المعايير القرآنية للشهادة وأهمية ثقافة الجهاد والاستشهاد ودلالات الشهادة في سبيل الله

 

المعايير القرآنية للشهادة

الشهادة في سبيل الله “سبحانه وتعالى” هي عطاءٌ عظيمٌ، وهي فيما يتعلق بالعطاء هي أسمى عطاء يجود به الإنسان، أن يهب الإنسان روحه وحياته هو أسمى عطاء وأعظم عطاء، وهذا ينطبق عليه أنه عطاءٌ في سبيل الله، عندما تتوفر فيه عدة عناصر أساسية، وتشمل:-

أن يكون المنطلق الذي يتحرك الإنسان فيه وهو حاضرٌ لبذل روحه، منطلقاً سليماً، صحيحاً، سامياً، عظيماً، راقياً، وأسمى نية، وأسمى هدف، وأعظم مقصد،

أن يكون ذلك من أجل الله “سبحانه وتعالى”، استجابةً لله “جلَّ شأنه”.

شهيد المسؤولية وشهيد المظلومية 

مفهوم الشهيد من وجهة نظر الإسلام ليس من قتل في سبيل حماية بلد أو وطن، وليس من قتل في سبيل حماية أسرة أو عائلة يدين لها بالولاء.

ونحن هنا نؤكد أن الشهيد.. هو من بذل روحه في سبيل الله، في سبيل إحقاق الحق، في سبيل إزهاق الباطل، فقتل في ميدان المواجهة.

وهو هنا يسمى أيضاَ شهيد المسؤولية، وبهذا الاسم يتضح الفرق بينه وبين شهيد المظلومية، وهو من يقتل مظلوما -من المسلمين-في غير ميدان المواجهة كضحايا القصف بالطيران للمدنيين في البيوت، هذا الاستهداف بالقتل لا يخرجهم من دائرة الشهداء، وفي نفس الوقت لا يضعهم في مرتبة من قدم نفسه ثمنا لموقف مسؤول آمن به، وخرج مقاتلا يَـقْـتُـل ويُـقْـتَـل في سبيل الله، وهو يقوم بهذا الموقف المسؤول.

الشهادة بين حجم العطاء وفضل الجزاء

لا يوجد مجتمع على وجه الأرض لا يقدس التضحيات، إنما تختلف المجتمعات في طريقة تقديسها للتضحيات وخاصة تلك التضحيات التي تقدم في سبيل حماية المجتمع عموما، فعلى مر التاريخ خلدت المجتمعات البشرية بكل ألوانها الفكرية أسماء وتضحيات الأبطال فمنهم من صنعوا لهم التماثيل، ومنهم من سطروا بطولاتهم بالروايات والأساطير، ومنهم من نظموا فيهم القصائد الشعرية، ومنهم من أطقوا أسماء أبطالهم ومعاركهم على المدن وغيرها من المنشآت، و…الخ.

أما في مجتمعنا المسلم فقد كان تشريف وتعظيم الشهداء نابعا من قداسة وعظمة المبادئ التي حملوها وتحركوا بها، وقد سجل القرآن الكريم مكانة الشهيد وثوابه العظيم في آيات عدة قال تعالى: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ».

يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ}(التوبة: من الآية111).

وحين ختم الله لهم بالشهادة، واصطفاهم إلى جواره، نهى عن أن يوصف الشهيد بأنه ميت، قال تعالى (وَلاَ تَقُولُوا لِمْن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ) فالشهادة في سبيل الله أمنية المؤمنين الواعين شأنهم شأن رجل الجهاد الأول الرسول الأعظم محمـد (صلوات الله عليه وآله)، الذي قال: ((وَدَدتُ أَني قُتِلتُ فِي سَبيلِ اللهِ ثُـم عُدتُّ ثُم قُتِلتُ ثُـم عُدتُّ ألفَ مَرة)).

وبالبشارة والفرحة استقبل الإمام عليه (عليه السلام) لحظة استشهاده قائلاً: [فُزْتُ وَرَبِّ الكعبة]، والذي كان يخوض الصفوف مقاتلا للمشركين والناكثين والمارقين غير آبهٍ بالموت فكان عليه السلام يقول : [مَا أُبالي أَوقعتُ عَلى الموتِ أَمْ وَقعَ الموت عَليَّ]، ويقول عليه السلام : [والله لابنِ أَبي طَالِب آنس بالموت مِن الطِفلِ الرّضيع بثدي أُمّهِ].

فالشهادة في سبيل الله هبة واصطفاء لأهل الفضل والكرامة من أولياء الله ولها قداستها وامتيازها وهي وسام تكريم من الله لا يمنحه إلا لمن ينال هذه الرتبة العالية وهي الشهادة في سبيله كما قال سبحانه:﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ﴾.

الدروس والعبر من تحرك الشهداء

حينما نستذكرُ شُهَـدَاءَنا الأبرارَ، فإننا نستذكرُ منهم الدروسَ والعظةَ والعبرةَ، نستذكرُ منهم المجدَ، ونستذكرُ منهم الصمودَ، ونستذكرُ منهم الإباء، ومن تلك الدروس والعبر:-

الشعور بالمسؤولية: الشهداء تحركوا من منطلق الشعور بالمسؤولية أمام الله، مستجيبين لله سبحانه وتعالى، يَعُون ويفهمون أنَّ من مسؤولياتهم الدينية أن يتحركوا ضد العدوان ضد الظلم ضد البغي ضد المجرمين والظالمين، الله سبحانه وتعالى الذي قال في كتابه الكريم  {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}.

عدالة القضية: الشهداء لهم قضية عادلة، ينتمون إلى مشروع عظيم، هو القرآن الكريم والإسلام العظيم، فعدالة القضية هي أيضاً تضفي على شهادتهم القداسة.

مشروعية الموقف: مشروعية الموقف أن هؤلاء الشهداء العظماء تحركوا بشرعية قرآنية، شرعية قرآنية على قول الله سبحانه وتعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}.

الوعي بطبيعة الصراع: الشهداء هم يتحركون أيضا بوعي عن طبيعة الصراع في هذا الوجود وفي هذه الحياة.

نصرة الحق: الشهداء الأبرار تحركوا في سبيل الله وفي نصرة الحق وفي دفع البغي والعدوان، تحركوا على أساس قول الله سبحانه وتعالى: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ}.

عظمة القيم والأخلاق: الشهيد حمل في روحيته الإباء والعزة والغيرة على الحق ولأمته المظلومة، لأن “الشِّهَـادَةُ بقدر ما تعبّرُ عن المظلومية هي أَيْضاً أجلى تعبيرٍ عن القيم وعن الأَخْـلَاق”.

الأساس الإيماني: الشهيد والمجاهد الآخر الشهيد الحي، عندما يتحرك في سبيل الله هو يتحرك على أساس من إيمانه ونيته الخالصة، ابتغاء مرضاة الله.

القيم الإيمانية: الشهيد يتحرك بالقيم الإيمانية خاضعاً لله، مطيعاً لله، مستسلماً لله، وهو كذلك يتحرك بإيمان، بصلاح، باستقامة، بطهارة، بعفة، بتحرك رشيد سليم من مساوئ الأخلاق.

الصبر والثبات: فالمجاهد يتحرك في سبيل الله سبحانه وتعالى صابراً ثابتاً يؤدي مهامه الجهادية بشكل سليم وصحيح.

العطاء بلا حدود: حيث كان التحرك تحركاً قائماً على أساس العطاءِ كل العطاءِ بدونِ حدودٍ ولا قيود.

سمو الأهداف: هؤلاء الشهداء كان همهم وكان حرصهم وكان من أهم أهدافهم في تضحيتهم في سبيل الله إقامة العدل، مواجهة الظلم، مواجهة الفساد.

ومن هنا فإن الشهداء قد وفقهم الله وتقبلهم الله عنده، تقبلهم وجعل من تضحياتهم سبباً للنصر، وسبباً للعزة، وسبباً لقوة المستضعفين.

الوفاء لأهل الوفاء

يرى البعض أن الوفاء للشهداء يتمثل في رعاية الدولة لأسرهم وذويهم رعاية مادية، وأن الوفاء للشهداء بتخليد ذكراهم وتمجيد بطولاتهم، وهنا نؤكد أن مثل هذا النوع من الرعاية والتكريم موجود عند شعوب العالم ومتوارث في كل الثقافات على تنوعها.

ولكننا هنا وفي ثقافتنا المستمدة من القرآن الكريم نؤكد أن مثل هكذا رعاية هي مسؤولية وواجب لا يقتصر على الجانب الرسمي بل يمتد إلى الجانب الشعبي والمنظمات المجتمعية، كما أنه لا ينحصر على الرعاية المادية بل يشمل الرعاية الفكرية والتربوية والاجتماعية والصحية.

القيم والمبادئ والأهداف التي قدم الشهداء أنفسهم في سبيل الله من أجلها، وضحوا من أجلها يجب أن نكون أوفياء معها.

والأهم من ذلك كله أن من وفائنا للشهداء، بل ومن مسؤوليتنا تجاههم أن نكون أوفياء مع المبادئ والقيم التي ضحوا من أجلها، فالشهداء قدموا أنفسهم في سبيل الله لأهداف عظيمة:

كي يتحقق العدل، كي يزول الظلم.

كي ينعم الناس بالعزة، كي تتحقق لأمتهم الكرامة.

كي يقوم دين الله، لأجل أن تعلو كلمة الله.

ومن الوفاء للشهداء أن يكون هناك اهتمام بالشهادة كثقافة وبالشهداء وما ينبغي علينا تجاههم :

أولا: استذكار مآثرهم وتخليدهم، ومن أهم ما نؤكِّد عليه في عملية الاستذكار للشهداء:

إنتاج ما يمكن إنتاجه من الوثائقيات على المستوى الإعلامي.

التكريم المعنوي، الذي يعزز ترسيخ مفهوم الشهادة.

النشاط الواسع في ظل هذه المناسبة، في زيارة روضات الشهداء، لما لذلك من تأثير نفسي، معنوي، إيجابي، وأثر مهم جداً على المستوى الأخلاقي والتربوي.

ثانيا: ربط الجيل الناشئ بذكراهم سواء فيما يتعلق بأبناء الشهداء وهذا مهم جدا ان يعرف عن والده وعن تضحيات والده، وعن الشهداء بشكل عام، وعن نماذج عظيمة وكان لها مواقف استثنائية وبارزة جدا.

ومن جهة أخرى من الوفاء لتلك التضحيات:-

أن نواصل، وأن نستشعر مسؤوليتنا في مواصلة المشوار.

أن نثبت على الموقف الحق.

أن نتحرك فيه بكل جدية، في كل مجالات العمل والمسؤولية.

أن نتحرك بروحية ثورية تحررية جهادية، بروحٍ مستعدةٍ للعطاء إلى أعلى المستويات، بكل جد واهتمام.

أن نحذرٍ من التقصير والتفريط.

أن نستشعر قدسية الموقف الذي نحن فيه، وأنه موقفٌ عظيم.

سنكون لشهدائنا الأبرار أوفياء كما كانوا هم أوفياء مع الله مع دينه، أوفياء مع قضيتهم العادلة، أوفياء مع أمتهم المظلومة والجريحة.

 

أهمية ثقافة الجهاد والاستشهاد

الذكرى السنوية للشهيد تشكل فرصة مهمة لنذكر أنفسنا، ونذكر أمتنا بأهمية هذه الثقافة، بحاجة أمتنا في هذا العصر إلى هذه الثقافة، ثقافة الجهاد والاستشهاد، وأن تكون النظرة إلى الشهادة في سبيل الله هي النظرة الحقيقة، النظرة التي قدمها القرآن الكريم، وبذلك لا يبقى هناك شيء يخيف الأمة، لا يبقى هناك بيد العدو وسيلة للهيمنة على المجتمع، لإذلال الناس؛ لأنه فقد وسيلة من أهم وسائل السيطرة والتحكم وهي سلاح التخويف.

قال تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }(الأنعام:163:162).

هذه هي الغاية، وهذا هو الشعور الذي يجب أن يسود على نفس كل واحد منا.

{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} عبادتي بكلها {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} حياتي هي {لِلَّهِ} كما أن صلاتي لله، ونسكي: عباداتي كلها لله، كذلك حياتي هي لله ومماتي أيضاً هو لله.

ومعنى أن حياتي لله: أنني نذرت حياتي لله في سبيله في طاعته، ومماتي أيضا لله، كيف يمكن أن يكون موت الإنسان لله؟ من الذي يستشعر أن بالإمكان أن يكون الموت عبادة؟ وأن يكون الموت عبادة عظيمة لله سبحانه وتعالى يجب أن تكون أيضاً خالصة كما قال: {لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} (الأنعام: من الآية163).

رهانات خاسرة أمام ثقافة الجهاد والاستشهاد

إن لإحياء روح الجهاد والاستشهاد في نفوسنا كأمة مؤمنة وكمجتمع مؤمن أهميته الكبيرة وخاصة في هذا العصر، فالأعداء في هذا العصر يستخدمون سلاحين من خلالهما يهيمنون على المجتمع، ويستعبدون عباد الله:

السلاح الأول هو سلاح الخوف: التخويف والرهبة، وهو السلاح الأعم الذي يستخدمونه على نحو واسع فهم يعملون على إثارة الخوف في نفوس الناس بكل الوسائل، بكل الأساليب ليتهيأ لهم من خلال ذلك السيطرة على الناس، واستعبادهم من دون الله والتحكم في كل شؤونهم، ومن تلك الوسائل:

ما يعملونه بالناس من قتل وسجن وتدمير.

شن الحروب تلو الحروب.

زرع حالة اليأس والإحباط والذل.

الترويج لثقافة الإذلال والشعور بالذلة وانعدام الأمل وانعدام الثقة بالله سبحانه وتعالى.

العمل عبر المرجفين ووسائل الإعلام على تضخيم حالة الخوف منهم.

أن يعمقوا في نفوس الناس ومشاعرهم الرهبة منهم بما يهيئهم للاستسلام والانقياد.

والسلاح الآخر هو سلاح الترغيب، ويشمل:

إثارة الأطماع.

شراء المواقف.

شراء الذمم.

لكن ثقافة الجهاد والاستشهاد، وثقافة الشهادة في سبيل الله، وبناء أمة مؤمنة تحب الشهادة في سبيل الله، وتكون الشهادة في سبيل الله بالنسبة لها أمنية، بالنسبة لها شرفاً وأملاً، وعاقبة حسنة ترجوها من الله يسقط هذا الرهان، ويجعل من هذا الأسلوب أسلوباً فاشلاً، ومن هذا السلاح سلاحاً ضعيفاً وبائراً، لا يحقق أثره ولا يهيئ لهم ما أرادوه منه.

الأمة بدون ثقافة الشهادة

لو فقدت الأمة هذا الشهادة، هذه الثقافة، ثقافة الشهادة، ثقافة التضحية، البذل بلا حدود في سبيل الله سبحانه وتعالى لكانت أمة ذليلة ولصارت أمة مستعبدة مقهورة، تقدم من القتلى أضعاف أضعاف ما ستقدمه من شهداء وهي في سبيل الله سبحانه وتعالى.

وبدون الشُّهَـدَاء وبدون الشَّهَادَة وبدون التضحية ما كان بالإمكان أن يعلوَ للحق صوتٌ، أن يتحققَ للمستضعفين والمظلومين خلاصٌ، أن يكسَبَ المستضعفون عزاً ومجداً، وأن يتخلَّصوا من هيمنة المجرمين، ما كان بالإمكان دفع الشر المستحكم، ودفع البغي ودفع الظلم ودفع كُـلّ أشكال الفساد والطغيان بدون تضحية.

النظرة السلبية للشهادة

ربما الكثير من الناس قد ينظرون إلى الشهادة في سبيل الله إلى أنها خسارة، وإلى أنها تمثل إشكاليةً كبيرة على المجتمع الذي يقدم الشهداء، وهذه النظرة السلبية هي نظرة بعيدة عن النظرة القرآنية، وبعيدةٌ جداً عن الوعي الإيماني والقرآني، وهي نظرة تفصل مسألة الشهادة في سبيل الله عن الجانب الرئيسي فيها، وهو الموقف الذي هي في إطاره، والمنطلق الذي هي على أساسه.

والحقيقة أن الخسارة الرهيبة، هي: خسارة أولئك الذين انطلقوا في صف الباطل، مثلما هو حال تحالف العدوان، ومن يتحرك تحت الراية الأمريكية، وتحت عنوان التطبيع مع إسرائيل، بالمؤامرات على أمته.

وعليه فإن “المفهومَ الصحيحَ للجهاد والاستشهاد هو الذي يمكن بواسطته حمايةُ الأُمَّـة ودفعُ الأخطار عنها، ومواجهة ما تواجه من تحديات كبيرة وأخطار تحيط بها من كُـلّ جانب”.

نتيجة التهرب من التضحية في سبيل الله

“نتيجة الخوف الشديد، ونتيجة التهرب الكبير من التضحية، من الثمن الذي قد ندفعه في سبيل أن نتحرر من طغيانهم وظلمهم وجبروتهم وهيمنتهم وشرهم، وتكون النتيجة أسوأ، تكون الخسارة أكبر، يكون مستوى ما يقدِّمه الناس وهم في إطار الهيمنة، والخضوع، والاستسلام للطغاة والظالمين والمستكبرين، أكبر بكثير مما كانوا سيضحون به في سبيل الله، في أن يحصلوا على العزة، والكرامة، والحرية في مفهومها الصحيح، فيتحررون من هيمنة الطغاة والظالمين والمجرمين والمستكبرين.”

وفي المقابل لو فقدت الأمة ثقافة الشهادة، وتهربت من ثقافة التضحية في سبيل الله   لكانت الأمة ستقدم من القتلى أضعاف أضعاف ما ستقدمه من الشهداء وهنا نستذكر مثالا من التاريخ وهو ما صنعه ابن الزبير بسبعة آلاف أسير بعد رفضهم المواجهة والتضحية مع المختار الثقفي الذي جاد بنفسه في الميدان بدلا عن الذبح على يد ابن الزبير.

وفي العصر الحالي ذبح الدواعش في العراق وبالتحديد في قاعدة سبايكر أكثر من 2700 أسير، بينما لم يصل عدد شهداء الحشد الشعبي إلى هذا العدد في درب الجهاد ضد الدواعش والذي انتهى بإسقاط الخطر الداعشي وتحرير الموصل وغيرها.

وفيما يلي نماذج من التاريخ لحجم ضحايا الحروب والصراعات والأوبئة

باختصار تؤكد بعض المصادر أن المجموع الكلي لضحايا الحروب على فترات التاريخ (كل الحروب): تتراوح بين (((754,758,805–315,253,223) منها 20 مليون في الحرب العالمية الأولية، و70مليون قتيل في الحرب العالمية الثانية، كان نصيب جيش الدولة العثمانية منها أكثر من 700 ألف قتيل.

وهنا نورد بعض الضحايا المسلمين في تلك المعارك على سبيل المثال لا الحصر:

أولاً- المغول في بغداد

تشير المصادر إلى أن ضحايا الغزو المغولي كاملا تجاوز أكثر من 70 مليون قتيلاً، كان نصيب العراق منها ما فَصَّله ابن كثير في كتابه “البداية والنهاية” عن سقوط بغداد سنة 656هـ ومقتل الخليفة على يد المغول وقائدهم هولاكو، مؤكداً أن قتل الناس في بغداد استمر 40 يوما، ويتراوح عدد القتلى بين مليون و800 ألف، إلى مليونين.

ثانيا/العثمانيون في مصر

وكانت هذه المذابح بقيادة السلطان سليم الأول، فقد غزا مصر، واستولى عليها، وقتل هو وجيشه النساء والأطفال والرجال في المساجد والمدارس والبيوت والشوارع والأسواق، فضرب في يوم واحد 320 رأسا من سكان الصحراء، وقُتل في الريدانية فوق أربعة آلاف إنسان، وكان مقدار من قُتل من بولاق إلى الصليبة فوق عشرة آلاف إنسان في أربعة أيام فقط.

كما يبيّن ابن إياس مقدار ما نهبه السلطان سليم وجيشه من ثروات مصر، وينقل أن هذا السلطان عاد إلى تركيا من مصر ومعه من الذهب والفضة حمولة ألف جمل، فضلا عن بقية ما نهبه هو ووزراؤه وقادته وجيشه.

ثالثا/نكبة فلسطين: شكلت أحداث نكبة فلسطين وما تلاها من تهجير مأساة كبرى للشعب الفلسطيني، لما مثلته وما زالت تعد أكبر عملية تطهير عرقي حيث تم تدمير وطرد شعب بكامله، فقد سيطر الاحتلال الإسرائيلي خلال مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، دمّر 531 منها بالكامل.

المجازر: رافق عملية التطهير هذه اقتراف العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين أدت إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني ومنها:

1-مذبحة كفر قاسم في 29 أكتوبر 1956 ضد مواطنين فلسطينيين عُزَّل في قرية كفر قاسم راح ضحيتها 49 شهيداً مدنيًا: منهم 23 طفلًا دون الثامنة عشر أصغرهم جنين وطفل 4 سنوات ، 13 إناث، 36 ذكور)، والإصابات 18.

2-مذبحة خان يونس في 12 نوفمبر 1956 هي مذبحة نفذها الجيش الإسرائيلي بحق اللاجئين الفلسطينيين في مخيم خان يونس راح ضحيتها أكثر من 250 فلسطينيا.

وبعد تسعة أيام من المجزرة الأولى نفذت وحدة من الجيش الإسرائيلي مجزرة وحشية أخرى راح ضحيتها نحو 275 شهيداً من المدنيين في نفس المخيم، كما قتل أكثر من مائة فلسطيني آخر من سكان مخيم رفح للاجئين في نفس اليوم.

3-مذبحة بلد الشيخ بتاريخ 31 ديسمبر عام 1947 وكانت حصيلة المذبحة نحو 60 شهيداً من النساء والأطفال، وجدت جثث غالبيتهم داخل منازل القرية.

4-مذبحة الطنطورة ما بين 22 و23 مايو1948 بعد شهر تقريبا من مذبحة دير ياسين، وتختلف مذبحة الطنطورة عن سائر المذابح، ليس لحجم الضحايا فقط ولكن كونها جريمة ارتُكبت على يد جيش إسرائيل بعد أسبوع واحد من إعلان قيام الكيان الإسرائيلي، وقد قتل في المجزرة أكثر من 200 فلسطيني.

5-مذبحة أبو شوشة 14 مايو 1948، راح ضحية هذه المجزرة حوالي 60 شهيداً من النساء والرجال والشيوخ والأطفال

6-مجزرة قلقيلية شارك في الهجوم مفرزة من الجيش وكتيبة مدفعية وعشر طائرات مقاتلة. وقد عمد الجيش الإسرائيلي إلى قصف القرية بالمدفعية قبل اقتحامها، حيث راح ضحية المجزرة أكثر من 70 شهيداً.

7-مذبحة دير ياسين هي عملية إبادة وطرد جماعي في نيسان 1948. كان معظم شهداء المجزرة من المدنيين الأطفال والنساء والعجزة، ويتراوح تقدير عدد الشهداء بين 250 و360شهيدا.

8-مذبحة الأقصى الأولى في المسجد الأقصى بمدينة القدس8 أكتوبر 1990، قبيل صلاة الظهر، مما أدى إلى مقتل 21 شهيدا وإصابة 150 بجروح مختلفة واعتقال 270 شخصاً.

9-مذبحة الحرم الإبراهيمي نفذها باروخ جولدستين، فجر الجمعة 15 رمضان 1414هـ، حيث أطلق النار على المصلين أثناء صلاة الفجر، وقد استشهد 29 مصلياً وجرح 150 آخرون.

10-مجزرة جنين هو اسم يطلق على عملية التوغل التي قام بها الجيش الإسرائيلي في جنين في الفترة من 1 إلى 11 أبريل 2002. وبلغ عدد الشهداء 58 شهيدا وتم أسر 28 أسيراً.

الاعتقالات: والتي تجاوزت أكثر من مليون حالة اعتقال منذ العام 1967

الشهداء منذ النكبة عام 1948 وحتى اليوم بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين والعرب نحو مائة ألف شهيد.

– منذ بداية انتفاضة الأقصى خلال الفترة 29/09/2000 وحتى 31/12/2020بلغ عدد الشهداء 10,969 شهيداً.

-العام 2014 (أكثر الأعوام دموية) حيث سقط 2,240 شهيداً منهم 2,181 استشهدوا في قطاع غزة غالبيتهم استشهدوا خلال العدوان على قطاع غزة.

– عام 2019 بلغ عدد الجرحى حوالي 1,650 جريحاً.

-العام 2020 بلغ عدد الشهداء في فلسطين 43 شهيداً منهم 9 شهداء من الأطفال و3سيدات.

-بداية العام 2021 وثق استشهاد 18 شهيدا في فلسطين، بينهم أسيرين، وآخر من ذوي الاحتياجات الخاصة.

ضحايا الأوبئة والأمراض

-طاعون أثينا: 430 قبل الميلاد: دمر وباء شعب أثينا واستمر لمدة خمس سنوات وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد القتلى يصل إلى 100 ألف شخص.

-طاعون أنطونين (جدري) في الفترة180-165م انتشر في الإمبراطورية الرومانية ومات منه خمسة مليون نسمة

وباء قبرص: 250-271 ميلادي ويُسمى الطاعون القبرصي. ووصف الوباء بأنه إشارة إلى نهاية العالم، حيث كان يقتل 5 آلاف شخص يوميا في روما وحدها.

طاعون جستنيان: 541-542 ميلادي: دمر الطاعون الدبلي الإمبراطورية البيزنطية. وحصد  25,000,000   وهو ما يصل إلى 10% من سكان العالم.

الموت الأسود: 1346-1353: سافر “الموت الأسود” من آسيا إلى أوروبا، تاركا الدمار في أعقابه. وتشير بعض التقديرات إلى أنه قضى على أكثر من 100,000,000 وهذا يعني نصف سكان أوروبا.

– الأوبئة الأمريكية: القرن السادس عشر الطاعون الأمريكي هو مجموعة من الأمراض التي جلبها الأوروبيون إلى الأميركتين وساهمت هذه الأمراض، بما في ذلك الجدري، في انهيار حضارتي الإنكا والأزتيك. وتشير بعض التقديرات إلى أن 90% من السكان الأصليين في نصف الكرة الغربي قتلوا.

– وباء الحمى الصفراء في فيلادلفيا: 1793 وانتقل المرض بواسطة البعوض. ولم يتوقف الوباء في نهاية المطاف حتى حلول فصل الشتاء، حيث مات البعوض. وبحلول ذلك الوقت، كان أكثر من 5000 شخص قد ماتوا.

-وباء إنفلونزا 1918: واستمر بين عامي 1920-1918لينتشر في جميع أنحاء العالم ليقتل أكثر من 75,000,000نسمة.

-جائحة الإيدز: 1981 أودى الإيدز في بدايته بحياة ما يقدر بـ 35 مليون شخص.

جائحة إنفلونزا الخنازير: 2009-2010: في عام واحد، أصاب الفيروس ما يصل إلى 1.4 مليار شخص في جميع أنحاء العالم وقتل ما بين 151700 و575400 شخص، وفقا لمركز السيطرة على الأمراض.

معدل القتلى في حوادث المرور

وبلغت الإحصائية عالميا في عام  2016 فقط أكثر من 1,350,000 نسمة.

الحروب الأمريكية / وتشمل:

-إبادة الهنود الحمر والتي تشير الدراسات والمصادر إلى قتل وإبادة ما بين 10 إلى 40 مليون نسمة في حين تؤكد بعض المصادر أن الرقم يصل إلى 100مليون نسمة.

-القصف الجوي على المدن مما خلف حوالي 2.5 مليون قتيل مدني قُتلوا تحت القصف الجوي الأمريكي والبريطاني

-الاغتصاب فالقوات الأمريكية اغتصبت النساء بعد معركة أوكيناوا باليابان سنة 1945. وهناك 1336 حالة اغتصاب تم التبليغ عنها في العشرة أيام الأولى لاحتلال ولاية كاناجاوا بعد استسلام اليابانيين.

-الحرب الفيتنامية بلغت أعداد جرائم الحرب الموثقة لدى البنتاجون 360 حادثة. وكانت فيتنام في سنة 1995 تؤكد أن عدد القتلى في الحرب بلغ 5 مليون، 4 ملايين منهم مدنيين عُزّل. في حين كان وزير الدفاع حينها ماكنامارا قال في لقاء متلفز لاحقا أن عدد القتلى 3 مليون و400 ألف.

قصف يوغوسلافيا أدانت منظمة العفو الدولية القصف الجوي الذي قامت به قوات الناتو بدعم أمريكي سنة 1999 حيث خلف القصف على الأقل 5000 مدني قتيل.

فترة «الحرب على ما يسمى الإرهاب»

“هل تعلم أننا لا نحسب الجثث”، هكذا قال فرانكس ذات يوم وللعلم فإنّ الحكومة الأمريكية لا تأخذ في الحسبان الخسائرَ المدنيّة التي تسبّبت فيها.

أمريكا لها تاريخ طويل من الحروب، ولكن موجة الحروب الأمريكية منذ 11 سبتمبر 2001، يبدو أنها غير مسبوقة وتستحق لفظ الحروب الأبدية، فهي قد شنَّت بالفعل حرباً على عدوٍّ يقول عنه وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، دونالد رامسفيلد، أنه “لم يكن في أفغانستان فقط”، بل في “50 أو 60 دولة، وبتكلفة تربو عن 6.4 تريليون دولار حيث ظهرت العديد من جرائم الحرب بحق الملايين من المدنيين على يد القوات الأمريكية في العراق وباكستان وأفغانستان واليمن والصومال وسوريا، في صور قصف جوي ضد مدنيين عُزل أو اغتصاب النساء والرجال أو قتل أسرى حرب أو تعذيبهم وانتهاك آدميتهم أو إبادة جماعية أو استخدام أسلحة محرمة دوليا. ولا تزال الحصيلة مستمرة وفي ازدياد ومن ذلك ما يلي:-

أفغانستان عام 2011، قام الصحفي “غاريث بورتر” بأبحاث حول الغارات الليلية 2009 إلى 2011 للقوات الأمريكية في أفغانستان، فقام بتوثيق زيادة تدريجية في عدد الغارات الشهرية قدّرها بــ 50 مرّة، من 20 غارة شهرياً في مايو2009، إلى أكثر من 1000 غارة شهرياً في أبريل2011. وبناء على بعض التقديرات فإنّ المجموع الفعلي للقتلى يصل إلى 1.4 مليون.

باكستان قدّر كروفورد وبرنامج تكاليف الحرب عدد القتلى الباكستانيين بنحو 61300 بحلول آب (أغسطس) 2016، استناداً في المقام الأول إلى تقارير من معهد باك لدراسات السلام (PIPS) في إسلام أباد.

سوريا ونتج عن حملة القصف “الخفية والمعلنة ” التي قادتها الولايات المتحدة أن دَمّرت الرقة والموصل، ومدناً سورية أخرى كثيرة، بأكثر من 100.000 قنبلة وصاروخ منذ عام 2014.

ليبيا قدّر مصدر محلي ليبي في أغسطس 2011، أنّ 50000 ليبي قد قتلوا، وفي 8 أيلول (سبتمبر) 2011؛ أصدر وزير الصحة ناجي بركات، بياناً أفاد بأنّ (30000 شخص) قد لقوا حتفهم، وفقد 4000 آخرون، مؤكداً أن الرقم النهائي حوالي 250000 ليبي قتلوا في الحرب والعنف والفوضى التي أطلقتها أمريكا وحلفاؤها في ليبيا، في فبراير 2011،

بعد 20 عاماً من الحرب وأكثر من 8 ملايين قتيل، وتهجير ما يُقدَّر بنحو 37 مليون، و6 دول مدمَّرة يجب إدراك حجم التكلفة البشرية والمادية للحروب الأمريكية

 

دلالات الشهادة في سبيل الله

إذا كان لكل سلوك أو تصرف يصدر من الإنسان دلالاته ونتائجه وانعكاساته في حياة الإنسان ومصيره بحكم قوله تعالى{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ  وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}[الزلزلة8:7]؛ وإذا كانت تلك الدلالات والنتائج والانعكاسات تختلف من عمل لآخر ومن مكان لمكان ومن مرحلة لمرحلة وشخص لشخص ومن موقف لموقف وقضية لقضية بناء على الأهمية والضرورة والمصلحة فإن الشهادة في سبيل الله سبحانه وتعالى لهي من أجل الأعمال وأعظمها وأسماها عند الله وأشدها ضرورة لصلاح الإنسان وصلاح واقعه وضمانة أكيدة لأمنه واستقراره وسببا رئيسيا لتحقق الغاية الأسمى من خلقه واستخلافه في الأرض وعمارتها {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}[البقرة251]

وكثير هو ما تحمله الشهادة في سبيل الله من دلالات عظيمة وسامية سواء في واقع الشهيد نفسه أو في الجوانب الأخرى للحياة نذكر بعضا منها فيما يلي:

أولاً/ الدلالات في الجانب الإيماني والقيمي

تدل الشهادة في سبيل الله على مدى الرقي الإيماني العظيم الذي وصل إليه الشهيد حينما دفعه هذا الإيمان العميق بالله للتضحية بنفسه في سبيل الله.

تدل على ما يكتنزه الشهيد من معرفة قوية بالله سبحانه وتعالى وارتباط وثيق به وتسليم مطلق له وثقة عالية بمصداقية وعده ووعيده.

الشهادة في سبيل الله تجسيد واقعي لحقيقة إيمانهم العملي وليس إيمان مجرد لقلقة ألسن: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}[الأنفال74].

الشهادة دليل على مصداقية تحملهم للمسؤولية الدينية بعيدا عن المحسوبيات الأخرى {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}[الأحزاب23].

تدل على مصداقية الوفاء والإخلاص المتجذرة في أعماق هؤلاء الشهداء الأبرار تجاه دينهم وأمتهم.

تدل على ما تميزوا به من عظيم الأخلاق وحميد الصفات وحسن الفضائل كما كانوا مثالا للطهر والزكاء في حياتهم.

تدل على أن السبب فيما الأمة عليه من ذل وهوان هو من الانتماء الشكلي لهذا الدين وإلا فإن دين الله غير قابل للهزيمة مطلقا.

ثانياً/ الدلالات في الجانب النفسي والمعنوي

الشهادة في سبيل الله دليل واضح على المعنويات العالية والصبر العظيم الذي تميز به هؤلاء الشهداء العظماء {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران146].

تدل على زكاء نفسياتهم وما يملكونه من نظرة حكيمة تجاه الأحداث وتجاه واقعهم.

كما تدل على شدة خوفهم من الله سبحانه وتعالى.

تدل على قوة ارتباطهم بالله سبحانه وتعالى فهم يحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة54].

تدل على ما تميز به الشهيد سلام الله عليه من إباء وعزة وكرامة وحرية وقيم ومبادئ عظيمة جعلته يرفض الذل والضيم ويأبى الخنوع والخضوع لغير الله سبحانه وتعالى.

تدل على الضمائر الحية والنفوس الكريمة والقلوب الرحيمة والكرم الفياض الذي تميز به الشهداء الأبرار فهم من يعز عليهم أن تظلم أمتهم وتهتك أعراضها وتنهب ثرواتها وهم ساكتون يتفرجون دون أن يكون لهم موقف يبيض الوجه عند الله وعند المستضعفين من أبناء أمتهم وشعوبهم.

تدل على عظمة القيم التي حملوها فهم إنما انطلقوا بقيم عظيمة وعزة إنْسَـانية عالية.

تدل على المشاعر والأحاسيس الإنْسَـانية التي يحملونها والتي جعلتهم يتألمون حينما رأوا مشاهد الظلم والطغيان، والظالمون يرتكبون أبشع الجرائم فلم يقفوا مكتوفي الأيدي ولم يتفرَّجوا على الواقع من حولهم بل انطلقوا مجاهدين في سبيل الله وقدموا أرواحهم رخيصة من أجل الله والمستضعفين من عباده.

تدل على روح العطاء والإيثار والتضحية والصُّمُـوْد والشجاعة والثبات، كُلّ هذه المعاني والقيم اختزنها الشُّـهَدَاءُ وتَـحَـرّكوا وهم يحملونها وعبّروا عنها من خلال مواقفهم وثباتهم وصمودهم وفي النهاية شهادتهم عبّروا بذلك كله عن هذه القيم وجسّدوها في أرض الواقع موقفاً وعملاً وتضحيةً وعطاءً لا يساويه عطاء في واقع الإنسـان.

تدل على ما يمتلكه الشهيد من روحية جهادية ونخوة وحميّة وشهامة وعزة نفس وحرص شديد على كرامة أسرته ومجتمعه وأمته.

تدل على صفاء وجدانهم وزكاء نفسياتهم ونقاء واقعهم من المعاصي والذنوب والمظالم التي تحول دون توفيق الله وعونه ورعايته للإنسان.

ثالثاً/ الدلالات في الجانب العسكري

الشهادة هي تعبير عن قوة الإرادة وصدق الانطلاقة عند الشهيد.

الشهادة  دليل على الثبات والصمود العالي والإصرار على المضي قدما في المسار الجهادي مهما كانت النتائج

الشهادة تدل على أن التضحية هي أقدس قضية وأرقى أسلوب لتحقيق الأمن وصون الأعراض وحفظ الممتلكات والدفاع عن المستضعفين من عباد الله (اٌطلب الموت توهب لك الحياة).

الشِّهَـادة دليل واضح على الاستعداد العالي للتضحية من قبل الشهيد نفسه ومن يقفون موقفة ويتبنون قضيته.

الشهادة دليل على أن ذلك المجتمع لايزال يتشبّثُ بإنْسَـانيته وحريته وكرامته التي أرادها اللهُ له، وأنه مجتمع يعيش الإيْمَـان بالله وبالحق وبالعدل ويمقت الظلم والظالمين ويرفض الفساد والمفسدين.

تدل على أن أي مجتمع يعيش هذا المستوى العالي من الاستعداد للتضحية سيتمكن بتوفيق الله تعالى من كسر جبروت الطُّـغَـاة والظالمين والمفسدين، ويكون فعلاً جديرا بأن يعيشَ حراً وأن تتحققَ له الحُـرِّيَّة وألا يستعبدَه أحد من دون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

تدل على أن الأمة لن تتأهل للثبات في مواجهة التحديات والأخطار ما لم تتشبع بثقافة الجهاد والاستشهاد

تدل على أن الأمة لن تستطيع إصلاح واقعها ومواجهة أعدائها إلا بالجهاد والتضحية في سبيل الله.

الشهادة دليل على مقدار الشجاعة والرجولة الكاملة التي يمتلكها الشهيد الذي خاض غمار الموت دون تهيب أو تردد حتى أكرمه الله بالشهادة.

رابعا/ الدلالات في الجانب الاجتماعي

تدل على وحدة الصف وعمق الأخوة الإيمانية كما جسدها الشهداء ومنهم الشهيد طومر سلام الله عليه.

الشهادة دليل على أن هذا المجتمع المضحي في سبيل الله قد منحه الله صلابة في الحق وثباتا وتحملا عاليا للمسؤولية في مواجهة التحديات، فحظي بمعونة الله وتوفيقه ونصره.

تدل على أن المجتمع الذي يحمل روح التضحية والعطاء لا تستطيع أحد أبداً أن يستبعده ويقهره ويذله ويتغلب عليه.

ثقافة الجهاد والاستشهاد تعد من أهم مقومات الوحدة بين الشعوب الإسلامية بما تمثله من قاسم مشترك يلتقي حوله الجميع.

خامسا/ الدلالات في الجانب السياسي

تدل على رقي الوعي السياسي تجاه القضايا والأحداث والمستجدات عند شهدائنا الأبرار أنفسهم وعند من يتبنى قضيتهم من زملائهم المجاهدين ومجتمعاتهم وأمتهم.

تدل على بعد النظرة المستقبلية وعمق الإدراك للواقع عند الشهداء سلام الله عليهم.

تدل على الفطنة العالية والحكمة الفذة والبصيرة النافذة التي امتلكها هؤلاء الشهداء العظماء.

الشهادة تعبر عن مظلومية الشعب اليمني وشدة إجرام المعتدين بحقه أرضا وإنسانا.

الشهادة تدل على مدى الإجْــرَام والسوء والطغيان والإفلاس الأخـلاقي والإنساني لدى قوى الشر والإجرام التي تصل في وحشيتها إلى هذا المستوى من العدوانية واستباحة حياة بني الإنسان الذي أراد الله له أن يعيش كريماً عزيزاً.

تدل بوضوح على حقيقة وحتمية سنة الاستبدال فمن يجمد ويسكت إنما يضر نفسه {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت6]

تدل على معرفة الشهيد سلام الله عليه بحقيقة ما تعيشه أمته في واقعها من ظلم واضطهاد وإيمانه بحتمية تغيير ذلك الواقع.

تدل على حرص هؤلاء الشهداء على إقامة القسط والعدل في واقع شعوبهم وأمتهم والعالم بأسره.

تدل على مدى استشعار هؤلاء العظماء وتحملهم لمسؤوليتهم تجاه دينهم وأسرهم ومجتمعاتهم ووطنهم وأمتهم والبشرية ككل.

دليل على تبني الشهيد لقضايا أمته ومعاداته وموالاته الصحيحة وقناعته بأنه لن يكبح جماح الظالمين والمستبدين سوى المواقف القوية.

{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ}

قد يعجبك ايضا