رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية والإستشارية اليمني عبدالملك العجري يكتب : في مقولة الولاية في خطاب الحوثي جدلية الغيب والشهادة

 

الولاية والإمامة والخلافة مقولات تستخدم في التراث الإسلامي للدلالة على أعلى وظيفة تجمع بين السلطتين الروحية والسياسية في الغالب وتمتاز مقولتا الإمامة والولاية بإطلاقهما للدلالة على الوظيفة الروحية والقيادة الاخلاقية منفردة .

الولاية أكثر التصاقا بالمذهب العرفاني الصوفي بل هي حقيقته بحسب شودكوفيتش “فهما أمران لا يفترقان بل ان وظيفة التصوف هي المساعدة على ظهور أولياء” .
وتحاول د/سعاد الحكيم-أستاذة التصوف في الجامعة اللبنانية- ان تعطيها بعدا إنسانيا ينفى عنها التصور التقليدي العالق بها كموقف سلبي من العالم فالولاية هي إنسانية الإنسان وهي مسؤولية يرث الولى هموم الناس واقع امة ومجتمع وبيئة يقتلع وجدانه من أماكن القرب ويصبرها في ارض الوقت “.
يستعيض السيد حسين الحوثي مؤسس الجماعة عن مقولة الإمامة في التراث السياسي الزيدي بمقولة الولاية ويعيد تعريفها و بنائها بناء جديدا ويمنحها ابعادا فكرية ومعرفية وتزكوية تتجاوز الدلالة السياسية المباشرة لمقولة الامامة في التراث الزيدي
الولاية تعد من الفرضيات الأساسية للخطاب الحوثي ومفهوم واسع يدل على سلسلة متصلة الحلقات كل واحدة منها تسلم للأخرى ,الله ,النبي ,الإنسان الولي(الإنسان النموذجي ) وولاية الله أصل الولايتين الأخيرتين ,ودائرة تشمل وتربط مجتمع المؤمنين , وهي عملية شمولية واسعة تعنى إعادة بناء الأمة الفرد والمجتمع معرفيا وفكريا ووجدانيا وأخلاقيا ,وإعادة بناء التاريخ على أساسها , ولذلك ينتقد الحوثي اختزالها في بعدها السياسي والإداري( ولاية الأمر) في الفقه السياسي التقليدي عند المتكلمين والزيدية
الولاية من مجالي الشهود الإلهي في عالم الإنسان, و مبداالشهود الإلهي أو الحضور الإلهي هو المبدأ الناظم للبنية الداخلية للخطاب الحوثي ويعني به شهود التدبير الشهود الرعائي لا الشهود الوجودي عند العرفانين (وحدة الوجود)أي الشهود على المستوى الهديوي /المعرفي,والتزكوي/الأخلاقي باعتبار الحقيقة الدينية محتواه في الملا الأعلى . ,يقول السيد حسين الحوثي “لو ترسخ في أذهاننا أن الله شاهد على كل شيء حاضر في كل شيء لتفادينا الكثير من الإشكالات .. “.فهي رابطة دينية وجدانية بين المتولي(الإنسان) والولي(الله) تستدعيها الوظيفة الكبرى للإنسان (خلافة الأرض )ومحايثة للطبيعة البشرية المدخولة بالنقص وافتقارها لفيوض الكامل المطلق ,وهي كعلاقة وجدانيه ليست علاقة رئيس بمرؤوس انها بحسب الحوثي اسمي وارفع علاقة تقوم على الرحمة والمحبة بالإنسان.
وتأسيسا عليه الولاية هي جدل الإلهي والإنساني جدل الغيب والشهادة , والنبوة هي المجلي الأظهر للشهود الإلهي في التجربة الإنسانية التاريخية في المجال المعرفي والهديوي ,ولعل هذا ما حمل المفكر المصري حسن حنفي على النظر للنبوة باعتبارها المعادل الديني للتاريخ . (من العقيدة الى الثورة,ج/4)
واختتام النبوة أعمالها بمحمد (ص)يضعنا أمام مشكل على هذا المستوى من جدل الإلهي والإنساني ,اذ كيف يتجلى الشهود الإلهي في تجريه الإنسان ,وكيف تتحدد شكل الصلة بين الله والإنسان ؟
إن إيقاف السماء إرسال مبعوثيها إلى الأرض فيه دلالة على بلوغ البشرية مستوى من النضج يرفع الحاجة لمبعوثين رسميين , وفي الخطاب الديني عموما القران خطاب الله للإنسان يحتوي خلاصة التجربة البشرية , لكن هل يعني ذلك إن مستقبل البشرية قد كشف دفعة واحدة لحظة التنزيل ؟وهل الشهود الإلهي عند هذه النقطة الزمنية أصبحت علاقته بالإنسان كعلاقة صانع الساعة بالساعة ؟
في الخطاب الحوثي يمثل القران النص الديني المركزي يليها السيرة النبوية من حيث هي التجربة التاريخية الممثلة للقران والمصادق عليها من السماء, وبشان الفراغ الذي خلفه غياب النبي (ص) يستبعد الحوثي “أن يهمل الله هذه الأمة وهي ستواجه قضايا كبيرة ومستجدات كثيرة .يتركها وهي آخر الأمم ويبعث لها نبيا ويقول لها هذا خاتم الأنبياء وكتابا واحدا ثم يقول لها هذا آخر الكتب ثم يقفل الملف “.
والحل الذي يقدمه الحوثي يقترب من تصور المفكر السوداني محمد أبو القاسم ويقوم على فكرة “الوريث “بلغة ابو القاسم “أعلام الهدي “بلغة الحوثي وكلاهما يرتكز على مبدأي الشهود والاصطفاء الالهيين ,يقول أبوالقاسم التوريث هنا “والقائم على وجود الله فعليا في الحركة الكونية هو الحل القرآني لقضية العلاقة بين القران ومتغيرات العصر “ويقول “من خلال الوارث يحل القران مشكلة انقطاع النبوة “(العالمية الاسلامية الثانية ,ص283)
و”الوريث “او “العلم -أعلام الهدى ” لا يتخذ فقط الصورة التقليدية لرجل الدين المتفوق علميا والخبير بفقه نصوص الشريعة ,وعلى حد عبارة الحوثي العلم او علم الهدى ” ليس من انتهى من قراءة رصات الكتب ولا يقاس بكم انجازاته التي أثرى بها المكتبة الإسلامية “المؤهل الحقيقي يتمثل في الربانية التي تربطه بالله وتؤهله لتسديد الغيب ,انه إنسان نموذجي ليس وظيفته الفتيا الفقهية وإنما الهداية بالقران او كما يقول المفكر السوداني ابي القسم حاج حمد “يحمل القران في مبناه ومعناه في وحدة منهجية كاملة… فعنصر استمراريته(اي القران) ليس في نصوصه ولكن في فهم هذه النصوص ضمن المنهج القرآني ……ص284”
.بطبيعة الحال لا اقصد التبشير بفكرة الحوثي هذه ولا يهمني استبرارها من عدمه فما يعنيني في هذه التناول ان مقولة لولاية في خطاب الجماعة ليست نظاما في الحكم بقدر ماهي محاولة لاستصلاح النظام المعرفي التقليدي العقدي والفقهي, ولا هي نظرية في الإدارة السياسية تستمد سلطتها من مؤسسات القهر المادية والمعنوية ,بقدر ما هي نظرية في القيادة الأخلاقية ووظيفتها الرسالية الإصلاحية ,تستمد سلطتها الاجتماعية من رصيدها الرمزي والوثوق الذاتي للجمهور بها ,ومن مشروعها الاخلاقي –وبالتالي انتفاء عنصر القسر والاكراه عنها .
يفضل الحوثي مصطلح “علم /إعلام (=الإنسان النموذجي )على مصطلح إمام /إمامة “الذي ارتبط بالإمامة السياسية التاريخية لا هل البيت في التراث الشيعي على نحو خاص وهو ما يشي بالوظيفة المعرفية والتربوية والسلطة الرمزية “للعلم “- في الخطاب الحوثي- المتمثلة في الترجمة الاجتماعية للخطاب ألقراني والإيناس إلى الحق والقدوة الحسنة التي تفتح السلوك الاجتماعي والأخلاقي والسياسي للمؤمن على أفق واسع من التسامي ,ومعالجة الفجوة بين النظرية الدينية –كما يحتويها النص الديني – والتجارب التاريخية القديمة والحديثة التي تدعي تمثلها في تجربتها , وتتأسس شرعيتها عليها والتي يكشف واقعها عن تعدد وتناقض ينتفي معه واقعية المضمون الاجتماعي للكلية النظرية الإسلامية التي يشتملها النص الديني .
وعلمّية “العلم” ليست رتبة روحية خالصة كرتبة الولي في المذهب العرفاني ولا تمنحه صلاحيات تشريعية كتلك التي للائمة الاثني عشر عند الجعفرية ,وانما فعالية اجتماعية وتاريخية ودينامية تحولية للوعي الفردي وللاجتماع السياسي والأخلاقي الا أنها تتوسل وسائط اجتماعية متمايزة عن تلك التي يتوسلها الفعل السياسي
قد يعجبك ايضا