المقاومةُ العربية ورهانُ التحدي

 

العربُ مهتمُّون بتصحيحِ الأوضاع الراهنة التي تعيشها أوطانهم وشعوبهم، ومدركون لما يصيبها من مخاطر وتهديدات، ولكن هذا الاهتمام مرتبط بالأجندة الأمريكية الصهيونية، وخَاصَّةً بعد أن ساءت الأوضاع في فلسطين المحتلّة، نتيجة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وقيام أمريكا باحتلال دولة عربية هي العراق، لقد أكسب الموقع الجغرافي للأُمَّـة العربية أهميّة عالمية، وتمتعهم بتاريخ عميق.

إن التحدياتِ العسكريةَ هي أخطرُها جميعاً؛ لأَنَّها تهدّد كيان واستقلال الدول العربية تهديداً مباشراً ويكون أثرها ملموساً، ولعل أشدها خطراً هي التي يمثلها العدوّ الصهيوني وترسانته النووية وأطماعه في المنطقة العربية. وهناك تحديات ذات طابع أمني وعسكري نابع من تنامي القدرات العسكرية الإسرائيلية، والتي خلفت حالة من عدم التوازن الاستراتيجي وأثرت على سلام وأمن المنطقة؛ بهَدفِ إبقاء الدول العربية وعلى رأسها السعودية في الموقع المعرض دائماً للخطر لكي تبقى بعيدةً عن أية محاولات للتنمية الاقتصادية أَو تقدم صناعي؛ ولكي تبقى السوقَ الأكثرَ استهلاكاً للأسلحة الغربية ومنتجاتها، ولعل الحرب والعدوان على اليمن كشفت الكثير من الحقائق والمؤامرات على الأُمَّــة العربية، مما يجعل الدول العربية في وضع دفاعي يتسم بالسلبية في ظل تنامي قدرات السعودية وإسرائيل العسكرية، وفي ظل إنهاء تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك التي لم تجد الدول العربية بديلاً عنها سوى التطبيع مع إسرائيل وتوحيد المجهود الحربي باتّجاه اليمن وإيران، ومحاولات حظر الأسلحة عن بعض الدول العربية دون أن يشمل ذلك إسرائيل، ويعتبر التعاون الدفاعي العربي محاولة لتحقيقه هي أَسَاس لأي نجاح مستقبلي في الدفاع عن الوطن العربي من الخطر اليمني والإيراني حسب الادِّعاء الأمريكي والإسرائيلي، حَيثُ لا يوجد بديل للوقوف ضد إيران حتى الآن إلَّا بالحرب على اليمن مباشرةً حسب النظرية الأمريكية الإسرائيلية السعودية.

إن العلاقاتِ مع الكيان الصهيوني تشهد التهديدَ والحروبَ والاعتداءات المتكرّرة، ومن ناحية التحديات العسكرية والتي تبدو إسرائيل وتركيا، هي الدول التي تتسم علاقاتها مع الدول العربية بتلك التحديات والتي وصلت إلى مراحل الحرب والعدوان على اليمن وسورية، أن إسرائيل وتركيا مدخلها على الأمن القومي العربي كبير ومؤثر، فلا بد من توضيح مخاطر التهديد الصهيوني والتركي، والتي لا خلاف على وضوح أهدافها الرامية إلى التوسع واحتلال الأراضي العربية.

إن التوسع الإسرائيلي يرتبط مع احتلال الأراضي العربية بعدم وضوح الهدف النهائي، فضلاً عن عدم الإعلان عن حدود سياسية لهذا الكيان، يأخذ التوسع الإسرائيلي في الأرضي العربية صورة التوسع الإقليمي على أراضي الأقطار العربية المجاورة كسورية ومصر ولبنان والأردن أَو بصورة المستوطنات على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، إن وجود إسرائيل في قلب الأُمَّــة العربية يمنع العرب من الاتصال الجغرافي بين شطري الوطن العربي الآسيوي والإفريقي، إن إسرائيل تهدّد العالم العربي بأسلحتها النووية ونظرية الأمن الإسرائيلي والحدود الآمنة التي تعتبر مرتكزا استراتيجيا لإسرائيل، وقد وضع قادة إسرائيل نظرية الأمن الإسرائيلي وأدخلوا عليها الكثير من التطورات وهو مبدأ “القوة” لتأمين “جوهر البقاء”، حَيثُ صاغت إسرائيل نظريتها الأمنية منطلقة من إدراكها لوضعها “الجيو – سياسي”، وبأَنها مطوقة بدول معادية من كُـلّ جانب، لذا فَـإنَّ إسرائيل تشعر دائماً باحتمال زوالها وتدميرها، ومن هذا المنطلق يجب عليها المحافظة على “القوة” في أعلى درجاتها، لذلك عملت على تقوية وضعها العسكري، والاهتمام بالجيش والتسليح والتدريب قبل أي اهتمام آخر.

إن إسرائيل تواجه تهديداً يمس وجودَها، بما يعنيه ذلك من هزيمة واحدة تلحق بإسرائيل ستكون كافية للقضاء عليها، في حين أن الأمر ليس كذلك بالنسبة للعرب ولذلك يجب على إسرائيل دائماً أن تحتفظ بالقدرة على تلافي الهزيمة، خَاصَّةً وأن القدرةَ العسكريةَ اليمنيةَ اليومَ قد وصلت إلى مراحل كبيرةٍ من التقدم والتطور وتهديد أمن وبقاء إسرائيل؛ وكون إسرائيل غيرَ قادرة على حسم صراعها مع العرب بالوسائل العسكرية؛ لذلك فَـإنَّها تعتمد على جيشها للحفاظ على وجودها وليس لإزالة أعدائها.

إسرائيل ليس بإمْكَانها الاعتماد على قوة خارجية للحفاظ على كيانها ووجودها، وعليها بناء قدراتها الذاتية وتعميق علاقاتها مع الدول العربية والتطبيع بشكل ظاهر وعلني ومباشر أمام الشعوب العربية والإسلامية، وإن سبب خوف إسرائيل الدائم هو أن المقاومة العربية والإسلامية قادرة على القضاء على وجودها بهزيمة واحدة وفي الضربة الأولى، وفي سبيل حفاظها على أمنها لا بد أن تراعي أن نظرية الأمن الإسرائيلية نظرية جامدة طابعها عدم الشعور بالأمن، وأن هامش الأمن المتاح لها ضعيف، وشعور مخطّطي الأمن الإسرائيلي بأَنهم مضطرون لاستغلال النظام الحاكم في السعودية والإمارات، وأن إسرائيل لا تستطيع تقديم تنازلات في التعامل مع العرب خشية تفسير ذلك بأَنه ضعفٌ أَو عجزٌ عن الحسم، ومن ثم تشجيعهم على انتهاك مصالحها.

إن إسرائيل في حاجة دائمة لمعاقبة العرب في كُـلّ مواجهة عسكرية، حَيثُ لا سبيل آخر لدعم قوتها الرادعة لهم، ومن ثم الوصول تطبيع حقيقي معها وإلى نزع فكرتهم في تدميرها، وهذا تهديد للأمن العربي يفوق كُـلّ تهديد من عدوٍّ لا يردعه رادعٌ ويلقي كُـلّ الدعم من القوى العالمية وبالتحديد أمريكا وبريطانيا، وقناعة الدول العربية أنه لا يوجد أي احتمال للانتصار على إسرائيل؛ ولذلك سوف تحاول البحث عن تسوية تكون إسرائيل الطرف الأقوى فيها، وتعتمد إسرائيل على الدعم العسكري الذي تقدمه لها أمريكا؛ لكي تحقّق التفوق المطلوب على الدول العربية كاملة، ويتمحور الفكر العسكري الصهيوني حول الدعم الأمريكي، القائم على أن يكون لإسرائيل دائماً قوة عسكرية تفوق ما لدى الدول العربية بأكملها، من خلال اعتبار العرب جبهة واحدة أمامها، ويعني ذلك ضرورة مساواة كمية الأسلحة التي يجب أن تمتلكها إسرائيل بكميات الأسلحة التي تملكها جموع الجيوش العربية، واعتبار القدرات النووية الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط، جزءاً من القدرات النووية العربية؛ ولذلك كان الدعم الأمريكي لإسرائيل يجعل موازين القوى تميل لمصلحة إسرائيل ضد العرب.

إن إيرانَ من دول الجوار الهامة والتي تربطها بالعالم العربي روابط تاريخية وثقافية ودينية وهي إحدى أهم دول الشرق الأوسط ومنفذ العالم العربي إلى آسيا وتجمع بين إيران وجيرانها العرب اعتبارات استراتيجية وسياسية واقتصادية وتاريخية ودينية وهي اعتبارات لا يمكن الاستهانة بها وأصبحت قوة مؤثرة في الشرق الأوسط فيكون لها دور رئيسي في إرساء أية بنية هيكلية أمنية أَو عسكرية في المنطقة.

وتتسم أوضاع العرب بالسلبية، حَيثُ تم تجميد معاهدة الدفاع المشترك بدون وجود بديل لها وحظر الأسلحة على بعض الدول العربية، فالوجود العسكري الأمريكي هو الوجود المادي لقوات مسلحة أجنبية في أرض عربية في الوقت الراهن، وتوازن القوى في المنطقة لا بُـدَّ أن يتغير، وهذا الوجود لن يستمر ولا بد له في يوم ما من الرحيل، وعندئذ لا مناصَ من توفير عامل عربي، يضبط توازن القوى في المنطقة. وهنا نتطلع للتعاون العسكري للمقاومة العربية الإسلامية، والتعاون العسكري العربي، إذَا ما تكاملت بُنيته وتوافرت قدراته، فهو البديل الوحيد لكل وجود عسكري أجنبي، والذي دائماً يسوغ وجوده في الأرض العربية بأية ذريعة، أَو أي ادِّعاء، دون النظر إلى مصدر ذلك ومدى شرعيته. ومهما كثرت التحديات.

وتعتبر التحديات العسكرية التي تواجه الأُمَّــة العربية هي الأخطر بين كُـلّ التحديات وخَاصَّة تلك التي يمثلها العدوّ الصهيوني المزود بأسلحة الدمار الشامل، وليس أمام العرب سبيل سوى مواجهتها بالعمل العسكري العربي الموحد أَو توحيد المجهود العسكري للمقاومة العربية والإسلامية في حال أن الأنظمة العربية ترفض ذلك.

إن تنظيم الطاقات العربية لتكون قوة ضاربة تحمي حقوق العرب وتصون كرامتهم هو الإنجاز الكبير للوحدة العسكرية العربية وإنشاء حلف عربي إسلامي، هو الخيار الأقوى والأفضل، أن فكرة التعاون العسكري بين العرب والدول الإسلامية تبدو في أذهان كثير من المثقفين العرب نوعاً من الخيال الذي لا يستند إلى واقع يسمح به، ولعل قيام إيران بتهديد وتحذير وتوعد أمريكا من ضربة عسكرية جراء قدومها على اغتيال قاسم سليماني والمهندس كان أكبر مؤشر ودليل على القدرة الإيرانية لترعب أمريكا للرد على جريمتها، ورضوخ أمريكا للرد الإيراني، ولكن ضرورة العمل العسكري العربي الإيراني وارد ومطروح، ونابع من حقيقة أن الإقليم العربي قد تعرض للغزو من مصادر تهديد خارجية لمرات عديد وأن الأقطار العربية غير قادرة على مواجهة التهديدات المباشرة لها منفردة وأن تحالفها العسكري مع إيران ستكون له أبعاده العسكرية والاستراتيجية، ولذلك لا بد من حشد الجهود لمواجهة التهديدات العسكرية المستقبلية من الكيان الصهيوني والأمريكي.

إن هناك ضرورةً للعمل العسكري العربي الإيراني الموحد الآن، إذ أنه ليست لدى أي بلد عربي القدرة على مواجهة أية التهديدات المباشرة منفرداً، عدا اليمن والتي فرضت عليه هذه الحرب الكونية، وحقّق من المواجهة والتصدي لدول تحالف العدوان ما لم تحقّقه الدول العربية مجتمعة في مواجهتها مع الكيان الصهيوني في حروبها السابقة في القرن العشرين، فلا بد أن تكون كُـلّ البلدان العربية قادرة على اكتساب القوة في مواجهة هذه التهديدات وعلى راسها الخطر الإسرائيلي والأمريكي، ومن الطبيعي أن يتجه في ذلك إلى اكتساب هذه القوة من خلال البلدان التي تتعرض للتهديدات نفسه، إما مباشرة أَو بشكل غير مباشر من خلال إنشاء وتكوين المقاومة، وسوف تكون إسرائيل مهدّدة بأفدح الأخطار إذَا قدر للمقاومة العربية والإسلامية أن تكون واقعا ملموسا، ولا شك أن إسرائيل هي أكبر تهديد لأمن واستقرار الأُمَّــة العربية بترسانتها النووية وقدراتها العسكرية وأن الحرب على اليمن يضع الأُمَّــة العربية في منزلة القوة المتفوقة في منطقة الشرق الأوسط كلها إذَا اتحدت، ويضع العالم العربي في مركز قوة في مواجهة دول الجوار الجغرافي.

إن تعاون المقاومة العربية والإسلامية لكي تكونَ قوةً ضاربةً تحمي حقوق العرب والمسلمين وتصون كرامتهم يتطلب توحيد القيادة على أسس صحيحة قادرة على أداء واجبها، وأن تعامل الأُمَّــة العربية مع المجتمع الدولي لن يكون مؤثراً إلا إذَا اقترنت الإدارة بالقوة، وقد تعلمنا من التاريخ أن الحق لا يستقيم إلَّا بالقوة، وأكبر دليل على ذلك صمود الجمهورية اليمنية أمام أشدِّ وأبشعِ عدوانٍ عرفته المنطقة ضد الشعب اليمني أرضاً وإنساناً، بل والوصول إلى مرحلة الندية والتحدي والتفوق على الثروة السعودية والقدرة الأمريكية.

إن العدوّ الصهيوني باستراتيجيته القائمة على التوسع في الأرض العربية، وعمل الكيان الصهيوني على بناء قدرة عسكرية تفوق القدرات العسكرية العربية مجتمعةً، وإلى جانب ذلك تعمل إسرائيل على زرع الفتن ومنع الوحدة العربية وأي نوع من العمل العربي المشترك؛ لأَنَّها تعلم أن في ذلك نهايتها وزوالها.

ولكن ما حقّقته إسرائيل مِن لَمِّ شمل البيت الصهيوني واليهودي من خلال حلفائها العرب في المنطقة وتعميق علاقاتها بدول التطبيع العربي مع إسرائيل لن يحقّقَ للكيان الصهيوني أيَّ تطور أَو تقدم في المنطقة العربية والإسلامية، بل إن الظروف الآن أكثرُ أهميّةً لنشاط المقاومة العربية والإسلامية في دول التطبيع مع كيان العدوّ الصهيوني. وستكون محاورُ المقاومة أكثرَ حساسية وأهميّة.. فقد وصلت إسرائيل بكل ثقافتها ومشروعها وأهدافها إلى قلب الأُمَّــة العربية والإسلامية وكان حقاً على المقاومة أن تستنهضَ كُـلَّ إمْكَانياتها وقدراتها المادية والبشرية للرد العسكري على المشروع الصهيوني في المنطقة وليس هناك حَـلٌّ سوى الأحرار من كُـلّ الأقطار العربية مجتمعة وإعلان المقاومة العربية والإسلامية ضد الكيان الصهيوني الإجرامي والأنظمة العربية التي استرخصت الدماء العربية والتي روت القضية الفلسطينية على مدى سبعين عاماً.. فقد حان ردُّ الاعتبار للدم العربي الذي استباحة آل سعود وحكام العرب وأعلنوا تطبيعهم وولاءهم للكيان الصهيوني..

 

صحيفة المسيرة:

العميد الركن/ عابد محمد الثور

مساعد مدير دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة، والباحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية

 

قد يعجبك ايضا