بعدَ 8 أعوام من الصمود اليمني وصناعة التحولات وفرض المعادلات.. تحالف العدوُّان بلا أقنعة ولا “حصون”

بعدَ مضي ثمانية أعوام على العدوان والحصار الأمريكي السعوديّ الإماراتي البريطاني “الإسرائيلي”، ودخولِ عامِه التاسع، تظلُّ الذاكرةُ اليمنية مُتَّقِدةً لا تنطفئ، والإرادَةُ لا تنكسر، ويستمر صبر وصمود وثبات الشعب اليمني كأُسطورة وأيقونة التاريخ الحديث.

هذا الشعبُ العظيم الذي تجذرت هُــوِيَّتُه وانتماؤه الإيمَـاني، من قول الرسول الأعظم محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-: (الإيمَـان يمان والحكمة يمانية)؛ فهذا البلدُ العريق وشعبه العزيز الذي كان يلملم جراحاته جراء الأوضاع الصعبة التي كان يمر فيها حينذاك وانشغاله بمشاكله الداخلية ووضعه السياسي المتأزم بالصراعات والحوارات بين المكونات السياسية من جهة، والأطراف العميلة من جهة أُخرى.

وبعد ثمانية أعوام على تفاجؤ اليمنيين في فجر الـ 26 من مارس 2015م بشن عدوان غادر من قبل طيران التحالف الذي تقوده أمريكا، لا ينسى أحدٌ أن هذا العدوان اتسم منذ لحظته الأولى بالوحشية والبشاعة والإجرام، حيثُ إن أول ضحاياه كانوا المدنيين الآمنين والنائمين في منازلهم، وكان أول أهداف العدوان الغادر هي الأحياء السكنية في صنعاء العاصمة والمحافظة وفي مناطق متفرقة من البلاد، ثم شمل العدوانُ ضربَ وتدميرَ المصالح العامة والمنشآت الحيوية والخدمية والتعليمية والإنسانية، وجعل العدوُّ من عدوانه على بلدنا وشعبنا حربًا استباحيةً لكل شيء وبدون أي مبرّر أَو شرعية يستند عليها في عدوانه، بل كان استنادُه إلى غرائزه الشيطانية وميوله الإجرامي ونهجه الاستعلائي، كما استند إلى حماية سياسية من دول الاستكبار الصهيوأمريكي، كغطاء سياسي وتواطؤ أممي مفضوح، وتشويه وتشويش إعلامي واسع، وشراء كُـلّ المواقف؛ لدعمه وتأييده من كُـلّ الأطراف والمحافل الدولية والإقليمية، وفي زمن بيع فيه الضميرُ الإنساني بأبخس الأثمان وعلى نحو غير مسبوق في التأريخ الحديث، تصدى الشعب اليمني له وصمد أمامه بثبات المؤمنين وصمود الصابرين وحنكة القيادة العظيمة، وبشجاعة نادرة واستبسال لا نظير له، قدَّم من خلاله تضحياتٍ عظيمةً ومواقفَ مشرِّفةً على مدى ثَمَانِي سَنَوَاتِ من العدوان والحصار، وقد ارتبطت ذكرى الصمود مع كُـلّ عام منه بحصاد للإنجازات والانتصارات وإطلالة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، يرسُمُ من خلالها ملامحَ كُـلّ مرحلة قادمة من مراحل المواجهة والتصدي للعدو والصمود أمام مساعيه الاستعمارية الوحشية العدوانية.

 

كُلُّ الأقنعة سقطت.. ردة فعل معاكسة:

السيد القائدُ -في خطابه الأخير- وضع حَدَّا للغط الذي دومًا ردّده التحالف العدواني؛ للتشويه والتشويش على العالم عبر مبرّرات عدوانه وحصاره على الشعب اليمني، التي اتسمت بالكذب والتضليل وتزييف الحقائق التي تكشفت على مدى ثَمَانِي سَنَوَاتِ، حَيثُ أكّـد السيد القائد في خطابه للشعب اليمني والأمة الإسلامية والعالم على حقيقتين رئيسيتين كان دومًا في كُـلّ خطاباته يؤكّـد عليهما بالتوصيف الواضح المعزز بالأدلة والشواهد والإثباتات:-

الحقيقة الأولى: طابعُ العدوان الذي وصفه بأنه عدوان أمريكي بامتيَاز عبر عملائه الإقليميين (السعوديّ والإماراتي)، إضافة إلى الدور البريطاني الإسرائيلي المساند.

الحقيقة الثانية: أهدافه التي تسعى إلى احتلال اليمن والسيطرة على شعبه ومصادَرة حقه الطبيعي المشروع في حريته واستقلاله.

من هذا المنطلق وعلى هذا الأَسَاس، يستطيع أي متابع وقارئ وناشط ومفكِّر وسياسي أَو ثقافي أَو باحث أَو حتى شخص عام وعادي، أن يضعَ أمامه المشهد اليمني في قراءة صحيحة متجردة عن الدوافع السياسية والانتماءات الضيقة؛ لكي يقرأ المشهد على حقيقته، من خلال المجريات والمراحل والتحولات والحقائق الناصعة، التي عرَّت أمريكا والتحالف العدواني، وكشفت الوجهَ القبيحَ لها، وفظاعة جرائمها التي ارتكبتها ضد الشعب اليمني على مدى ثَمَانِي سَنَوَاتِ من القتل والتدمير والحصار؛ فالأحرار فقط في هذا العالم هم من يستطيعون تجاوُزَ الاستفاقة من الأفيون الصهيوأمريكي الذي وضعه في حملات التشويش والتشويه التي يشنها على الشعب اليمني وكل الشعوب الحرة والمستضعفة في العالم.

ويحق للشعب اليمني اليوم أن يفخرَ بشموخ وإباء بأنه -بعون الله وتوفيقه- استطاع أن يتجاوز ويتغلب على العدوّ، بما حمله من وعي وصبر وصمود وثبات أمام كُـلّ هجمات، مع جيشه المؤمن الشجاع المستبسل الذي مرّغ أنف العدوّ تحت أقدامه وضرباته الموجعة في جميع الجبهات العسكرية.

ولقد حبا الله واصطفى لهذا الشعب قيادةً ربانية تملك البصيرة والحكمة والفهم العميق لكل تحَرّكات وخطط ومؤامرات العدوّ، التي يستهدف بها الشعب اليمني في كُـلّ مراحل العدوان والحصار؛ وهذا ما عزز الصمود، ومهَّدَ الطريقَ للانتصارات التي تحقّقت بفضل الله.

 

منسوبُ الصمود بلغ ذروتَه.. النجاةُ في المنطق:

ومع دخول العام التاسع للصمود اليمني أمام تحالف العدوان فَـإنَّ المتغيرات والتحوُّلات الكبرى التي تحقّقت لبلدنا وشعبنا تعكسُ نفسَها اليوم وبقوة على الساحة الإقليمية والدولية؛ فهذه التحولات الكبرى باتت اليوم واقعا ملموسا وحقيقة واقعية لا يمكن للعدو تجاوُزَها أَو تحجيمها، بعد أن تجسدت في التطور النوعي لقوات الردع العسكري اليمني، التي حقّقت -بعون الله- ملاحمَ كبرى من الانتصارات على جيوش التحالف العدواني، وَأَيْـضاً تجسَّدت على الوضع السياسي الذي بات يملِكُ من القوة ما يستطيعُ بها أن يفرضَ الشروطَ والمطالِبَ المحقةَ لشعبنا، وينتزعُها من الأعداء.

هذه الانعكاسات والتحولات اليوم عززت قوةَ التماسك الاجتماعي الشعبي، وحسّنت الوضع الاقتصادي، عبر الاتّجاه نحو السعي للاكتفاء الذاتي، برغم كُـلّ الظروف الصعبة والعوائق الكبيرة التي خلّفها العدوُّ جراء عدوانه وحصاره.

كما أن متغيراتِ اليوم وتحولاته هي النتاج الطبيعي لكل تلك التضحيات التي قدمها الشعب اليمني، وهي أَيْـضاً المعيارُ الحقيقي لعدالة قضيته ومظلوميته التي يجب أن يدركَها العالم ويقف أمامها العدو ليراجعَ حساباتِه، ويعدل عن مواقفه، ويوقف عدوانه وحصاره؛ لكي لا تتفاقم وتتعاظم هذه التحولات مع الأيّام القادمة عليه وتشكل له مأزِقًا حقيقيًّا لا يستطيع الخروجَ منه بسهوله.

وهذه حقيقة منطقية ترجمتها محصلةُ الصمود اليمني، وبرهنت صحتها الأحداث والمتغيرات والتحولات التي هي على واقع المشهد اليمني.

 

بينَ مارس 15 و23.. العدوُّ بلا أقنعة ولا “حصون”:

إن ثَمَانِي سَنَوَاتِ من العدوان والحصار، وما رافقها من معاركَ ضارية في أكثر من 50 جبهة عسكرية أَو يزيد ضد جيوش التحالف العدواني وقطعان مرتزِقتهم ولفيف الخونة والمأجورين، قد أفضت اليوم إلى فرض المعادلات في توازن الردع مع العدوّ، وخلفت محصلة كبيرة من الخسائر التي تكبدها العدوّ خلال هذه المواجهات، ففي بدايةِ العدوان أعد العدوّ وحشد كُـلَّ إمْكَانياته وقدراته: العسكرية والسياسية والإعلامية والمالية، مستهدفًا بعدوانه ومطبقًا بحصاره على شعب هو في نظره وتصوراته ضعيفٌ؛ ليكون لقمةً سائغة يسهلُ التهامُه وإخضاعُه واحتلالُ بلاده في أَيَّـام وأسابيع قليلة أَو أشهر في أقصى التقديرات والحسابات، التي أعد لها العدو بدقة قبل أن يشن عملياتِه العسكرية، وقد وضع العدوّ لهذا العدوان شعارات ومبرّرات رفعها وأعلنها للعالم لتبرير العدوان والحصار، لم يبقَ منها اليوم سوى صدى يتردَّدُ في أسماع مَن انطلت عليهم هذه الشعاراتُ الزائفة والمبرّراتُ المخادعة التي تساقطت مع الوقت الوحدة تلو الأُخرى، وفضحتها الشواهد الحية التي توالت وتعاقبت مع الأيّام والسنين؛ ففي الشق السياسي لهذه التبريرات المضللة والتي حملت بما يسمى “إعادة شرعية هادي” كمبرّر رئيسي وعنوان بارز في شن العدوان، هذا العنوان المضلل والمبرّر السخيف استخدمه التحالف في عدوانه وحصاره على بلدنا غطاءً على جرائمه التي ارتكبها، حتى وصل العدوّ إلى مرحلة الفشل والعجز في تحقيق أهدافه؛ فأسقط الدمية وناقض كُـلّ التبريرات والشعارات التي كان يدِّعي مشروعية عدواته منها، وخلع شرعية هادي الزائفة بعد فشلِه الذريع وهزائمه المدوية على كُـلّ المستويات.

واستمر التحالف العدواني في تكتيكاته الغبية والمكشوفة؛ ليفرِّخَ من بعد الفارّ هادي “شرعياتٍ” عميلةً متصارِعةً وأرجوزاتٍ لمسرحية هزلية تؤدِّي دورَ خيانتِها وعمالتها وفقَ السيناريو الذي أعدَّه الأمريكيُّ والبريطاني.

وهذا التكتيكُ -بقدر أنه يكشفُ كُـلَّ أوراق اللعبة الصهيوأمريكية في عدوانهم على اليمن وأطماعهم في احتلالها- يؤكّـدُ بدون شك أن رصيد الفشل السياسي لدول التحالف قد تضاعف وبات في حالة من التخبط والتعرّي المفضوح؛ فلا يمكنُهم اليوم تمريرُ أكاذيبهم واستمراريةُ فرضِ تصويرهم للعدوان بأنه صراعٌ داخلي بعد أن فنّدتها جرائمُهم على الشعب اليمني، وفضحتها الحقائقُ والشواهدُ الكثيرة، وبرهنتها التحَرّكات العسكرية الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية والسعوديّة والإماراتية المحتلّة لأجزاء واسعة ومناطقَ وجزرٍ يمنية، وهذه التحَرّكاتُ المعاكسة نسفت كُـلَّ تبريرات وشعارات الأمس وتكتيكات العدوّ اليوم.

أَمَّا على الجانب الآخر، فيما يتعلَّقُ بأكذوبة “محاربة إيران في اليمن”، و”مكافحة المد الإيراني”، فَـإنَّه وبعد ثَمَانِي سَنَوَاتِ من التغرير بمئات الآلاف من القتلى تحت تلك العناوين، قام العدوّ السعوديّ بفضح نفسه وأعلنها أمام الجميع بأن عنوان محاربة إيران انتهى مفعوله دون أية جدوى، وأنه كان عنواناً مزيَّفاً انتهى به المطاف باتّفاق لإعادة علاقات المملكة، مع الجمهورية الإسلامية في إيران، وهنا أطلق التحالفُ العدوان الرصاصةَ الأخيرةَ في نعشِ المبرّرات الزائفة التي استخدمها طيلةَ ثَمَانِي سَنَوَاتِ للتدمير والقتل والإجرام.

حصيلةُ الصمود.. غرورُ العدوّ في طريقِه للنهاية:

ومع كُـلّ هذه المعطيات، والمعطيات الأُخرى التي أفرزتها ثَمَانِي سَنَوَاتِ من الصمود والثبات في وجه العدوان؛ فقد انتهى كُـلّ ما بيد أمريكا وأدواتها من أكاذيب، وباتت المؤشراتُ تقول إن القادم عبارة عن تحصيل حاصل، تحاول السعوديّة ورعاتها من خلاله الخروجَ من هذا المستنقع؛ ولهذا يعاود النظام السعوي العميل -وبدعم دولي وأممي- أن يصوِّرَ الثَّمَانِيَ السنوات المنصرمة بأنها كانت عبارةً عن صراع يمني داخلي، وأن دول العدوان عبارةٌ عن وسيط لحل هذا الصراع، غير أن الوقائعَ والأحداث تؤكّـد أن محاولةَ الهروب السعوديّ الإماراتي من تداعيات غطرستهم خلال السنوات، باتت مكشوفة ومفضوحة، بل إن إصرارهم على السير في هذا الاتّجاه سيقودهم إلى المستنقع الحقيقي، حيثُ إن ما توعد قائد الثورة في خطابه بيوم الصمود الوطني الثامن، في فقرة “قادمون” كفيل بإجبار دول العدوان على التعامل بواقعية والبحث عن الحلول الحقيقية؛ كي تتفادى ما لا تُحمد عُقباه.

ومن خلال وَعِيْدِ قائدِ الثورة في خطاب الصمود –ونظراً للأحداث التي ترجمت مصاديقَ وعده ووعيده– فَـإنَّ كُـلّ الزوايا قد انغلقت بوجه العدوّ المتغطرس ورعاته وأدواته، وارتفع مستوى وعي الشعب وكل الأحرار وإدراكهم، وتتالت انتصاراتُ اليمن في كُـلّ الجبهات؛ لذلك بات العدوّ اليوم على محك، وصار يدرك ضرورة الرضوخ لواقع الحال والمنطق وصوت العقل والمصلحة، على الرغم من محاولات الهروب المذكورة سلفاً؛ لِتكون النتيجةُ والمعادلة التي فرضها اليمنيون بعد ثمانية أعوام، هي: إما أن يبحثَ العدوّ عن الحلول الحقيقية للنجاة من تداعيات غطرسته، أَو أن إصرارَه على الغرور سيجعلُ من العام التاسع من الصمود هو العام الذي سيحملُ معه التحوُّلاتِ الجذريةَ لهزيمةٍ ساحقةٍ لهذا التحالُفِ الأرعن.

 

محمد يحيى السياني

قد يعجبك ايضا