النماذج اليزيدية المعاصرة وأهمية الموقف الحسيني

النماذج اليزيدية المعاصرة وأهمية الموقف الحسيني

إعداد: صادق البهكلي

مقدمة:

لقد كانت فاجعة كربلاء من الدلائل المبكرة ومن أكثر المآسي التي كشفت الواقع الذي وصلت إليه الأمة ومدى التزامها بتوجيهات نبيها وكتابها، فقد كشفت هذه الحادثة بحيثياتها وملابساتها ومجرياتها وأطرافها مدى ما وصلت إليه الأمة من انحراف رهيب عن المنهج الذي رسمه لها رسولها وكتابها، بل تركت الحادثة أثراً عميقاً في واقع الامة، فحينما نستنطق واقع اليوم بكل ما فيه من مآس وظلم وجور وقهر واستعباد وتبعية وإذلال نجد كربلاء حاضرة في ملابساتها وشخوصها ونجد ذلك الانحراف المبكر الذي أدى لأن يحكم الأمة ويقودها أمثال يزيد بن معاوية المشهور بالفسوق والتكبر حاضراً أيضاً، فتلك الأمة التي كان يقودها محمد بن عبد الله (صلوات الله عليه وعلى آله) اصبحت تنقاد بكل سهولة ليزيد ومن بعده بنو أمية فحولوا واقعها من الطهر إلى الفسوق ومن العزة والكرامة إلى الدنس والرخص لتنحط الأمة وتصل إلى الواقع الذي نعايشه اليوم بكل ما فيه من شتات وفرقة ونزاعات وظلم وجور وقهر، وطغيان وإجرام.. ويحكمها أشخاص لا يقلون فساداً وإجراماً عن يزيد بن معاوية لعنه الله.

………………………

حينما ترتمي الأمة في أحضان الطغاة:

الأمة حينما ترتمي في أحضان الطغاة، وتخضع للمستكبرين وتستسلم للمجرمين، وتسلم أمرها وشأنها وكل ما يتعلق بها لمجرمين فسقة طغاة ظالمين، هي لا تكسب، هي لا تستفيد، هي تخسر، تخسر دنياها، وتخسر دينها، تخسر عزتها، تضحي بكل خير، بكل فلاح، تضحي بالعزة، تتحول إلى أمة مستذلة، مستعبدة مقهورة مهانة، يتحكم الطغاة فيها وفي رقاب أهلها، تستبدل بالعز الذل، وتستبدل بالكرامة الهوان، وتستبدل بالسعادة الشقاء والخسران، هذا في دنياها. أما في آخرتها يوم يُدعى كل أناس بإمامهم، فيوم القيامة يُدعى يزيد وأمثال يزيد في كل العصور الإسلامية حتى في عصرنا هذا يُدعى كل أناس بإمامهم، بكبيرهم، بزعيمهم، برئيسهم، بملِكِهم، بأميرهم، وعندما يكون إلى النار سوف يذهبون معه حتماً إلى النار والعياذ بالله.

النماذج اليزيدية المعاصرة

  • الحكام المتسلطون

في هذا العصر نجد نماذج يزيدية في كثيرٍ من الحكام في منطقتنا العربية وعالمنا الإسلامي، هذا النوع من الجائرين المتسلطين، العاملين في عباد الله بالإثم والعدوان وبكل بساطة، وليس عندهم أي تقيّد ولا احترام لحرم الله، يستبيحون سفك الدماء، حتى الأطفال والنساء يقتلونهم بغير حساب، وبدون أي اكتراثٍ ولا مبالاة.

يتسلطون على الأمة من أجل تعزيز نفوذهم وسلطتهم، ويتحكمون في رقاب الأمة وفق رغباتهم، كل حساباتهم وكل اعتباراتهم تعتمد على أهوائهم، في ما يرون فيه: إما تعزيزاً لسلطتهم وهيمنتهم، وإما حفاظاً على كراسي سلطتهم، ليس عندهم أي اعتبارات ولا اكتراث لا لمبادئ، ولا لقيم، ولا لأخلاق، ولا لشرع، ولا لحرام، ولا لحلال، ولا لأي شيءٍ من هذا، هذا النوع من الجائرين يجب على الأمة مواجهتهم كمسؤوليةٍ دينية، وليس مجرد مطالب عادية يمكن أن تتبناها جماهير الأمة كحالة سياسية اعتيادية، قابلة للأخذ والرد، والتنازل، والتكاسل عن الإصرار على الوصول لتحقيقها. |لا|، بل هي مبدأٌ إسلاميٌ، وفريضةٌ دينية أهميتها لهذه الدرجة: أن من لا يتحمل هذه المسؤولية، ولا يتحرك ضمن هذه المسؤولية، فإن موقفه عند الله كما قال رسول الله وعبّر عنه في هذا النص، محسوبٌ لصالح أولئك الجائرين، محسوبٌ لصالح أولئك المستكبرين، وبالتالي مصيره مصيرهم، ولهذا قال: (فلم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قولٍ كان حقاً على الله أن يدخله مدخله).

  • الوهابية التكفيرية امتداد للنهج الأموي

الوهابية التكفيرية هي في سلوكها امتداداً للفكر والفعل الأموي الإجرامي وقد سعت إلى تقطيع أوصال الإسلام والفصل ما بين منهجه ورموزه ومقدساته فجعلت التعظيم لرموز الإسلام وفي المقدمة رسول الله صلوات الله عليه وسلامه عليه وعلى آله ثم من بعده أهل بيته عليهم السلام جعلت من هذه المسألة شركاً وكفراً وخروجاً عن الملة وجعلت منها مسألة كافية لاستباحة الدماء وقتل المسلمين واستباحة الحرمات حتى عبارة ولفظ تعليم مفردة تعظيم جعلتها ممنوعة في حق رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وعملت في غفلة عن الأمة على تدمير كل معالم الإسلام خاصة تلك التي له علاقة برموز الإسلام العظماء من أهل بيت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) فتم طمس حتى قبورهم ..

كما تحولت الحركة الوهابية التكفيرية إلى أداة إجرامية بيد أعداء الأمة فرأينا المجازر الوحشية التي يندى لها جبين الإنسانية ومن تلك المجازر الكبرى كما حدث في اليمن في الجمعة الدامية التي استهدفت جامعي الحشحوش والمؤيد وما سبقها وتلاها وكذلك المجازر الوحشية في العراق ومن أشهرها مجزرة سبايكر التي ذبحوا فيها أكثر من ثلاثة ألف طالب عراقي، أما في سوريا فقد اقترفوا ابشع الجرائم التي لا تخطر على بال الإنسان..

  • النظامان السعودي والإماراتي امتداد للطغيان اليزيدي

نحن اليوم نواجه نفس الطغيان اليزيدي بنفس وحشيته واستكباره وإجرامه وأهدافه في الاستعداء للناس وممارسة الإذلال والظلم وتدمير الحياة متمثلاً بأمريكا الشيطان الأكبر وَالكيان الإسرائيلي الغاصب منبع الشر وَالفساد وراعي الإجرام الممتد إلى شتى أقطار العالم، والمستهدف بالدرجة الأولى شعوب أمتنا الإسْــلَامية في المنطقة العربية وغيرها، مستفيداً من أياديه الإجرامية القذرة التي اخترق بها الأُمَّة من الداخل من قوى الخيانة والعمالة والارتهان التي خانت الإسْــلَام وخانت الأُمَّة وجعلت من نفسها بكل ما تملك جنوداً مجندة في خدمة أعْـدَاء الإسْــلَام وَالمسلمين وضد أبناء الأُمَّة وعلى رأسها النظام السعودي المجرم ـ وكذلك النظام الإماراتي لا يألون جُهداً في خدمة أمريكا وَإسرائيل وما يقوم به النظام السعودي تحت قيادة أمريكا وبإدارتها وتوجيهها ورعايتها ولخدمتها من عدوان غاشم وأثيم إنما يخوض به ومن معه من العملاء والمرتزقة معركة أمريكا وإسرائيل على يمن الإيمان والحكمة ونفس الأُسْلُوب والممارسات الأمريكية والإسرائيلية المتجردة من كُلّ الأخلاق والقيم من قتل جماعي للأطفال وَالنساء ومن تدمير لكل مقومات الحياة، لا يرعى حُرمة من الحرمات، يقتل الأطفال الرضع والشيوخ الركع والأنعام الرتع والنساء وَالرجال، يحاصر شعباً بأكمله، يتجاوز وينتهك تعاليم الإسْــلَام ويستهتر بها والمواثيق والقوانين الدولية، لا يختلف في وحشيته وإجرامه وعدوانيته عما تفعله إسرائيل وأمريكا ولا كأنه ينتمي للإسْــلَام، ويسعى بكل ما يستطيع ومَن معه من المرتزقة الذين اشتراهم بالمال وأرخصوا أنفسهم، بعض القوى من الخارج وَالبعض من الداخل، يسعى إلى احتلال البلد ليجعلَ منه ساحةً محتلة لأمريكا وَإسرائيل وَليجعل من الشعب اليمني الحر الأبي العزيز شعباً مستعبَداً لا استقلال له ولا إرَادَة له ولا قرار له ولا حرية له، ذليلاً مقهوراً مستسلماً خانعاً.

أهمية الموقف الحسيني وحاجتنا له في هذه المرحلة

الإمام الحسين «عليه السلام» عندما تحرك ونهض ورفض الخنوع والعبودية، وفضل التضحية على السكوت والجمود والقبول بيزيد وأشباه يزيد هو أكد لنا وحدد لنا ووثق لنا بالفعل وبالقول مسألةً من أهم المسائل التي تُعنى بها الأمة في كل أجيالها وفي كل مراحل تاريخها، وتشكل هي حمايةً للأمة. اليوم الذي يحمينا كشعوب مستهدفة من تلك القوى: (من أمريكا، ومن إسرائيل)، ويحمينا- كذلك- ممن هم امتداد لأمريكا وإسرائيل، يعملون ضمن مؤامرات أمريكا وإسرائيل، ويلعبون دوراً تخريبياً في داخل الأمة لصالح أمريكا وإسرائيل، الذي يحمينا كشعوب مستهدفة من كل قوى الطغيان تلك هو: ذلك الموقف الحسيني الإسلامي المبدئي الأخلاقي، بقدر ما تتجذر وتترسخ فينا هذه المبادئ، وهذه القيم، وهذه الروحية، وهذه الأخلاق؛ بقدر ما نكون أباةً، ونتحرك بمسؤوليةٍ عالية، وبكل جدية، ونتوكل على الله؛ فنحظى بنصره، ونحظى بعونه؛ لأنه لا يريد لنا أن نُظلَم، ولا يريد لنا أن نُستَعبَد من دونه، ولا يريد لنا الهوان، دينه دين عزة، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: من الآية8]، ودين كرامة، ودينٌ أراد لنا الله فيه أن ننعم بالعدل وأن نسعد بالحق، ولكن أولئك أرادوا أن يجعلوا من هذا الإسلام شكلاً لا عدل فيه، لا قيم فيه، لا أخلاق فيه؛ فيه ركعةٌ في الصلاة في الحرم لله، وفيه ركوعٌ في كل شؤون الحياة للبيت الأبيض، هذه الحالة التي يمقتها الإسلام، ولا يقبل بها الإسلام.

 

نحن في هذه المرحلة بالذات في كل ما تواجهه الأمة من فتن، في كل ما يواجهه شعبنا اليمني من محنّ، بحاجةٍ إلى هذا المبدأ العظيم؛ باعتباره مبدأً إسلامياً، وباعتبار الخيار الذي اتخذه شعبنا العزيز في التصدي للعدوان الأمريكي والإسرائيلي، والذي اتخذه الأحرار في منطقتنا العربية والإسلامية في التصدي لقوى الطاغوت، بدأً من موقف المقاومة في لبنان وفلسطين ضد إسرائيل، وما اتخذه الأحرار والشرفاء في التصدي للخطر الأمريكي والهيمنة الأمريكية والاحتلال الأمريكي في العراق وفي سائر البلدان، ثم التصدي للمدّ التكفيري الذي هو امتدادٌ للصهيونية، وامتدادٌ لمؤامرات أمريكا وإسرائيل، إنما هو خيارٌ مسؤول بكل ما تعنيه الكلمة، خيارٌ مبدئي، خيارٌ محقٌ، وخيارٌ واعٍ؛ لأن البديل عنه أن نكون ضحية للطغاة والمستكبرين، وأن نكون مسؤولين حين إرخاص أنفسنا، وحين استسلامنا لقوى الطاغوت المستكبرة لتعبث بنا، هذا من الدروس المهمة، وهي كثيرة جدًّا، ولكنه من أهم الدروس التي يجب أن نستفيد منها، وأن نرسخها، وهو يمثل- أيضاً- صلةً لنا بالإمام الحسين «عليه السلام» علم الهدى، الولي العظيم، من أولياء الله «سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى»، الذي نرتبط به في ديننا الإسلامي من موقعه في القدوة، ومن موقعه في الهداية.

من الحسين نقتبس العزيمة والثبات والحرية والإباء

إننا ونحن طلابٌ في مدرسة الإسلام الكبرى، والتي الإمام الحسين فيها من أعاظم أساتذتها، منه سمعنا واقتبسنا العزيمة والثبات والحرية والعزة والإباء والكرامة مع كل الشرفاء والأحرار في شعبنا وأمتنا، سنتحرك باستمرار وبكل ثبات، بكل إيمان، بتوكلٍ على الله سبحانه وتعالى، لمواجهة كل أشكال الظلم والطغيان اليزيدي والفرعوني المتمثل بأمريكا وإسرائيل، والمتمثل بجلاوزتها وعملائها وخدّامها السيئين الذين ينفذون مؤامراتها داخل البلد.

إن مأساة كربلاء مأساة، لكنها صنعت انتصاراً، وأسست وبنت بنيان العز والمجد، وأعطت للحق دفعاً وللإسلام استمراراً، والأمل كبير، والنصر قريب، وعلينا أن نتحلى دائماً بالمسئولية، وأن نستعين بالله وأن نواصل المشوار في درب الإسلام، في نهج الحق حتى نُحقق لشعبنا ولأمتنا ما ترنوا إليه، وما تحن إليه، وما تهدف للوصول إليه من العدل والخير والحق في مواجهة كل الظالمين والجائرين والفاسدين والطغاة والمستكبرين.

قد يعجبك ايضا