المشروع القرآني.. تأصيل للهوية وامتداد للعمق الداخلي

عين الحقيقة /كتب /صادق البهكلي

تمر علينا الذكرى السنوية لاستشهاد رجل من رجال اليمن العظماء هو الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) رجل وإن كان غائباً بجسده فهو حاضراً في كل تفاصيل المشهد اليمني منذ فجّر صرخته الأولى في وجه المؤامرات الأمريكية والصهيونية، كاشفاً الوجه الحقيقي لأمريكا، معرياً لأقنعتها الزائفة فاضحاً أمام الرأي العام طبيعة التحركات الامريكية تجاه المنطقة العربية بالذات مستنهضاً للقلوب والعقول شاحذاً لهمم الرجال صادحاً بالحق في واقع عربي مسكون بالخوف تسيطر على الإنسان العربي حالة من الاستضعاف، من العجز، من التفرج على الواقع، من الانتظار لما سيحصل، الكل يفكر في الاستسلام والصمت والانتظار لما سيجري عليه.

رجل وإن كنا خذلناه ذات أيام وسخر منه الكثير وحاربته الأغلبية كنتيجة طبيعة وتعبير صادق لتلك المرحلة التي كنا نعيشها بكل ما فيها من تجهيل ممنهج وغياب للوعي واضمحلال للقيم والمبادئ وشهادة لاريب فيها على عظمة الشهيد القائد وعلى عظمة المشروع الذي قدمه ولسان صدق على أهمية تحركه وحاجتنا الماسة لما قدمه في ثنايا المحاضرات والدروس التي القاها منذ انطلاقته إلى يوم استشهد.

وها نحن في اليوم الذي استشهد فيه الشهيد القائد وفي الوقت نفسه الذي تجاوزنا فيه العامين ودلفنا إلى العام الثالث ونحن نواجه أكبر عدوان كوني تشهده الأرض في الفترة الراهنة ورغم وحشية العدوان وخسارة الشعب اليمني للكثير من المنشآت الحيوية واستشهاد خيرة رجاله إلا أن الصمود الأسطوري والتحدي والثبات المنقطع النضير ضل هو السمة البارزة للشعب اليمني خلال الفترة الماضية من التصدي للعدوان وهذا ما كان ليكون لولا الله وما قدمه الشهيد القائد (رضوان الله عليه) من منهجية تربوية إيمانية صنعت رجال عظماء وربت أجيال على تقديس التضحية في سبيل الله وفي سبيل الكرامة وغدى شعار(نعيش أعزاء أو نسقط في ساحات القتال كرماء) واقع يجسده آلاف من عشاق الشهادة هم تلاميذ مدرسة الشهيد القائد الذين يتدافعون نحو ميادين البسالة والرجولة بكل إصرار وتحدي..

ومن المفارقة العجيبة في هذه الفترة العصيبة التي يواجهها الشعب اليمني أرضاً وإنساناً نجد المشروع القرآني الذي أسسه السيد حسين في قلب الهوية اليمنية دفاعاً عن الأرض والعرض وتأصيلاً للهوية اليمنية بعد أن تراجعت أغلب المكونات والأحزاب التي كانت في قلب السلطة وذهبت لأبعد حدود من خلال استدعاء الغزاة لتدمير اليمن بل والتحرك جنباً إلى جنب مع الغزاة وتقدمهم الصفوف الأولى في مواجهة أبناء جلدتهم وهم من كانوا يملؤون الساحة ضجيجاً بأنهم أحفاد سبأ وحمير وبكيل وحاشد وفي الأخير وإذا هم أقزاما وخونة في حضائر العبيد ذلك لأن امتدادهم الحقيقي ليس وطنياً ولا يمنياً وإنما إلى قصور نجد وخزائن اللجنة الخاصة ومشكلتهم وجودية فبمجرد أن تنتهي اللجنة الخاصة سينتهون سريعاً..

ولقد دأبت مكينتهم الإعلامية والدينية على شيطنة المشروع القرآني ومؤسسه وتصويره في ذهنية الرأي العام كمشروع صفوي مجوسي ووجدنا خلال السنوات الماضية كيف امتلأت المكتبات والأرصفة بكتب التحذير من الحركة الحوثية واعتبارها حركة شاذة مجوسية مع تغذية كل الحروب التي كانت تُشن على حركة أنصار الله ومحاولة طأفنتها ذلك لأنها حركة تكشف الحقائق بالدليل والمنطق وأعادت تجذير الهوية الدينية والإنسانية للشعب اليمني وفق منهجية قرآنية ورصيد يمني حضاري لا يمكن أن يكون مجرد ملحق في هامش مملكة آل سعود حديثة الولادة والمنشأ وهابية الفكر والعقيدة القائمة على تكفير كل المسلمين..

وتأتي الأحداث الأخيرة لتبرهن على حقيقة المشروع القرآني كمشروع يؤطر الجميع في كينونة وطنية واحدة تختصر الزمن وتقرب المسافات دون إلغاء لأي حركة سياسية أو اجتماعية ذلك لأن المشروع القرآني في الأساس عبارة عن قيم ومبادئ يتشارك فيها الجميع وتمتد بهم إلى العمق الوطني الداخلي كيمنيين لا يحتاجون لمن يزيف لهم تاريخ أو يصنع لهم بطولات وهمية فتاريخهم الحضاري لا ينكره أحد وبطولاتهم عبر التاريخ تشهد لهم مدن الأندلس والقيروان وما وراء النهر وصولاً لدول شرق آسيا.. و لا يتوقف المشروع القرآني عند هذا الحد بل نجد تأثيره في الوعي الاجتماعي للشعب اليمني من خلال تحسيسهم بقيمتهم الإنسانية ودفعهم للاهتمام بالقضايا الكبيرة بعيداً عن الاستغراق في القضايا الهامشية وأن دورهم لا يتوقف على مدى ما يمتلكونه من خبرات أو إمكانيات بل على مدى تحركهم الميداني فالميدان بالنسبة للرؤية القرآنية هو أعظم مدرسة يمكن من خلالها أن يكتسب الإنسان المعرفة والعلم ولقد أثرت هذه النظرة في قوة اندفاعهم الجماعية ضد العدوان الأمريكي السعودي حتى لم تعد تشكل الخبرات الكبيرة للعدو التي راكمها عبر قرون من الزمان أي خطورة عليهم بل وجدناهم في مواجهة مباشرة مع أحدث التكنلوجيا العسكرية الأمريكية واستطاعوا كسرها وتحويلها إلى مجرد قوالب وأشكال بلا تأثير..

وما يميز المشروع القرآني الذي قدمه الشهيد القائد إلى كونه مشروعاً تصحيحياً يصحح الواقع المنحرف، وكمشروع نهضوي يحرك الأمة ويفعلها ويقدم رؤى واقعية تتطابق مع متطلبات الواقع بعيداً عن المثالية المفرطة هو ايضاً مشروعاً حضارياً يقدم للأمة الإسلامية كل مقوماتها الحضارية ويعيد تأصيل هويتها الممزقة بين الطوائف المذهبية وصولاً إلى هوية إسلامية جامعة لذلك وجدنا المشروع القرآني منذ انطلاقته إلى كونه في قلب الاهتمام بالوضع اليمني الداخلي هو أيضاً في قلب القضايا الإسلامية وفي المقدمة قضية فلسطين وأستطاع ان يحرك الشارع اليمني لمساندة قضايا الأمة حتى وجدنا الشعب اليمني الأكثر اهتماماً بقصايا الأمة المشتركة من أي شعب عربي وإسلامي آخر..

أخيراً يطول الحديث عن الشهيد القائد ولا ينتهي وخير من يتحدث عنه هو الواقع اليمني بين الأمس واليوم بين يوم كان الشعب ضحية للحروب الداخلية ومشاكل الثأر وتسلط المشائخ و عصاباتهم على الناس، وبين التآلف والتكاتف التي يشهدها المجتمع اليمني اليوم… بين يوم كانت القرارات تتخذها أمريكا والسعودية وأدواتها وبين اليوم الذي يتخذ الشعب نفسه قراراته .. بين يوم كان المواطن اليمني يهان وتسفك دماءه بكل برودة ويحاربه الأقربون والأبعدون ويأكلون حقوقه ويهينون كرامته وبين اليوم الذي صارت كرامة الانسان اليمني وشجاعته وصموده مضرب المثل ومفخرة الأحرار في كل بقاع الأرض.

رحم الله الشهيد القائد فقد صنع أمة لا تهزم وربى رجال لا يتراجعون وقدم الحلول في زمن اللاحل، وعزز الأمل في دنيا اليأس وفي زمن الإحباط… ورحم الله جميع الشهداء الابرار الذين وفوا بالعهد وصدقوا مع الله ولم يتراجعوا أو ينكسروا.

قد يعجبك ايضا