اليمن يوسّع استراتيجية الردع: نحو تحييد سلاح الجو المعادي..

صحيفة  المسيرة

“لم نكُنْ نتحدَّثُ عن الدفاع الجوي في كافة فعالياتنا الإعلامية حتى نصلَ إلى مرحلة تسبق فيها الأفعال الأقوال”.. هكذا افتتح ناطق القوات المسلحة، العميد يحيى سريع، مؤتمره الصحفي عصرَ أمس السبت، قبل الكشف عن منظومتي “فاطر1″ و”ثاقب1” من صواريخ “أرض – جو” (وثلاث منظومات إضافية لم يكشف عنهما بعد) هي أول إنتاجات التصنيع الحربي اليمني في واحد من أكثر المجالات العسكرية تعقيدا بالنسبة للظروف المادية التي يعيشها اليمن، وهو مجال الدفاع الجوي، الذي شهد مؤامرة مبكرة عمد إليها العدوان في الأشهر الأولى منه لضمان “الأمان” الجوي لمقاتلاته، غير أنه لم ينعم بذلك “الأمان” طويلاً، إذ أظهرت المعلومات التي كشفتها القوات المسلحة، أمس، أن العملَ على تعزيز قدرات الدفاع الجوي قد حقّق نجاحات بارزة منذ العام الأول للعدوان، واستمر بالتطور إلى هذه المرحلة التي يأتي الإعلان عنها رسمياً عقب الكثير من البراهين العملية على النجاح والدقة، كان من آخرها عملية إسقاط طائرة “إم كيو9” الأمريكية المتطورة في محافظة ذمار الأسبوع الفائت.

 

 منظومةُ “فاطر1”

المنظومة الأولى التي أزاحت القواتُ المسلحة الستارَ عنها، أمس، كانت منظومة “فاطر1” وبحسب العميد يحيى سريع فَإنَّ المنظومة دخلت المعركةَ بشكل ثابت منذ عام 2017، ونفذت أول عملية لها في 27 أكتوبر من ذلك العام، حيث تصدت لإحدى مقاتلات العدو، كما حقّقت أول عملية إصابة لهدف معادي في الثامن من يناير عام 2018، وتم نشرها في محافظة الحديدة في 25 يناير من العام ذاته.

رصيدُ هذه المنظومة يشمل التصدي للعديد من مقاتلات العدوان “إف 16، وإف 15، وميراج، وتايفون” وأكّــد ناطق القوات المسلحة أن عملياتِ التصدي هذه موثّقة بالصوت والصورة.

وأوضح سريع أن الطائراتِ المعاديةَ التي تستهدفها منظومة “فاطر1” تلجأ إلى “قذف البوالين الحرارية قبل مغادرة منطقة العمليات” مُشيراً إلى أن هذا المنظومة أصبحت تعمل في مناطق العمليات العسكرية الشمالية منذ مطلع العام الجاري.

وأكّــد سريع أن منظومة “فاطر1” نجحت مطلع العام الجاري “في إجبار تحالف العدوان على عدم اقتراب طيرانه الحربي من العاصمة صنعاء واستمر ذلك لعدة أشهر، كما نجحت في إفشال العديد من العمليات الجوية المعادية إضافَة إلى عمليات إنزال في محافظة حجة”.

وضمن العمليات النوعية في رصيد هذه العملية “إسقاط طائرة أمريكية من نوع “إم كيو9″ المسيّرة، في محافظة الحديدة” و”إسقاط طائرة من نفس النوع قبل أيّام في محافظة ذمار”، ما يعني أن المنظومةَ قد أثبتت عملياً تفوقَها على هذا النوع المتطور من الطائرات أكثر من مرة.

المعلوماتُ التي كشفها ناطق القوات المسلحة ترافقت أيضاً مع مشاهدَ مصورةٍ عرضت للمرة الأولى، جزءٌ منها وثق معرضا لصواريخ المنظومة، وجزء وثّق عدداً من العمليات الناجحة لها حيث تضمن العرض المصور مشاهد لعملية إسقاط الطائرتين الأمريكيتين المسيرتين من نوع “إم كيو 9” في الساحل الغربي وفي محافظة ذمار، ومشاهد لعمليات تصدي لمقاتلات العدوان، إحداها في أجواء العاصمة صنعاء.

وأظهرت مشاهدُ إسقاط طائرتي الـ “إم كيو 9” بتقنية التصوير الحراري، انطلاق صواريخ المنظومة اليمنية وإصابتها للطائرتين بشكل مباشر، ما أدّى إلى سقوطهما على الفور.

كما أظهر مشهد التصدي لطائرة “إف 16” إماراتية في سماء العاصمة صنعاء، انطلاق أحد صواريخ المنظومة نحو الطائرة التي استشعرَ قبطانُها الصاروخَ وبدأ برفع السُّرعة وإطلاق البالونات الحرارية قبل مغادرته الأجواءَ.

 

“منظومة ثاقب1”

المنظومةُ الثانية، كانت “ثاقب1″، وأكّــد ناطق القوات المسلحة أنها دخلت الخدمة منذ أكتوبر 2017، وأنها نجحت في إسقاط طائرة أمريكية من نوع “إم كيو9” المسيّرة بعد شهر واحد فقط من دخولها الخدمة.

وضمن رصيد العمليات الناجحة لهذه المنظومة، كشف سريع أنها نجحت في السادس من سبتمبر 2018، في “اعتراض مروحيات الأباتشي جنوب مدينة الحديدة”، وهو الأمر الذي أسفر عن توقف الأباتشي عن التحليق في سماء المدينة لعدة أشهر.

وأضاف سريع أن المنظومة تمكّنت أيضاً من اعتراض طائرة “إير تراكتور” فوق مدينة الحديدة في السابع عشر من الشهر ذاته.

وضمن العمليات النوعية الشهيرة والناجحة لهذه المنظومة، إسقاط طائرة “سي إتش 4” الصينية المقاتلة بدون طيار في 23 ديسمبر عام 2018، وإسقاط مقاتلة “وينج لونج” في منطقة بني معاذ بصعدة في إبريل الفائت.

وأكّــد سريع أن منظومة “ثاقب1” نجحت في التصدي للعديد من الطائرات الاستطلاعية والحربية والمروحية للعدو، وأنها “تعمل في عدة مناطقَ يمنية وتسهمُ إلى جانب منظومة (فاطر1) في التصدي للأهداف المعادية”.

وأعلن سريع أن المشاهدَ المصورة لعمليات هذه المنظومة ستُعرَضُ في مؤتمر صحفي قادم.

 

ثلاثُ منظومات أخرى بانتظار الكشف عنها

لم تنتهِ المفاجأة عند هذا الحد، إذ أعلن ناطقُ القوات المسلحة عن امتلاك “3 منظومات دفاع جوي جديدة أخرى سيتم الكشفُ عنها خلال المرحلة القادمة”، مؤكّــداً أن “هذه المنظوماتِ ستعملُ على تعزيز القدرة الدفاعية لقواتنا وبما يسهم في حماية أجواء بلدنا”. إعلانٌ يضاعفُ حجمَ الإنجاز الذي حقّقته قوات اللجان الشعبية، ويكشف مدى التطور الواسع الذي باتت تشهده قدرات اليمن العسكرية في مواجهة العدوان، بعد قرابة خمس سنوات وفي ظل ظروف استثنائية وبالغة الصعوبة والتعقيد.

ويؤكّــد هذا الإعلانُ أيضاً على أن معادلةَ الدفاع الجوي اليمني الرادعة لم تعد في طور التجريب والإنشاء، بل أصبحت معادلةً ثابتةً لها إمكانياتٌ متنوعة ومخزونٌ استراتيجيٌّ من الصواريخ، شأنُها شأنُ معادلة الردع الصاروخي البالستي، ومعادلة سلاح الجو المسيّر.

 

مسيرةُ إنجازات قدرات الدفاع الجوي منذ بدء العدوان

ناطق القوات المسلحة استعرض أيضاً كمية من المعلومات الهامة التي أوضحت الخط الزمني لعمليات تطوير قدرات الدفاع الجوي اليمني، ومسيرتها الناجحة منذ العام الأول من العدوان، في ما مجموعه 116 عملية استهداف وتَصَــدٍّ، منها 72 عملية استهدفت الطائرات الاستطلاعية للعدو، و45 عملية استهدفت طائراتِه الحربية، و49 عملية استهدفت مروحياته.

وأوضح سريع أن أولَ طائرة استطلاعية للعدو تم إسقاطُها بتاريخ 21 يونيو 2015، أي بعد أقلَّ من 3 أشهر من بدء العدوان، وهو ما يوضحُ العملَ المبكرَ والناجحَ على تطوير قدرات الدفاع الجوي.

وأكّــد أن الضربات الباليستية التي استهدفت معسكرات الغزاة، نجحت في تدميرِ عددٍ من الطائرات الاستطلاعية، مثل ضربة توشكا صافر، كما تم أيضاً تدمير طائرات استطلاعية تابعة لشركة بلاك ووتر في منطقة البيرق بمأرب.

وأوضح ناطقُ القوات المسلحة أن قوات الدفاع الجوي تمكّنت منذ بدء العدوانِ من إسقاط ثلاث طائرات حربية معادية “إف 16” إحداها مغربية تم إسقاطُها في مايو 2015 بمحافظة صعدة، ولقي قبطانُها مصرعَه، والأخرى بحرينية تم إسقاطُها في ديسمبر من العام ذاته بجبهة جيزان، والثالثة أردنية تم إسقاطُها في فبراير 2017 بجبهة نجران.

وأضاف أن الدفاعاتِ الجوية تمكّنت أيضاً من إصابة طائرة حربية نوع “تايفون” في سماء نهم في أكتوبر 2017، إلى جانب استهداف وإصابة طائرة “إف 15” في سماء صعدة بتاريخ في ديسمبر 2016.

وفيما يخص العمليات ضد مروحيات الأباتشي المعادية، أوضح ناطق القوات المسلحة أن الدفاعات اليمنية نجحت في إسقاط أول مروحية أباتشي للعدو في منطقة البقع بصعدة في مايو 2015، أي بعد أقل من شهرين من بدء العدوان.

وأكّــد أن حصيلة مروحيات الأباتشي التي أسقطتها الدفاعات اليمنية حتى الآن وصلت إلى 17 مروحية، عدد منها تم إسقاطها في الجبهات الحدودية وما وراء الحدود، فيما تم إصابة العشرات مروحيات الأباتشي الأخرى.

المعلومات السابقة أوضحت أن القوات المسلحة عملت بجهد كبير على تطوير الدفاعات الجوية منذ وقت مبكر من العدوان ونجحت في تجاوز الكثير من الصعوبات وتحقيق نجاحات كانت في عداد “المستحيلات” بالنظر إلى الظروف الصعبة التي فرضها العدوان ومؤامرته المبكرة التي استهدفت مجال الدفاع الجوي وعطّلته بشكل كامل.

 

مطورةٌ محلياً

في حديثه عن منظومة “فاطر1” أوضح سريع أنها “خضعت لعمليات تطوير على أيدي خبرات يمنية”، واصفاً ذلك بـ”التحدي الأكبر” وهو وصفٌ بعيدٌ عن المبالغة، بالنظر إلى أن قدرات الدفاع الجوي كانت قد تلاشت تماماً بفعل مؤامرات العدوان في البداية، إلى جانب الظروف العسكرية والاقتصادية الصعبة التي فرضها العدوان والحصار.

وكما يشكل هذا “التحدي” الذي اجتازته القوات المسلحة، إنجازاً عسكرياً استثنائياً، فَإنَّه يشكّل سقوطاً مدوياً لإمكانيات العدوان المتفوقة وقدراته العسكرية الحديثة التي وجّهها بالكامل في سبيل تدمير المؤسسة العسكرية اليمنية بالكامل.

 

خطةُ الدفاع الجوي وأبعادُها

ناطق القوات المسلحة تطرق إلى جانب من الأبعاد الميدانية لمعادلة الدفاع الجوي الرادعة، حيث أوضح أن من “أولويات الدفاع الجوي نشرُ هذه المنظومات في محيط العاصمة صنعاء والمدن الرئيسية كذمار وإب والحديدة وفي بقية المحافظات، لا سيما تلك التي تتعرض بشكل يومي للاستهداف والعدوان كمحافظتي صعدة وحجة، وفي بقية المحافظات للحد قدر الإمكان من عمليات العدوان التي تستهدف المواطنين”، نقطة تؤكّــد على المنطلق الرئيسي للعمل العسكري اليمني بشكل عام، وهو الدفاع عن الشعب والوطن أولاً.

وأوضح سريع أيضاً أبعادَ هذا الإنجاز على جبهات المواجهة، حيث أكّــد أن “أهم ما حقّقته منظوماتُ الدفاع الجوي هوَ تحييد الأباتشي بنسبة 70% وبالذات في جبهات الحدود”، وأضاف أن الدفاعات الجوية “نجحت في إعاقة تنفيذ العديد من الطلعات الجوية الاستطلاعية والقتالية للعدو في مناطق مختلفة” الأمر الذي يوضح مجدّداً أن معادلة الدفاعات الجوية قد فرضت بالفعل تحولا استراتيجيا كبيراً في مسار المعركة وأنها تجاوزت تماماً مرحلة التجريب.

 

2020.. عامُ الدفاع الجوي

في ختام المؤتمر وجّه ناطقُ القوات المسلحة رسالةً لا تقلُّ أهميّة عن ما كشفه من منظومات صاروخية، إذ أعلن أن “العام القادم سيكون عام الدفاع الجوي، كما كان العام الماضي عاما بالستيا وكان هذا العام عام سلاح الجو المسيّر”.

رسالة تؤكّــد لدول العدوان أن الصمود اليمني لم يتراجع أَو يضعُف بعد قرابة خمس سنوات من العدوان، وأن الخطط العسكرية للجيش واللجان أصبحت أكثرَ احترافيةً إلى حَدِّ وضع معادلات للمراحل القادمة وتجهيز الاستعدادات لكل المتغيرات.

وأكّــد ناطقُ القوات المسلحة أنه ستتم مواصلةُ العمل على “تعزيز القدرة الدفاعية الجوية لقواتنا حتى تتمكّن من التصدي لكافة أنواع الطائرات المعادية خاصة الحربية” وهو إنذارٌ واضح يحمل جانباً من ملامح “عام الدفاع الجوي” من خلال الإشارة إلى إمكانية الوصول إلى القدرة على تحييد سلاح الجو المعادي بشكل كامل.

قد يعجبك ايضا