لندن | تتسبّب اضطرابات طرق التجارة الحيوية بين الشرق والغرب، على خلفية دخول اليمن الحرب ضدّ دولة الاحتلال، في موازاة الجفاف الذي يخنق «قناة بنما»، في إثارة قلق القائمين على سلاسل توريد التجارة الدولية من تأثُّر الإمدادات ابتداءً من موسم الأعياد في الشهر الحالي. وفي هذا الإطار، حذّرت شركات الشحن الكبرى من أنّ تصعيد الهجمات اليمنية على الملاحة في مضيق باب المندب، والذي يترافق مع تراجع قدرة «بنما» على تمرير السفن، سيكون كارثيّاً. ووفقاً لمصادر مختصّة بالنقل التجاري، فإن أكثر من نصف حاويات الشحن التي تتنقّل بين آسيا وأوروبا/ أميركا الشمالية، تمرّ عبر قناتَي «بنما» في أميركا الوسطى، و«السويس» المصرية. كما تقطع باب المندب، يوميّاً، ناقلات تحمل أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفط الخليجي، متّجهة نحو الغرب. وأوردت صحف غربية إفادات مستوردين وتجار في أوروبا والولايات المتحدة، بأنهم يواجهون بالفعل صعوبات في تأمين إمدادات كافية لتغطية الطلب في موسم الأعياد، وسط توقّعات بأن تتفاقم الأمور مع بداية العام الجديد. ونقلت صحيفة «فايننشال تايمز» عن رئيس «معهد التصدير والتجارة الدولية» البريطاني، ماركو فورجيوني، قوله إن «الإلكترونيات الاستهلاكية، مثل هواتف آيفون، قد لا تكون متاحة بسهولة أثناء موسم الأعياد»، متحدّثاً عن صعوبات يواجهها مستوردون بريطانيون بسبب الأوضاع المستجدّة، حتى في الحصول على زينة عيد الميلاد في الوقت المناسب.

وكانت عمليات حركة «أنصار الله» ضد السفن التي تمتلكها جهات إسرائيلية أو لها صلات برجال أعمال إسرائيليين، أو حتى التي تمرّ عبر البحر الأحمر في طريقها إلى الكيان العبري، تسببت في ارتفاع أسعار التأمين على حاويات الشحن المتّجهة إلى «قناة السويس» بشكل ملموس، فيما توازي الضغوط العسكرية اليمنية مع تراجع قدرة «قناة بنما» التي تربط بين المحيطَين الهادئ والأطلسي على تمرير السفن، سيجعل توافر الحاويات – وليس مجرّد أسعارها – مسألة حرجة في الأسابيع القليلة المقبلة. وتجدر الإشارة إلى أن شهر تشرين الأول الماضي، كان الأكثر جفافاً في منطقة حوض «بنما» منذ 100 عام. وبحسب علماء الطقس، فإن ذلك «نتج جزئيّاً من ظاهرة النينيو، والارتفاع القياسي في درجات الحرارة. وقد اضطرّت هيئة القناة لقصر عدد السفن التي سيُسمح لها بالمرور يومياً على أقلّ من 20». ووفقاً للمصادر المختصة بالنقل التجاري، فإنّ «167 سفينة شحن فقط تمكّنت من عبور القناة في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، مقارنةً بـ238 في المدة نفسها من العام الماضي». وقالت هيئة «قناة بنما»، من جهتها، إنّ السفن التي ليست لديها حجوزات مسبقة، تضطرّ للانتظار لمدة تصل إلى حوالى أسبوعين لعبور القناة التي يبلغ طولها 80 كيلومتراً. وللتعامل مع حالات التأخير تلك، فإنّ البديل الوحيد قد يكون تحويل طرق الملاحة من «بنما» إلى «السويس»، والذي يعني بالضرورة عبور مضيق باب المندب.

أكثر من نصف حاويات الشحن التي تتنقّل بين آسيا وأوروبا/ أميركا الشمالية، تمرّ عبر قناتَي «بنما» في أميركا الوسطى، و«السويس» المصرية

ورغم أن رئيس «مجلس الأمن القومي» الإسرائيلي، تساحي هنغبي، قال، في مقابلة تلفزيونية (السبت)، إنه «ما لم يتعامل المجتمع الدولي مع التهديد الذي يشكّله اليمنيون»، فإنّ «إسرائيل ستجد نفسها مضطرّة للتحرك»، إلّا أنّ الأميركيين تجنّبوا، إلى الآن، الدخول في مواجهة عسكرية صريحة مع اليمن، على خلفيّة هذه الهجمات. وبحسب مطّلعين على المداولات الجارية في هذا الشأن في أروقة الإدارة الأميركية، فإنّ الولايات المتحدة تناقش مع حلفائها في «الناتو» فكرة إنشاء قوة عسكرية مشتركة تتولّى مهمات تأمين الملاحة في البحر الأحمر. كما عُلم أنّ الولايات المتّحدة تسعى إلى خنق صنعاء عبر مطاردة جهات تتولّى نقل أموال لحكومتها من إيران. وفي السياق، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، أخيراً، فرضَ عقوبات على 13 فرداً ومؤسسة قالت إنهم يشكّلون جزءاً من شبكة تتولّى تحويل الأموال إلى الحكومة اليمنية، وتسهّل مبيعات السلع الإيرانية إلى التجّار اليمنيين. لكن تقديرات إستراتيجية تقول إن هذه الإجراءات قد لا تكون كافية لردع اليمنيين، علماً أنّ هؤلاء يمتلكون صواريخ كروز مضادة للسفن استخدموها بكفاءة في هجمات ضدّ سفن إماراتية وسعودية وأميركية وتركيّة، كما ابتدعوا نظاماً لاستخدام القوارب الصغيرة المحمّلة بالمتفجرات التي يتمّ التحكم فيها من بُعد، ونجحوا في استخدامه لإعطاب فرقاطة سعودية (2017)، وهاجموا ناقلات عدّة ترفع العلم السعودي.
وفي حين سعى كثيرون إلى التقليل من قيمة التدخل العسكري اليمني في الدفاع عن الفلسطينيين، تدلّ جميع المؤشرات المتقدّمة على فاعلية إستراتيجية الضغط على أعصاب حكومة الكيان في تل أبيب، وراعيتها الأميركية، وتدفع نحو وضع الأطراف المشاركين في الإبادة الجماعية الجارية في غزة، في مربّع تسديد أثمان جرائمهم ضدّ البشرية.