المقاومة الشعبية في الضفة الغربية والحساب المفتوح

الحقيقة| الوقت التحليلي

تشهد الضفّة الغربية في الآونة الأخيرة مختلف ألوان المقاومة، المقاومة الشعبية، وكما سياسات الاحتلال، لا تقتصر على الشقّ الصلب، أي العلميات الفدائية عبر السكاكين أو الدهس أو السلاح، بل تتعداها إلى المقاومة الناعمة التي أماطت اللثام عن جيل شاب أكثر شجاعة وجرأة ووعياً من الأجيال السابقة.

في بحث أجراه البروفيسور في علم الاجتماع محمود ميعاري على سكان الضفة الغربية وقطاع غزة البالغين، حول وسائل مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وتم نشره في مجلة المستقبل العربي تبيّن أن أكثر وسيلتَي مقاومة تأييداً هما حركة مقاطعة الإسرائيلي (اقتصادياً وأكاديمياً وثقافياً) وتوحّد الفصائل الفلسطينية وتبنّيها الكفاح المسلح، فقد حظيت كل من هاتين الوسيلتين بتأييد 60% من أفراد العينة، المكونة من 1200 شخص، كما أن أغلبية بسيطة (52%-54%) من أفراد العينة ذكروا أنهم يؤيدون عمليات فدائية ضد المستوطنات في الضفة الغربية، ويؤيدون عمليات فدائية ضد أهداف عسكرية داخل إسرائيل، أما وسيلتَا المقاومة الأقل تأييداً فهما التفاوض مع إسرائيل لإيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي (43%)، وعمليات فدائية ضد أهداف مدنية (مثل مراكز تجارية ومحطات باصات) داخل إسرائيل (35%)..

اليوم، القضية الفلسطينية بشكل عام، والضفة الغربية والقدس العزيز على مفترق تاريخي.

الشعب الفلسطيني، وتحديداً أهل الضفّة الكرام، أدركوا حساسية الزمان والمكان، وبالتالي سلكوا طريق المقاومة الشعبية الفردية في ظل العراقيل التي توضع أمام المقاومة المنظمة وتشكيل فصائل المقاومة.

اليوم، كل شاب فلسطيني هو لواء مقاوم، وكل شابة فلسطينية هي فرقة مقاومة، فهذا الجهاد الذي يكون كفائياً في لبنان وغزة، بات اليوم عينياً في الضفّة المحتلّة.

المقاومة الصلبة

رغم افتقارها للقيادة الموحّدة، تشكّل المقاومة الشعبية في الضفّة الغربية هاجساً كبيراً للكيان الصهيوني.

هذه المقاومة التي انطلقت منذ العام 1967، شهدت في الآونة الأخيرة طفرات عدّة بدأت بانتفاضة السكاكين، لتمرّ عبر عمليات الدهس، وتصل إلى الثوار الفرديين الذين يهاجمون قوات الجيش الإسرائيلي تارة بالسلاح، وأخرى بالسكاكين أو الحجارة.

ورغم أن الإعلام يركّز اليوم على المستجدات الساخنة على الحدود مع غزّة، لكن الحرب الشرسة التي يقودها الجيش الإسرائيلي ضد المقاومة في الضفة الغربية لا تقلّ ضراوة عمّا نسمعه في غزّة، لا بل يمكننا القول إن الحرب في الضفّة اليوم أشدّ شراسة.

وأما السبب في ذلك فيعود إلى ارتفاع منسوب العمليات الفردية، ناهيك عن الغليان الذي تشهده هذه المنطقة المقاومة التي لا تزال عصيّة على الاحتلال تعيش على صفيح ساخن، ما يستنفر الجيش والمخابرات الإسرائيليين.

الكيان الإسرائيلي وإلى جانب عملياته العسكرية والأمنية يعتمد التنسيق الأمني مع قوات السلطة لمنع أي عملية مسلّحة سواءً كانت منظمة أو فردية. فالجنرلات الإسرائيليون لديهم خشية دائمة من تنفيذ المزيد من العمليات، وقد ارتفع منسوب هذه الخشية بعد صفقة القرن، ولعل إعلان ترامب عن هذه الصفقة بشكل رسمي سيشعل انتفاضة جديدة قد نعلم من أين تبدأ، ولكن لا نعلم حدود نهايتها.

هناك أبعاد عديدة لهذه العمليات، فإضافةً إلى كونها تشكل العقبة الكبرى أمام صفقة القرن، وتجعل حياة المستوطنين جحيماً، فإنها تشكل حرب استنزاف طويلة الأمد للجيش الإسرائيلي، ولا سيّما الفرق التابعة لمختلف الألوية من المظليين وغولاني وجفعاتي، التي تعيش حالة تأهب دائمة سواءً لخشيتها من تنفيذ عمليات اعتقال من قبل الفلسطينيين، أم لتنفيذ عمليات اعتقال جديدة للفلسطينيين في مدن الضفّة الغربية.

 

المقاومة الناعمة

عوداً على بدء، لا تقتصر المقاومة على شقّها الصلب في الضفة، بل يمارس شعب الضفّة مختلف أشكال المقاومة الناعمة، سواءً من عمليات التثقيف الفردية والعفوية، أم حركات المقاطعة حيث تعدّ اليوم حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (اختصاراً لحركة مقاطعة إسرائيل BDS)) من أقوى وسائل الضغط على الكيان المحتل.

لا يمكن الفصل بين مساري المقاومة، بل هناك نوع من التآزر حيث تشكّل المقاومة الناعمة الأرضية الخصبة لدى الجيل الجديد للانخراط في مختلف ميادين المقاومة.

اليوم، نحتاج إلى الإعلامي المقاوم، نحتاج إلى أمثال عهد التميمي، نحتاج إلى الأطفال الفلسطينيين الذين ينقلون صورة الظلم في غزة والضفّة إلى الغرب باللغة الأجنبية، وبطبيعة الحال نحتاج إلى الفدائيين الذين نجحوا في كسر شوكة الكيان الإسرائيلي المحتلّ.

باختصار إن واقع الضفّة اليوم يدفع لتنفيذ العمليات الفدائية خصوصاً الفردية ويقلل من دور السلطة الفلسطينية، ولعلّ سياسة الاحتلال هي التي جعلته في مواجهة مفتوحة مع الشعب الفلسطيني ككل، كون الكيان المحتل لم يترك خياراً بديلاً للشعب الفلسطيني سوى الصمود والمقاومة.

اليوم إن السياسيات العدوانية الإسرائيلية سواءً التوغل الاستيطاني أو غيره، وإن كان يشكّل تهديداً للهوية الفلسطينية إلا أنه في الوقت عينه يسمح بتعزيز المقاومة بشكل أكبر في الضفة، وبالتالي تكبيد الاحتلال خسائر فادحة كونه يساعد على جعل المستوطنين والجيش الإسرائيلي أهدافا ثابتة ومتحركة للمقاومة الفرديّة والمنظّمة.

يبدو أن مشوار المقاومة الفلسطينية الفردية في الضفّة الغربية في بداياته، ولا نستبعد أن يحلّ ربيعه مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن صفقة القرن، حينها لا بدّ للضباط الشرفاء في السلطة الفلسطينية في الضفة، وهم كثر، أن يقفوا إلى جانب أبناء وطنهم ويوجّهوا البندقية نحو صدور المحتلّين.

قد يعجبك ايضا