اليمن يُسقِطُ القرار (2216): تثبيت مرجعية الواقع

الحقيقة/ ضرار الطيب

بالرغم من أنه لم يدعُ إلى وقف العدوان، كما كان يُفترَضُ به، وبالرغم من أنه استجاب للضغوط الأمريكية في التراجع عن محاسَبة المتورطين بجرائم الحرب، إلا أن القرارَ الأخيرَ لمجلس الأمن الدولي بشأن اليمن (2451) جاء يحملُ شيئاً من الإيجابية والواقعية على عكس القرار السابق (2216) الذي كان يعتبر “شطحةً” عكست السقفَ العالي لأحلام قوى العدوان آنذاك، وكأن مجلس الأمن أدرك أخيراً أن تلك الأطماعَ غيرُ قابلة للتحقّق وأنه يجب النظر إلى الواقع، ومع أنها نظرة قاصرة، إلا أنها تشكل بداية اتّجاه “شبه معتدل” بالنسبة للمجلس الذي تسيطر عليه الدول الراعية للعدوان وتتحكم فيه أصلاً، وهذا “الاعتدال” النسبي كان هو جوهر الإيجابية في القرار الجديد.

 

طي صفحة (2216)

 

ركّز قرارُ (2451) بشكل كلي على مشاورات ستوكهولم، وأقر نتائجَ الاتّفاقات التي خرجت بها المشاورات، داعياً طرفي المفاوضات إلى الالتزام بتلك النتائج، وليس خافياً أن اتّفاقات السويد مثّلت تجاوزاً عملياً لقرار (2216)، فالقرارُ لم يعترف بسلطة “صنعاء” الممثلة حالياً بالمجلس السياسيّ الأعلى ودعا إلى تسليم السلاح والانسحاب الكامل، لكن الاتّفاقات الأخيرة مثّلت اعترافاً كاملاً بسلطة صنعاء، وتعاملت معها كسلطة محلية طبيعية، وتجاوزت تماماً مطالب التسليم والانسحاب، وبالتالي فإن القرار الجديد مثل شاهدا على قبر القرار السابق ونعيا واضحاً له.

 

كما أن القرارَ الجديدَ اكتفى بمجرد إشارة إلى قرار (2216) ولم يتضمن أيَّ شيء يطابقُه، وكان ذلك يمثل إقراراً ضمنياً، لكن واضحاً، بتجاوز مرحلة (2216) تماماً، ولو أن القرارين مرتبطان لظَهَرَ ذلك في نص القرار الجديد، لكن ما ظهر لم يكن إلا تطابقاً مع مشاورات السويد التي دَفنت قرار 2216 بوضوح.

 

والواقعُ أن مرحلةَ تجاوز قرار (2216) كانت قد بدأت فعلاً قبل صدور القرار الجديد وقبل مشاورات السويد حتى، وهو ما تؤكّــده تفاصيل جولات مفاوضات السلام بدءاً من الكويت، إذ كان واضحاً غياب قرار (2216) في محاور التفاوض، غير أن تعثر المسار التفاوضي قبل السويد كان يغطي على ذلك.

 

ماذا يعني سقوطُ قرار (2216)؟

 

قرارُ (2216) مثّل غطاءً سياسيّاً دولياً للعدوان على اليمن، وأعطى لتحالف العدوان الحريةَ في فعل كُــلّ ما فعله من جرائمَ وانتهاكات، وأسهم بشكل واضح في عرقلة مسار السلام لمصلحة القوى المعتدية، وبالتالي فإن طي صفحة هذا القرار والعدول عنه إلى نتائج مشاورات السويد، يمثلُ نكسةً للعدوان الذي باتت وحشيته اليوم أكثرَ انكشافاً للعالم.

 

نكسةٌ حاول تحالفُ العدوان إخفاءَها بمجرد صدور القرار الجديد، إذ حرص إعلام العدو وممثلوه على تكريس ارتباط القرار الجديد بسابقه، في محاولة مستميتة لترقيع الشق الذي فتحه القرار الأخير والذي يفتح الباب أمام تحَـرّكات إضافية لفضح انعدام “شرعية” العدوان وسقوط مبرراته، إلى جانب ما يجري الآن أصلاً من تحَـرّكات قد أسهمت في تعرية الكثير من جوانب العدوان وجعلت من الارتباط به محل تهمة عالمية يسعى المتهمون فيها إلى تبرئة أنفسهم بأي شكل، وعلى رأس أولئك المتهمين الولايات المتحدة التي حاولت خلال الفترة الماضية أن تخفي تورطها المباشر في العدوان وكل ما ترتب عليه.

 

وبطي صفحة (2216) تظهر مرجعية فعلية جديدة في المشهد الدولي بخصوص ما يحدث في اليمن، وتلك المرجعية تستندُ إلى الواقع الذي ليس للعدوان فيه أي مكسب، وقد بدأت تلك المرجعية تظهرُ بشكل جلي في اتّفاقات السويد التي مثلت فشلاً ذريعاً لمُخَطّطات العدوان وإحباطاً كبيراً لآماله.

 

ولا يعني ذلك أن المجتمع الدولي بات منحازاً إلى المظلومية اليمنية، فالقرار الجديد لم يكن له موقف من العدوان، كما أنه تراجع عن مسألة محاسبة المتورطين في جرائم الحرب باليمن، استجابة للضغوط الأمريكية، لكن بروز الواقع الميداني كمرجعيةٍ للحلول يمثل بدايةَ انتصار لتلك المظلومية بشكل أَوْ بآخر بغض النظر عن ما لا زال لدى المجتمع الدولي من مُخَطّطاتٍ ومصالحً؛ لأن الواقع يحرج تحالفَ العدوان ويسحب البساط من تحته بشكل واضح.

 

صمودٌ يصنعُ التحولات

 

صحيحٌ أن فشلَ العدوان في اليمن وانكشافَ جرائمه وسياساته التدميرية، هي الأسبابُ البارزة التي أطاحت بقرار (2216) حيث استنزف رعاة العدوان (الذين يتحكمون بمجلس الأمن الدولي) جميعَ المبرّرات للاستمرار في الموقف المتصلب الداعم لتحالف العدوان، وباتوا بحاجة إلى الاعتدال نسبيا ولو بشكل ظاهري، إلا أن السبب الحقيقي وراء فشل العدوان أصلاً يكمن في الصمود الاستثنائي للشعب اليمني في وجه العدوان، وهو ما يرجع إليه الفضل في هذا التحول البارز.

 

حقيقةٌ يجبُ استحضارها بشكل دائم في هذه المرحلة التي بات العدوان فيها يترنح بين عجزه العسكريّ، وضعف موقفه الدولي، فلولا ثباتُ مقاتلي الجيش واللجان الشعبيّة في الجبهات، وصلابةُ الشعب اليمني أمام الحصار والحرب الاقتصادية والقصف الشامل، لقرابة أربعة أعوام، ما كان للمجتمع الدولي الذي أنتج هذا العدوان أن يحيد أبداً عن مواقفه أَوْ يدعي ذلك حتى، وطالما أن الواقع الميداني يشهدُ بتطور حالة الصمود اليمني عسكريًّا وسياسيًّا واجتماعياً، فيمكن القول بكل ثقة: إن المستقبلَ يحملُ المزيدَ من التحولات التي ستطيح بالعدوان تماماً.

قد يعجبك ايضا