دول عديمة الشخصية، هل ينفع هروبها من استغلال سادتها لها؟!

 

ثلاثاء حامٍ بامتياز برزت فيه ثلاثة مواقف من قبل ثلاث دول مؤثرة في أزمات الشرق الأوسط، تمثلت هذه الدول بـ “أمريكا، السعودية وإيران”، الأولى وجهت إهانة لبعض الدول الشرق أوسطية مدّعية أنها لن تصمد أسبوعاً واحداً من دون الحماية الأمريكية، أما الثانية فحددت من هي الدولة التي تحدّث عنها ترامب موجهة إليها أوامر من “منطق الاستقواء البحت” يحمل رائحة الإهانة القذرة، أما الثالثة فتمثل موقفها بدعوة الدول الخليجية إلى الحوار والتخلص من “أوهام الهيمنة” التي أدّت على حروب مدمرة.
الموقف الأمريكي الجديد القديم
خلال مؤتمر صحفي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم أمس الثلاثاء، قال ترامب: إن بعض الدول في الشرق أوسط “لن تصمد أسبوعاً من دون الحماية الأمريكية”، وإنه يريد منها ضخ الأموال والجنود لدعم جهود واشنطن في سوريا.
ترامب تراجع في حديثه عن الخروج الفوري من سوريا وربما لـ”ماكرون” أثر في ذلك، حيث أضاف ترامب في المؤتمر الصحفي: “سنعود إلى بلادنا نسبياً عما قريب، لقد أنجزنا على الأقل أغلبية عملنا فيما يتعلق بتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا وفي العراق وأنجزنا عملاً لم يكن أحد قادر على إنجازه”. لكنه أضاف “نريد العودة إلى بلادنا، إلا أننا نريد أن نعود بعد أن ننجز ما علينا إنجازه”.
لا شيء جديد في كلام ترامب فقد اعتاد الرجل سياسة “الاستعلاء” وإظهار القوة وذل الأتباع الذين يراهم “ضعفاء وهشين” لا يقدرون على الاستمرار أسبوعاً واحداً دون دعم بلاده لهم، ويطالبهم علناً بدفع المال مقابل “الحماية”، ويظهرهم للعالم أجمع بأنهم “دول عديمة الشخصية والرأي”.
الجبير والاستقواء على قطر
لم يهن على وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن يتم تحقير بلاده كل مرة من قبل ترامب وبنفس الطريقة، لذلك حاول الجبير بسياسته الذكية الماكرة أن يحرف مسار تصريحات ترامب ويوجهها عبر حركات شفتيه نحو “قطر”، معتبراً أن على الأخيرة أن تدفع ثمن وجود القوات الأمريكية في سوريا.
علماً أن ترامب كان قد قال في وقت سابق إن على السعودية أن تدفع المال إذا أرادت بقاء القوات الأمريكية في سوريا، ولكن الجبير فضّل أن يهاجم جارته “قطر” على أن يحفظ ماء وجهه بالصمت على الأقل.
جاء كلام الجبير عقب تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المؤتمر الصحفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم أمس، قائلاً لوكالة “واس ” السعودية “يجب على قطر أن تدفع ثمن وجود القوات العسكرية الأمريكية في سوريا وأن تقوم بإرسال قواتها العسكرية إلى هناك، وذلك قبل أن يلغي الرئيس الأمريكي الحماية الأمريكية لدولة قطر والمتمثلة بوجود القاعدة العسكرية على أراضيها”، مؤكداً أنه “لو قامت الولايات المتحدة بسحب الحماية الأمريكية المتمثّلة بالقاعدة العسكرية من قطر فإن النظام سيسقط هناك خلال أقل من أسبوع”.
هناك على ما يبدو نزعة سعوديّة، ولدى دول أخرى في مجلس التعاون النزعة ذاتها التي تتعلّق بالاستقواء بالأمريكي والغربي بشكل عام، مردّه إلى الضعف السياسي والعسكري القائم رغم وجود الموارد الاقتصاديّة الضخمة.
يقوم النظام الرأسمالي على قاعدة رئيسية تتعلّق بحكم الأقوى، والأقوى هو الأكثر مالاً، ولكن للأسف فإن هؤلاء رغم أموالهم الضخمة ليسوا أسياداً عند الجانب الأمريكي، بل على العكس تماماً، ولربّما حلفاء من الدرجة الثانية على أحسن تقدير.
كلام الجبير معيب، بحقّ بلاد قبل أي طرف آخر، وهو عار عن الصحة، فلا يوجد لأحد أي اعتقاد بأن الدول الخليجية تسقط في حال انسحاب الأمريكي، هذه النظرة أمريكية بامتياز وتسعى للترويج إليها في الوسط الخليجي لأسباب تتعلّق بمصالحها الاقتصاديّة والسياسيّة.
لو كان المنطق الجبيري صحيحاً لكان النظام السعودي أولى بالسقوط من النظام القطري نظراً لإطلاقه العداء في كل حدب وصوب.
لماذا يرمي الكرة في ملعب قطر، وهل السعوديّ فقط من يدفع المال؟ أم إنه يدرك عجزه العسكري على التدخّل هناك؟
نأمل أن يكون مردّ التهرّب السعودي عبر الجبير ورمي الكرة في ملعب قطر، الوعي السياسي كون أن من يقدم على هذه الخطوة إما جاهل سياسياً أو مجنون.
تجدر الإشارة هنا إلى أن السعودية هدّدت مرتين بالتدخّل العسكري، وفي كلا المرتين كان الطرف السعودي على يقين أن المشاهد يعلم أنه غير صادق في ادعائه.
هناك العديد من الدول التي لا تمتلك حتّى جيوشاً ومازالت أنظمتها قائمة منذ عشرات السنين، نعم أمريكا ومن خلال نفوذها السياسي والعسكري قادرة على إسقاط الأنظمة بهيئتها الحاليّة، ولاسيّما أنها تمتلك التجارب الواسعة في هذا الصدد. وتكفي الإشارة إلى أن أمريكا هي أوّل دولة في العالم كانت تمتلك كليّات تخصص بهندسة الانقلابات.
ما الحل؟
لا شكّ أن الحل لا يكمن في الاستقواء بالخارج فنحن أبناء بيت واحد قادرون على إدارة بيتنا الإقليمي لوحدنا دون أي تدخّل أمريكي أو غربي، وبالتالي لا بدّ من الحوار الإقليمي، سواءً الخليجي الخليجي أم الخليجي غير الخليجي.
وتحدث عن هذا الحل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي دعا الدول الخليجية إلى حوار حول الأمن الإقليمي معلناً أمام الأمم المتحدة أنه حان الوقت للتخلص من “أوهام الهيمنة” التي أدّت إلى حروب مدمرة.
واقترح خلال اجتماع للأمم المتحدة حول السلام المستدام، إنشاء “منتدى للحوار الإقليمي”، وتابع ظريف “ندعو من هنا جيراننا في هذا الممر المائي المتقلّب الذي شهد حروباً كثيرة للانضمام إلينا في هذا المسعى”.
قد يعجبك ايضا