بعدما كشفته “هآرتس” عن اللقاء السري مع وزير الخارجية الإماراتي .. هل أصبح نتنياهو قِبلة العرب السرية؟

 

كمن يرتكب جريمة أو فعلا شائنا يستوجب التخفي عن العيون، تسلل وزير الخارجية الإماراتي الشيخ  عبر مرآب تحت الأرض في مدينة نيويورك الأمريكية ليصل إلى الجناح الخاص برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين  بفندق “لويس ريجينسي”، عبر مصعد سري.

 

اللقاء الذي كشفت صحيفة “هآرتس” تفاصيله جرى خلال انعقاد المؤتمر السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، في 28 سبتمبر 2012، وكان “أحد اللقاءات النادرة التي أجراها نتنياهو مع مسئول خليجي بهذا المستوى، منذ توليه منصبه عام 2009.

 

الصحيفة نقلت عن دبلوماسيين غربيين قولهما إن نتنياهو وابن زايد اتفقا بشأن التهديد الإيراني، لكن الوزير الإماراتي أوضح أن بلاده لن تستطيع “تسخين” العلاقات مع إسرائيل طالما لم تحرز تقدما في عملية السلام مع الفلسطينيين.

هذا ما كشفته الصحيفة في عددها الصادر بتاريخ 21 يوليو 2017، وربما ما خفي كان أعظم، إذ يرى مراقبون أنه لا يمكن استبعاد أن يكون اللقاء بين نتنياهو وعبد الله بن زايد تطرق لمسألة سيطرة نظام الإخوان  على الحكم في  آنذاك، وهو ما لم تنظر له تل أبيب وأبو ظبي بعين الرضا.

السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة حضر اللقاء، ومن الجانب الإسرائيلي فإن أحدا لا يدري لماذا كان تحديدا رئيس مجلس الأمن القومي السابق، “يعكوف عميدرور”، والمستشار العسكري لنتنياهو، اللواء “يوحنان لوكر” هم الحضور.

لكن هذا لم يكن اللقاء الوحيد الذي جمع وزير الخارجية الإيراني بمسئولين إسرائيليين، ففي سبتمبر 2016 تناول عبد الله بن زايد آل نهيان الغداء مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة “تسبي ليفني” في نيويورك، وأكد الوزير الإماراتي خلال اللقاء أن بلاده ودولا خليجية أخرى تسعى لدفع علاقاتها بإسرائيل، لكنها تتجنب الإقدام على خطوة تطبيع العلاقات مع تل أبيب حتى تبدي الأخيرة رغبة حقيقية في دفع حل الدولتين، بحسب “هآرتس”.

ابن سلمان ونتنياهو في العقبة

ربما كانت ثمة لقاءات سرية أخرى جمعت مسئولين إماراتيين بإسرائيليين لم يكشفها الإعلام الإسرائيلي. لكن مجمل القول أن هذين اللقاءين لم يكونا سوى غيض من فيض في سلسلة لقاءات سرية بين العرب والإسرائيليين خلال السنوات الماضية.

في 19 أبريل 2016 نشر موقع”الهاشمية نيوز” الأردني المقرب من البلاط الملكي الأردني تقريرا قال فيه إن وزير الدفاع السعودي وولي العهد الحالي الأمير محمد بن سلمان التقى نتنياهو سرا في مدينة العقبة الواقعة في أقصى جنوب  على الحدود مع إسرائيل، وأن من ضمن الموضوعات التي تطرق إليها الجانبان كان “تطوير منطقة سيناء وتنميتها تمهيدا لمشروع ترحيل أهالي قطاع غزة إليها”.

“رامي يتسهار” رئيس تحرير موقع “عنيان مركزي” العبري أكد صحة الخبر، وأشار إلى أن مسئولين إسرائيليين آخرين بينهم رئيس الاستخبارات شاركوا في اللقاء الذي جرى في 11 أبريل الجاري فور انتهاء الزيارة التاريخية للملك السعودي سلمان للقاهرة والتي أعلنت فيها مصر “إعادة السيادة” على جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر للسعودية.

 

وأضاف” يتسهار” :”الآن يمكن القول يقينا أن تصريحات وزير الدفاع موشيه يعالون وآخرين – بأن إسرائيل قد حصلت على تعهدات ملزمة من مصر والسعودية بألا يغير نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير الوضع على الأرض- لديها ما تستند إليه”.

وتابع : ”على ما يبدو حصلت إسرائيل على تعهدات شخصية حاسمة، أشار إليها هذا الأسبوع وزير الدفاع يعالون، تقضي بأن تلتزم السعودية بالحفاظ على الأسس التي جرى التوقيع عليها في معاهدة كامب ديفيد بشان الحفاظ على حرية الملاحة البحرية الإسرائيلية”.

اللافت أن “الهاشمية نيوز” الذي حذف تقريره بعد وقت قصير من نشره لفت إلى أن الجانبين السعودي والإسرائيلي أكدا التطابق التام للأهداف التي تسعى إليها تل أبيب والرياض في المنطقة ومن بينها، مشروع نقل سكان غزة إلى سيناء، ومستقبل الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية المتشددة في الأردن ومصر، والتعاون العسكري بين تل أبيب والرياض بالبحر الأحمر في مكافحة الإرهاب، فضلا عن توسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين.

 

السيسي ونتنياهو في العقبة

في 19 فبراير 2017 كشفت صحيفة “هآرتس” عن لقاء سري جمع وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري وكلا من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني.

اللقاء الذي جرى في مارس 2016 في مدينة العقبة الأردنية، عرض خلاله كيري مبادرة سلام إقليمية، تضمنت الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين بدعم دول عربية.

عرض كيري خلال اللقاء الذي كشف عنه المراسل السياسي للصحيفة “باراك رفيد”، مبادرة سلام إقليمية، تضمنت الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين بدعم دول عربية.

“رابيد” أكد نقلا عن مسئولين بارزين سابقين في إدارة باراك أوباما، تهرب نتنياهو من المبادرة بدعوى أنه سيتعذر عليه الحصول على أغلبية مؤيدة لها في ائتلافه اليميني الحاكم، واقترح سلسلة من الخطوات تقدمها إسرائيل لأجل الفلسطينيين مقابل قمة مع ممثلي السعودية والإمارات.

 

كانت القمة الأردنية هي الأساس الذي أجرى عليه نتنياهو بعد ذلك بأسبوعين اتصالات مع زعيم المعارضة الإسرائيلية “إسحاق هارتسوج” لإقامة حكومة وحدة، فشلت المفاوضات بشأنها بعد ذلك.

في نفس اليوم الذي كشفت فيه الصحيفة أمر اللقاء السري، خرج نتنياهو خلال اجتماع وزراء حزب الليكود واعترف بعقد القمة السرية مع وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني، قائلا أمام وزراء حزبه إنه هو من دعا لعقد القمة في العقبة العام الماضي.

 

نتنياهو في قصر الاتحادية

 

تحت جنح الظلام التقى نتنياهو وزعيم المعارضة الإسرائيلية “هارتسوج” بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القصر الجمهوري بالقاهرة في أبريل 2016. هذا ما كشفت عنه صحيفة “هآرتس” في 12 يونيو 2017.

“يوسي فرتر” الصحفي الإسرائيلي الذي فجّر المفاجأة قال إن اللقاء السري جاء في ذروة الجهود الدولية لرسم الخطوط العريضة لمبادرة سلام إقليمية، مشيرًا إلى أن زيارة نتنياهو وهارتسوج السرّية للقاهرة جاءت على خلفية الاتصالات التي جرت آنذاك في سرية تامة لإقناع نتنياهو بدمج تكتل “المعسكر الصهيوني” بقيادة “هارتسوج” لحكومته.

 

وقال “فرتر” إن اللقاء مع السيسي كان جزءًا من ماراثون محادثات، وإن نتنياهو وهارتسوج قد توجها بعد شهر واحد من قمة العقبة، بطائرة خاصة ليلا من مطار بوسط إسرائيل للقاهرة برفقة عدد من المستشارين والحراس.

 

وفي  جرى نقل نتنياهو وهارتسوج للقصر الجمهوري إذ كان السيسي في انتظارهما. وقد ضغط الرئيس المصري عليهما لاتخاذ الخطوات السياسية اللازمة لدفع العملية السياسية، وفي نهاية اللقاء عاد الوفد لإسرائيل قبل بزوغ الفجر، على حد قول “فرتر”.

إخفاق السيسي

أخفق الرئيس السيسي في مهمته، ففي نهاية المطاف، ضرب نتنياهو بكل هذه الزيارات واللقاءات السرية التي جرت بليلٍ عرض الحائط، على خلفية رفض حزب “البيت اليهودي” شريكه في الائتلاف اليميني الحاكم التوصل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين،

 

وبدلًا من أن يفتح أبواب حكومته لاستقبال هارتسوج، اتخذ نتنياهو خطوة معاكسة تمامًا بضمّ حزب “إسرائيل بيتنا” اليميني المتشدد الذي دعا ذات يوم زعيمه “أفيجدور ليبرمان” لضرب السد العالي للحكومة في مايو من نفس العام، وتعيين ” ليبرمان” وزيرا للدفاع.

 

في القدس المحتلة

 

لكن هذا الفشل لم يحل دون إيفاد السيسي وزير خارجيته سامح شكري للقدس المحتلة للقاء نتنياهو ففي 10 يوليو 2016 نشر المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية “أوفير جندلمان” صورة تضم وزير الخارجية المصري برفقة نتنياهووهو يشاهد نهائى أمام أوروبا المقامة فى فرنسا، فى مقر إقامة رئيس حكومة الاحتلال بالقدس.

 

السؤال الكبير

الكثير من علامات الاستفهام تطرح حول اللقاءات السرية المتوالية للزعماء العرب بنتنياهو في محاولة لدفع عملية السلام وإقامة دولة فلسطينية، في وقت يرى قطاع كبير من النخبة الإسرائيلية نفسها أن رئيس حكومتهم عدو للسلام، لا يمكن في عهده التقدم قيد أنملة في العملية السياسية مع الفلسطينيين.

المحلل الإسرائيلي للشئون الفلسطينية “عكيفا إلدار” نشر تحقيقا مهما بموقع “المونيتور” الأمريكي في نسخته العبرية “إسرائيل بولس” بتاريخ 20 يوليو 2017 تحت عنوان “إسقاط حكومة نتنياهو شرط لابد منه لحل الدولتين”.

نقل “إلدار” عما وصفه بسياسي إسرائيلي بارز- لم يكشف هويته- على اطلاع بتفاصيل الخطوات السياسية الأخيرة إن “المشكلة ليست في إغلاق الفجوات بيننا وبين الفلسطينيين. الحل معروف ومعلوم لدى إدارة ترامب”، مشيرا إلى أنه من أجل إقامة دولة فلسطينية إلى جانب أخرى إسرائيلية قائمة، يجب التغلب على المشكلة الحقيقية، “هذه المشكلة اسمها حكومة نتنياهو”.

 

 و”العلاقات الساخنة”

 

في النهاية، ثمة سؤال أخير يطرح تلقائيا، هو ما إن كانت تلك العلاقات “الساخنة” بين  وتحديدا زعماء ما توصف بـ”الدول العربية السنية المعتدلة”- مصر والسعودية والإمارات والأردن- هي السبب في عدم خروج أي من هؤلاء الزعماء لإدانة الإجراءات الإسرائيلية بالمسجد الأقصى؟ وصدور بيانات رسمية هزيلة بعد تفكير وبشكل متأخر كثيرا؟ ربما كانت الإجابة واضحة.

المصدر :وطن

قد يعجبك ايضا