اليمن يتوعّد واشنطن بدفع ثمن حماقتها في البحر الأحمر

يبدو أن الحرب في هذه المنطقة الحيوية من العالم ذاهبة باتجاه الاتساع جغرافياً ولناحية بنك الأهداف، لتشمل القطع الأميركية الحربية والتجارية بعد إقدام الأخيرة على ارتكاب حماقتها الاستراتيجية الأخيرة في البحر ضد منتسبي القوات البحرية اليمنية.

بوتيرة مستمرة تواصل القوات البحرية اليمنية عملياتها النوعية ضد السفن الإسرائيلية والمتجهة إلى “إسرائيل”، وآخرها سفينة تحمل اسم “CMI CGM Tage” كما أعلنت القوات المسلحة اليمنية، إضافة إلى ما نشرته الفايننشال تايمز البريطانية عن تفجير زورق مسيّر بالقرب من القطع العسكرية الأميركية والبريطانية في البحر الأحمر” ووصفتها بـ “حادثة هي الأولى من نوعها من حيث استخدام المراكب البحرية المسيّرة”.

تكمن قيمة هذه الإنجازات وهذه العمليات أنها تأتي في ذروة استنفار التحالف البحري المسمّى بـ “حارس الازدهار” بزعامة أميركا وبريطانيا، وتأتي ترجمة لتهديد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي من أن “الاعتداء الإجرامي لن يبقى من دون ردّ وعقاب”، في إشارة إلى اعتداء البحرية الأميركية على ثلاثة قوارب تابعة للبحرية اليمنية، وما تسبّبت به من استشهاد وفقدان 10 من منتسبي القوات البحرية اليمنية.

ويبدو أن الحرب في هذه المنطقة الحيوية من العالم ذاهبة باتجاه الاتساع جغرافياً ولناحية بنك الأهداف، لتشمل القطع الأميركية الحربية والتجارية بعد إقدام الأخيرة على ارتكاب حماقتها الاستراتيجية الأخيرة في البحر ضد منتسبي القوات البحرية اليمنية، خصوصاً إذا ما ربطنا الأمر بالتهديدات المتصاعدة على المستويين العسكري والسياسي في صنعاء.

إذ أكد وزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر العاطفي، وقائد المنطقة العسكرية الخامسة اللواء يوسف المداني أنّ “الردّ على الاعتداء الأميركي بحقّ منتسبي القوات البحرية سيكون قاسياً ومتمكّناً من مكامن الوجع والألم، وبأساليب قتالية فوق احتمالاتهم وحساباتهم العسكرية”، وأعقبها يوم الجمعة تأكيد واضح من رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام من أنّ شعبنا اليمني “لا يقبل من أحد أن يتعاطى معه بلغة التهديد، وأن على أميركا وحلفائها أن يقلعوا عن عقلية الاستكبار، وأن يدركوا أن محاولة الإخضاع بالقوة لن تجدي نفعاً”.

صنعاء قوة في المعادلات الدولية 

التهديدات اليمنية على المستوى الرسميّ، حظيت بدعم شعبي سياسي واسع ترجمته المسيرات المليونية يوم الجمعة في العاصمة والمحافظات، وبما يؤكد بأن خيارات صنعاء لا تعبّر عن جماعة، بقدر ما تعبّر عن حالة الإجماع الوطني بل وحتى القومي في وجه الغطرسة الأميركية الإسرائيلية الغربية في غزة، وهذا يعني بالمعنى الاستراتيجي أن صنعاء بما تفرضه من معادلات، أصبحت من دون منازع قوة إقليمية تفرض معادلات دولية من بوابة باب المندب، بهدف فك الحصار عن غزة.

 إنّ استمرار العمليات اليمنية في البحر، وفي ذروة استنفار تحالف “حرّاس إسرائيل” تؤكد بشكل عملياتي ملموس أن أي تحالف دولي في البحر الأحمر لا يمكن أن يُخضع اليمنيين من ناحية، ولا أن يوفّر الحماية للسفن الإسرائيلية، كما أن أميركا بحماقتها الاستراتيجية أدخلت نفسها ومصالحها في دائرة التهديد، وبالتالي لن تكون بمنأى عن نيران اليمن، وبات تدرك ذلك لكن بعد فوات الأوان.

وهذا ما عكسه تصريح المبعوث الأميركي إلى اليمن تيموثي ليندر كينغ الذي أعلن بأنّه سيتوجّه إلى الشرق الأوسط “لبحث خفض التصعيد في البحر الأحمر”، على أن خفض التصعيد ليس بعسكرة البحر أميركياً ولن يتمّ في ظل استمرار الحصار والعدوان على غزة، كما أنه ليس من الممكن خفض التصعيد بعد إراقة الدم اليمني في البحر قبل الردّ.

ما الأهداف الأميركية في البحر؟

هذا ليس تحليلاً، ولا تهديداً أجوف، فالسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حسم الموقف سابقاً، ووضع السقوف، وكان واضحاً جداً في خطاب 22 كانون الأول/ديسمبر نهاية العام المنصرم، حينما حذر بشكل مباشر واشنطن من التورّط في حرب مع الشعب اليمني، وقال بعبارة شديدة الوضوح: “إذا استهدف الأميركي بلدنا لن نقف مكتوفي الأيدي وسنستهدفه هو، وسنجعل البوارج والمصالح والملاحة الأميركية هدفاً لصواريخنا وطائراتنا المسيّرة وعملياتنا العسكرية”، وقال أيضاً إن أي ضربة أميركية تعتبر إعلان حرب لن تتوقّف باستدعاء وساطة من هنا أو هناك.

وانطلاقاً من هذه المعادلة العسكرية والسياسية والاستراتيجية التي أعلنتها القيادة اليمنية ممثّلة بشخص سماحة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وربطاً بالحماقة الأميركية الأخيرة في البحر الأحمر، يمكن تأكيد أنّ قائمة واسعة، وبنك أهداف واسعاً سيكون في مرمى الصواريخ والمسيّرات اليمنية، وفقاً لما تراه القيادة مناسباً زمانياً ومكانياً، وفي مقدّمة بنك الأهداف ما يلي:

– البوارج الأميركية والبريطانية.

– الملاحة البحرية الأميركية والبريطانية.

– المصالح الأميركية والبريطانية في المنطقة بما فيها منابع وإمدادات الطاقة.

هذه الدائرة الواسعة من الأهداف ليس بالضرورة أن تتم دفعة واحدة، فاليمن صاحب نفس طويل وصبر استراتيجي كما عرف عنه خلال تسع سنوات، وعرف عنه الأميركي والبريطاني باعتبارهما من قادا تحالف العدوان عليه طيلة السنوات الماضية.

لقد أخطأت واشنطن التقدير، إن ظنت أو توهّمت بأن العملية العدائية ستمرّ بالسهولة التي تتوقّعها، بل إنها بهذه العملية فتحت عليها أبواب جهنم من جنوب الجزيرة العربية، حيث كل القواعد والبوارج والمصالح الأميركية ومن يصطف معها تحت رحمة النيران اليمنية، بما فيها دول الخليج إن سمحت للأميركي باستخدام قواعده فيها لأي عمل عدائي ضد اليمن، ونحن هنا لا نتحدّث بشعارات، وقد خبروا اليمن خلال السنوات الماضية وجرّبوه.

من يتحمّل مسؤولية عسكرة البحر الأحمر؟

من يتحمّل تبعات ومآلات هذه الحماقة الاستراتيجية هي الولايات المتحدة الأميركية التي قدّمت نفسها ومعها بريطانيا وبعض الدول الأوروبية كحرّاس للسفن الإسرائيلية، وكأكبر تهديد للملاحة الدولية، وصنعاء سبق أن حذرت من هذا المسار، وقالت على لسان السيد القائد بأن “أميركا هي من تهدّد الملاحة البحرية وليس اليمن”، وبعثت رسائل طمأنة عبر الخطابات المتلفزة، وعبر الرسائل الدبلوماسية والسياسية من خلال الوفد الوطني المفاوض ومن خلال وزارة الخارجية اليمنية في صنعاء.

وهذا يشكّل طوق نجاة لمن يريد السلامة لسفنه وتجارته عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب، حتى لا يقع في حبائل ومكائد أميركا و”إسرائيل” اللتين ظهرتا منذ اليوم الأول حريصتين على تدويل الأزمة في هذه المنطقة الحيوية والاستراتيجية، وذهبتا لعسكرته وتهديد مصالح العالم فيه.

إن موقف اليمن في البحر العربي وخليج عدن والبحر الأحمر لمنع تحرّك السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بها هو موقف فاعل ومؤثّر، وإذا أراد الأميركي أن يبعث رسائل بالنار لإخضاع الشعب اليمني الذي يخرج أسبوعياً بالملايين لنصرة غزة، فهو واهم إلى أن ينقطع النفس، وعليه أن يعلم أن شعبنا قرّر منذ أن دخل في هذه المعركة أنه لن يركع ولن يخضع للتهديدات الأميركية، ولن يبقى متفرّجاً على جرائم الإبادة في غزة، أما وقد ناله من النيران الأميركية ما ناله فإن ذلك سيزيده إصراراً وحماساً على مواجهة الأميركي والبريطاني ومن يأتون معهم إلى منطقتنا وبحارنا ويساندون العدو الصهيوني في جرائمه ثم يستنكرون تحرّك الآخرين في الموقف الإنساني.

ما هو الحلّ لتلافي جحيم البحر الأحمر؟

الأفق اليوم مفتوح على كلّ الخيارات والسيناريوهات ونحن نلج عاماً جديداً أمام مسار قابل للتدحرج والتوسّع، وبيد أميركا وشركائها أن يتلافوا الجحيم القادم بسرعة وقف العدوان والحصار على غزة، باعتباره الضامن الوحيد لوقف العمليات البحرية اليمنية، ولكن بعد أن تثأر اليمن لشهدائها، إذ هذا سيبقى حقاً يمنياً خالصاً حتى ولو توقّف العدوان والحصار على غزة.

وأنا أعتقد جازماً، بأنّ الأميركي والبريطاني إن قرّرا الانخراط المباشر في معركة البحر الأحمر وباب المندب، سيجدان نفسيهما أمام حرب بحرية واسعة تمتد من البحر الأحمر، وخليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي مروراً بالخليج ومضيق هرمز، وصولاً إلى المتوسط، وسيكون الأميركي والبريطاني والإسرائيلي أكثر الخاسرين في هذه المعركة الفاصلة والحاسمة، والله وحده من يعلم العواقب ويرسمها.

 

الميادين نت

علي ظافر

كاتب يمني
قد يعجبك ايضا