اليمن ٢٠١٦ .. عام البيانات والتصريحات الكاذبة

 

ونحن على أبواب استقبال عام جديد، يتم الإشارة عادة إلى أهم ملفات العام الراحل. ولعل الأخبار الكاذبة المضللة المتعلقة بحرب اليمن هي واحدة من أبرز موضوعات عام 2016.
في هذه الحالة لم تكن وسائل الإعلام والصحافة الغربية – كما هو معتاد – هم الجناة الرئيسيين بل المسؤولية عن هذا التضليل جاءت بشكل أساسي من حكومات رسمية دولية وعربية.
وفي هذا الصدد، نشر موقع “ميدل ايست اي” البريطاني تقريرا للكاتب، بيتر اوبورن، يشير فيه أن أحد أهم صناع تلك الأخبار الوهمية كانت الحكومة البريطانية، خصوصا عندما كان الأمر يتعلق بالبيانات الوزارية الرسمية حول الحرب المأساوية التي مزقت اليمن.
وذكر التقرير أن أحد تجليات هذه الثقافة للأخبار الكاذبة جاء من فيليب دون، وزير الدولة لشؤون مشتريات الدفاع، الذي قال للبرلمان في مايو “تقيمنا أنه لم يتم استخدام أي أسلحة عنقودية بريطانية الصنع ولا يوجد تورط لطائرة بريطانية في استخدام تلك الأسلحة في الصراع الحالي في اليمن”.
لكن الاثنين الماضي، أضطر وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون أن يقر أمام البرلمان أن قنابل عنقودية بريطانية الصنع قد تم استخدامها بالفعل في اليمن من قبل المملكة العربية السعودية.
وأوضح التقرير أن تأكيدات فيليب دون المضللة حول القنابل البريطانية هي مجرد حلقة في سلسلة طويلة من البيانات المكتوبة والشفوية الغير صحيحة التي قدمها الوزراء البريطانيون بشأن اليمن.
وذكر أن قائمة الجناة شملت أيضا فيليب هاموند، وزير الخارجية السابق ووزير الخزانة البريطاني الحالي، حيث قال في فبراير 2016 أن بريطانيا قد “قيمت” أنه لم يكن هناك أي خرق للقانون الدولي الإنساني في اليمن من قبل قوات التحالف التي تقودها السعودية.
وأشار الكاتب أن التفسير الأكثر دقه لهذه البيانات الرسمية الكاذبة – مثل بيان هاموند – هو أنه جزء من محاولة متعمدة لخداع الرأي العام والتستر على القتل الجماعي الذي يقوم به حلفاء بريطانيا في اليمن بقيادة السعودية.
وفي سبتمبر 2016 نشرت صحيفة “الجارديان” موضوعا بعنوان “اليمن ومبيعات الأسلحة البريطانية للسعودية” توضح فيه أنه منذ اشتعال الصراع في اليمن في مارس 2015 أصدرت الحكومة البريطانية 37 ترخيصا لتصدير الشحنات العسكرية والأسلحة للسعودية ورفضت الإفصاح للبرلمان عن محتويات هذه الشحنات.
وفي السياق ذاته نشرت الإندبندنت في أكتوبر 2016 تقريرا تكشف فيه عن قيام بريطانيا بتدريب طيارين سعوديين. ونقلت الجريدة عن مايكل فالون، وزير الدفاع البريطاني، تبريره لذلك أن الوزارة تدرب الطيارين السعوديين بهدف رفع كفاءتهم في مجال التصويب وتحديد الأهداف بدقة. لكن النائب عن حزب الأحرار الديمقراطيين في مجلس العموم، توم بريك، وصف تورط بريطانيا في اليمن “بالمخز وسط عمليات القصف السعودية العشوائية التي تطال المدنيين الأبرياء في اليمن في خرق واضح ومسجل للقانونين الدولي والإنساني”.
وعلى الجانب الأمريكي تصر واشنطن دائما على أنها ليست في وارد التدخّل في الصراع الدائر في اليمن. في أكتوبر 2016 صرح المتحدّث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، بيتر كوك، أن بلاده لا تسعى للتورط في الصراع الدائر في اليمن، مؤكدا تقليص بلاده “جهودها” في دعم التحالف السعودي منذ فشل محاولات التوصّل إلى تسوية ووقف إطلاق النار.
بينما في نوفمبر 2016 كشف موقع “ويكيليكس” عن 500 وثيقة تكشف قيام الولايات المتحدة بتوريد كميّات كبيرة من القنابل والأسلحة إلى اليمن والتي تثبت تورّط الولايات المتّحدة العميق في الحرب الدائرة على اليمن.
ويوم الأحد الماضي، نفى وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في مؤتمر صحفي برفقة وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، الذي كان يزور الرياض لمناقشة الوضع في اليمن التقارير التي تفيد بأن الولايات المتحدة قررت تقييد دعمها العسكري للتحالف في اليمن.
وعلى الجانب السعودي، تنفي المملكة دائما استهداف أشخاص أو منشات غير عسكرية في عدوانها ضد اليمن، حيث قال مندوبها لدى الأمم المتحدة، عبدالله المعلمي ، وفقا لما نقلته قناة العربية، أن “قوات التحالف العربي تتوخى أعلى درجات الحيطة والحذر لعدم استهداف المدنيين أو أي منشآت تربوية أو صحية في اليمن”.

وهذا بالطبع على خلاف الواقع، ففي أكتوبر 2016 استهدفت غارة جوية لقوات التحالف مجلس عزاء بصنعاء أسفر عن أكثر من 80 قتيلا و 500 مصاب. وفي أغسطس، أعلنت منظمة أطباء بلا حدود أن أحد غارات التحالف الذي تقوده السعودية استهدفت منشأة تابعة للمنظمة مما أسفر عن مقتل 19 شخصا.
وقالت المنظمة في بيان لها أن “هذه الغارة تعد رابع غارة تستهدف منشآت تابعة للمنظمة الخيرية رغم تأكيدات مسؤولي التحالف المتكررة على احترام القانون الدولي”، مضيفة أنها “غير مطمئنة وغير مقتنعة ببيان التحالف بشأن أن الهجوم جاء عن طريق الخطأ”.
وفي صحيفة “الاندبندنت”، قال روبرت فيسك أن الأكاديميين يجمعون بيانات تشير بقوة إلى أن حملة السعودية تستهدف عمدا القطاع الزراعي في اليمن.
وبحسب ما ذكر فيسك، تقول مارثا موندي، أستاذ فخري في كلية لندن للاقتصاد، أن “تقرير وزارة الزراعة والري اليمنية في العاصمة صنعاء يحصي استهداف 357 مكانا زراعيا في 20 محافظة، بما في ذلك المزارع والحيوانات والبنية التحتية للمياه والأسواق وشاحنات الغذاء”.
وعلى صعيد الانتصارات الميدانية التي حققها عدوان السعودية في اليمن فقد كان لهذا الجانب النصيب الأكبر من التضليل. في أبريل 2015 أعلن المتحدث باسم عملية “عاصفة الحزم” العميد أحمد عسيري أن العملية العسكرية انتهت وحققت جميع أهدافها، حيث الشرعية تمت حمايتها وحركة أنصار الله فقدت كثير من إمكاناتها، معلنا عن بداية عملية “إعادة الأمل”.
لكن حقيقة الأمر منذ أبريل 2015 وعلى مدار عام 2016 لم تتحقق أيا من أهداف العدوان السعودي على اليمن. فلم يستسلم أو يتراجع الجيش اليمني عن المناطق التي استولى عليها ولم تنسحب حركة أنصار الله من مؤسسات الدولة، ولم يتسلم الرئيس اليمني ال عبد ربه منصور هادي مقاليد الحكم والسيطرة في البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، تكبدت دول تحالف العدوان خسائر كبيرة في حربهم ضد اليمن على المستويين المادي والإنساني. ويتضح أن السعودية هي الخاسر الأكبر، حيث كشف المغرد السعودي الشهير “مجتهد” عن خسائر القوات السعودية في اليمن، مؤكدا أنها تجاوزت ال10 آلاف ما بين قتيل وجريح، والخسائر المادية مئات المليارات وكلها في ازدياد ولا أمل في تحسن الوضع.

البديل

قد يعجبك ايضا