“تيران وصنافير” تتراوح بين مصر والمملكة.. ماذا عن إسرائيل؟!

 

تيران وصنافير إلى الواجهة من جديد بعد صدور قرار عن محكمة الأمور المستعجلة في القاهرة التي قررت إلزام الحكومة المصرية بتنفيذ اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والمملكة السعودية، التي تقر تنازل القاهرة عن الجزيرتين الواقعتين في البحر الأحمر لصالح الرياض.

وقضت المحكمة المصرية بقبول دعوى تطالب بإلغاء حكم القضاء الإداري بمصرية جزيرتي تيران وصنافير الذي صدر في حزيران/يونيو الماضي، وإلزام الحكومة بحكم الأمور المستعجلة السابق في كانون أول/ديسمبر الماضي بتنفيذ الاتفاقية.

جدل قانوني.. بدلالات سياسية

وهذا القرار القضائي أثار جدلا واسعا من الناحية القانونية وفتح الباب على التساؤلات والمدلولات السياسية له، فعلى الرغم من أهميته القانونية والقضائية إلا أن له طبيعة الأمور المستعجلة، والقضاء المستعجل بحكم عمله المقرر له قانونا، لا يتدخل في أساس الدعوى ولا يفصل في أساس الحق إنما فقط يكتفي باتخاذ الإجراءات التي تضمن الحفاظ على الحقوق ومنع التعدي عليها وإزالة هذا التعدي إن وجد دون البت بأساس الدعوى أو الفصل في الحقوق.

ولكن القرار الصادر عن محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بخصوص جزيرتي تيران وصنافير تجاوز حدود الاختصاص النوعي الممنوح للقضاء المستعجل، حيث قضى بإلغاء قرار محكمة أخرى هي المحكمة الإدارية العليا وألزم الحكومة بتنفيذ الاتفاقية، وهذا الأمر ليس من اختصاص هذا القضاء المستعجل، ومن يلزم الحكومة أي الإدارة المصرية بشيء سلبا أو إيجابا بحسب القانون هو جهة القضاء الإداري التي تشكل المحكمة الإدارية(التي أُلغي قرارها هنا) جزءا لا يتجزأ منه، فالقضاء الإداري هو القضاء المختص بالنظر في المراجعات التي تقدم ضد أعمال الإدارة عندما تظهر بصفتها العامة وأنها صاحبة سلطة وسيادة وليس للقضاء العادي التدخل بعمل الإدارة اللهم إلا إذا كانت تتصرف على أساس أنها طرف من أطراف القانون الخاص، وبكل الأحوال وبعيدا عن هذا البحث القانوني فإن القرار الصادر عن محكمة الأمور المستعجلة في القاهرة بخصوص تيران وصنافير هو قرار قابل للاستئناف أمام محكمة الغرفة المختصة بقضايا الأمور المستعجلة في محكمة الاستئناف.

وهل هذا القرار القضائي الصادر مع كل ما يشاع حوله من تجاوز للاختصاص الممنوح له، يحمل دلالات سياسية معينة أم أنه مجرد اجتهاد قضائي لهيئة المحكمة سواء أخطأت أم أصابت؟ وهل هذا القرار هو أحد التداعيات السياسية للقمة العربية في الأردن وما عُقد على هامشها من تواصل بين المسؤولين المصريين والسعوديين توّج بلقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز؟ وهل يسعى النظام المصري إلى إيجاد تبرير قضائي للعودة إلى تطبيق الاتفاقية التي وقعت بين الطرفين؟ وأي أسلوب ينتهجه النظام المصري في مسلسل تيران وصنافير وأي ثمن يريد أن يقبضه كي يسلمهما بشكل نهائي إلى المملكة السعودية؟ وهل يدرك هذا النظام ماذا يفعل بالمنظومة القضائية المصرية عندما يستخدمها بهذه الطريقة لإصدار أحكام غب الطلب تخدم غاياته السياسية؟

الاندفاعة المصرية والأداء السعودي..

وبالمقابل لماذا لا نرى التحرك السعودي الموازي لنظيره على الضفة المصرية بخصوص تيران وصنافير؟ ولماذا نوحي بأننا سنحصل على هاتين الجزيرتين بأساليب فيها شيء من الريبة والشبهة؟ فطالما أن تيران وصنافير هما سعوديتان فلماذا لا نبادر إلى مطالبة السلطات المصرية لتسليمهما فورا ودون أي عوائق أو إجراءات أخرى سواء كانت قرارات قضائية أو مراسيم تنظيمية أو أو حتى خطوات تشريعية برلمانية؟ ولماذا علينا أن ندفع ثمن أراض لنا السيادة عليها وباعتراف المصريين أو بالأحرى باعتراف السلطة السياسية المصرية؟ اللهم إلا إذا كانت تيران وصنافير ليستا لنا ونحن نرغب بوضع اليد عليهما بالتواطؤ مع إدارة الرئيس السيسي الذي يبدو أنه يتعاطى مع هذا الموضوع وفق مصالح مادية ومالية مباشرة، فعندما زاره الملك سلمان في زيارته الشهيرة إلى مصر وتوقيع الاتفاقيات المتبادلة لجلب الاستثمارات السعودية إلى مصر ظهر السيسي وكأنه يتقدم على القيادة السعودية في وهب تيران وصنافير للرياض.

وعندما توقف النفط السعودي لشركة “أرامكو” بقرار سياسي له علاقة بالموقف المصري من الأحداث في المنطقة بشكل عام وسوريا بشكل خاص، عاد السيسي عن رغبته في منح الجزيرتين إلى المملكة، واليوم يبدو أن الأجواء تغيرت باتجاه ترطيب العلاقة بين الشقيقتين اللدودتين ولذلك هناك توجه من القيادة المصرية إلى الضغط باتجاه تمرير قانون نقل السيادة من مصر إلى المملكة في البرلمان المصري بما يخدم المصلحة المصرية في إعادة ضخ المال والنفط السعودي بزخم أكبر في “أرض الكنانة”، خاصة أن مصر تعاني من أزمات اقتصادية كبيرة وتحتاج إلى الدعم السريع لتغطية عجز ما للسياسات المتبعة من قبل إدارة السيسي.

مصالح “إسرائيل”.. والضمانات المقدمة لها

وهذا النزاع المصري السعودي القانوني والقضائي والسياسي مع كل ما يتخلله من ضجة إعلامية وبلبلة في الساحة الشعبية لا سميا المصرية منها، إلا أنه يطرح العديد من التساؤلات حول مدى تعلقه بشكل أو بآخر بالعلاقات العربية الإسرائيلية وبالأخص العلاقة بين المملكة وكيان الاحتلال، وإمكانية أن تشكل هذه القضية بابا من أبواب التطبيع بين الطرفين أو أحد القنوات بالغة الحساسية في هذا المجال، خاصة أن تيران وصنافير تشكلان عصبا اقتصاديا هاما لكيان الاحتلال ووجود السيادة السعودية عليهما يختلف عما لو كانت السيادة لمصر، فمصر موقعة لاتفاقية “سلام” مع “إسرائيل” الأمر الذي لا يوجد مثله مع المملكة، فهل ملف تيران وصنافير سيلزم المملكة بأي التزامات اقتصادية أو سياسية أو حتى أمنية اتجاه كيان الاحتلال أم أن هناك فعلا من أعطى وعودا لـ”إسرائيل” بطريقة غير مباشرة أن مصالحها لن تمس فيما لو انتقلت السيادة على الجزيرتين من مصر إلى المملكة السعودية، ولو صدق ذلك كيف يمكن وصف الموقف السعودي؟

وهنا من الجدير التذكير بما قاله وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق موشي يعلون قبل ما يقارب السنة من الآن، عندما تناول هذا الملف، حيث أعلن أن “إسرائيل طرف في الاتفاق بين مصر والسعودية حول تيران وصنافير وصادقت عليه”، وأضاف أن “إسرائيل صادقت على أن تكون السعودية هي الطرف الذي يفي بالتزامات الملحق العسكري في اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل في هذه المنطقة”، وتابع “كان واضحا لنا أنه إذا نقلت هذه الجزر للمملكة فإن الرياض ستفي بالتزامات مصر في معاهدة السلام وقد تعهدت السعودية بالوفاء بالالتزامات كما وردت في الملحق العسكري”، وأشار إلى أن “الولايات المتحدة صادقت بوصفها الطرف الضامن للاتفاق على التعديلات في الملحق العسكري الناجمة عن ذلك”.

هذا الكلام الخطير لو صدق سيفتح الباب ليس فقط للبحث في تطبيع العلاقات بين الطرفين إنما أيضا في إمكانية حلول المملكة الجزئي مكان مصر في الاتفاقية السلام الموقعة مع “إسرائيل”، كلام لم يرد عليه من الجانب السعودي سابقا فهل سنسمع أي رد عليه اليوم؟

قد يعجبك ايضا