتجاه لتعميق على مستوى ثنائي وبشكل أكبر من التقاطع الآني في المصلحة والهدف، وجعله تعاون استراتيجي قائم على فكرة أو معادلة مفادها قيادة مشتركة للمنطقة ممثلة في تل أبيب والرياض بعد الانسحاب الأميركي الوشيك وتصاعد النفوذ الإيراني على حساب الإخفاق المشترك الفردي لكل منهما طيلة السنوات الماضية في مختلف أماكن الصراع من العراق لسوريا للبنان لغزة، والاتجاه خلال هذا العام لتوحيد المواقف والأهداف والعمل عليه وفق إستراتيجية برجماتية تتمثل في سعودة القرار السياسي العربي من خلال الجامعة العربية ونفوذ المملكة في مختلف الدول العربية والكبيرة منها مثل مصر على وجه الخصوص، وتوجيه هذا الاصطفاف الجبري الممول والمحمل بالامتنان السعودي لاسترضاء إسرائيل رجاء لدعمها أمام خطر مشترك هو إيران ومحور المقاومة.

على الجهة المقابلة رأت تل أبيب بشكل تصاعدي أن التحالف أو الاستفادة من “الإستراتيجية” السعودية سابقة الذكر يأتي في صلب مصلحتها، سواء في كون المملكة تقدم نفسها إقليمياً ودولياً على أنها ممثلة “السُنة العرب”، وهو ما يدفع نحو ما دعا إليه نتنياهو مباشرة في النصف الثاني من 2014 بتأجيج الصراع السُني- الشيعي كون أن الاثنين أعداء لإسرائيل، أو استفادة الكيان الصهيوني من تحزيم موقف “عربي” يقبل بإسرائيل ويطبع علاقاته معها تتكفل به المملكة، أو بالحد الأدنى العمل المشترك بشكل برجماتي على محاصرة حركات المقاومة سياسياً وإعلامياً وأمنياً وحتى ميدانياً وعسكرياً في سوريا، التي التقيا فيها الرياض وتل أبيب على دعم وتمويل وتسليح ورعاية الجماعات الإرهابية، وصولاً إلى الاستفادة منهم والتنسيق معهم ليس في إطار الصراع والحرب السورية، ولكن باستهداف كوادر المقاومة على مدار العامين الماضيين .

أبرز حوادث هذه العام كانت الحادثة التي أودت بحياة القيادي بحزب الله اللبناني، مصطفى بدر الدين، والذي أُتهمت إسرائيل باغتيال بشكل تقليدي على قاعدة المستفيد، إلا أنه قد لا يكون المنفذ المباشر إسرائيلي مثلما كان الحال في اغتيال جهاد مغنية وسمير القنطار، والتي اعتمد فيها على الجماعات الإرهابية المتعاونة مع وخاصة في جبهة الجولان في جمع المعلومات حولهم ورصد تحركاتهم ومن ثم القيام بضربات جوية، وهو ما قد يعني أن تبادل أدوار على مستوى إقليمي بين العدو وعواصم عربية وإقليمية مشتبكة في الأزمة السورية قد يكون فيه المخطط إسرائيلي والمنفذ أحد الجهات أو الجماعات المسلحة في الداخل السوري، فبخلاف الغطاء الإعلامي والدعائي المستمر منذ فترة والذي يمنح “شرعية” لإسرائيل في جرائمها واغتيالها لكوادر حزب الله بحجة تدخله في سوريا، فإن هناك انفتاح وتقارب وتنسيق سياسي وأمني بين دول عربية وعلى رأسها السعودية وإسرائيل في السنوات الأخيرة. في هذا السياق، يأتي تعليق مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، يعقوب عميدرور، بأن اغتيال بدر الدين “أمر جيد لإسرائيل التي ليست مسئولة دائماً عن الاغتيالات التي تستهدف أعدائها” كمفارقة لافته من حيث تلميحه لاحتمالية مشاركة أطراف أخرى في استهداف حزب الله، سواء سياسياً وإعلامياً –وهو الأمر الذي تبنته السعودية عربياً وهللت له إسرائيل- أو عسكرياً وأمنياً, بالإضافة أن تصريح عميدرور لا يخرج عن التوصيات التي خرج بها اجتماعه قبل أيام مع رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، الأمير تركي الفيصل، والتي خلصت إلى “تطوير وعلانية التعاون بين الرياض وتل أبيب على كافة الأصعدة”.

الحديث في 207 لن يكون عن سيناريوهات نجاح أو فشل المسعى المشترك لكل من الرياض وتل أبيب في تقويض محور المقاومة، ولكن سيكون عن مدى هذا التحالف وقابليته للتوسع والانتقال لملفات وساحات أخرى، سواء انتهى بالفشل أو النجاح في لبنان، فمن نافلة القول أن مناهضة السعودية لحزب الله ليست وليدة السنوات الأخيرة ولكنها تمتد إلى السنوات الأولى لعمر المقاومة نفسها، سواء كان ذلك من باب علاقة الحزب بإيران والثورة الإسلامية هناك التي كانت تجلياتها الأولى الخارجية في نشأة الحزب، أو من باب تموضع السعودية الوظيفي في المنطقة والذي يتكامل مع السياسات الأميركية التي يضرها وجود مقاومة فاعلة وناجحة لما يزيد عن ثلاثة عقود؛ فالتلاقي السعودي الإسرائيلي لم يكن الأول من نوعه، بل يمتد حتى إلى بداية مساعي الاستعمار بإيجاد إسرائيل، مروراً بتعاون الرياض وتل أبيب ضد مصر في حرب اليمن الأولى في ستينيات القرن الماضي وصولاً إلى المبادرة السعودية للسلام في 2005، وما استلزم ذلك ضرورة وجود خط اتصال دائم كان في الغالب سري، وانتقل منذ سنوات بدافع من الضرورة إلى العلن وتطويره إلى آلية مشتركة يتم تدعيمها بشكل دوري –ذكرت القناة العاشرة الإسرائيلية قبل 3 أيام عن وفد إسرائيلي سياسي وأمني زار الرياض والتقى عدد من المسئولين السعوديين وأن الملك سلمان يرحب بتطبيع العلاقات مع تل أبيب- وأن ما دعا المملكة إلى الانتقال من السرية إلى العلانية في علاقتها مع إسرائيل، وتصعيدها الأخير ضد حزب الله يأتي وفق سيرورة هذه الآلية الناتجة عن إستراتيجية مشتركة بعيدة المدى بين الدولتين.

وبمد الخط على استقامته، في ظل مستقبل منظور لا توجد فيه الرعاية السياسية والتقاطع المصلحي المعهود من جانب واشنطن لحلفائها، فإن كل من الرياض وتل أبيب، سيشكلان سوياً قاطرة سياسات مشتركة وفق مصلحتهم باعتبارهم القوى الأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط إزاء تحديات جسام تعانيها المنطقة مؤخراً، وهذا بحد ذاته لا يتشرط التوافق التام من باقي دول المنطقة على مقتضيات التحالف بين تل أبيب والرياض؛ فالأخيرة تراهن على مدى استمرار نفوذها في السياسة العربية متمثلة في مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، وفيما يبدو الأول مستعد بل ومبادر لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، قد يكون بالنسبة لأحد مكوناته تحفظ بخصوص الاندفاع السعودي فيه نحو أفق الصدام مع محور المقاومة. هذا بالطبع بخلاف باقي الدول العربية، التي تقيم وتُقيم الرياض علاقاتها معها على نفس المقياس الذي اتخذت فيه إجراءاتها الأخيرة ومنع المساعدات المالية عن لبنان. هذا بخلاف أن المملكة تعاني من تدهور اقتصادي سيؤثر بطبيعة الحال على مقدرة المال السياسي لديها في ظل تراكم سياسات الارتجال والعشوائية التي تنتهجها الرياض منذ العام الماضي، وبالتالي فإن مدى استفادة الرياض من هذا التحالف تكاد تكون معدومة، في حين أن تل أبيب تضمن من خلاله أفق أوسع من الحركة والمبادرة وسط “شرعية” تكفلها لها المملكة وتوابعها.

قد يعجبك ايضا