رسائلُ القوة من الميدان العسكري.. تجهيزاتٌ مرعبة للعدوان

يوماً تلو الآخر تضيقُ الخياراتُ لدى تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ للخروجِ من المأزق الذي وقع فيه، ومع إصراره على الاستمرار في ذات سلوكه فَـإنَّ فرص إحلال السلام تتضاءل حتى تكاد تنتهي، ليتوغل “التحالف” أكثر في المأزق، حَيثُ أكّـدت صنعاء وما تزال تؤكّـد أن السلامَ العادل والمشرّف هو السبيل الوحيد لدى العدوان للخروج بما تبقى من ماء وجوههم، وبالنظر للمعطيات الراهنة في ظل الهُدنة المشتعلة، يبدو أن النظامين السعوديّ والإماراتي ورعاتهما الدوليين يسرعون أكثر في الطريق نحو التصعيد، متجاهلين “إشارات المرور المشروعة والمحقة” التي كرّرت صنعاء وضعها في طريقهم عساهم يتأنون ويسمعون ويغيرون مسار الطريق، لتكون النتيجة الحتمية هي أن يصبحوا كضحايا “التهور” ويصيرون في عداد “المتسابقون إلى المقابر”؛ نظراً للسرعة الفائقة لدى أطراف “التحالف” في التحشيد المتبادل تمهيداً لمرحلة قادمة من التصعيد الواسع، والذي توعدته صنعاء بالرد القاسي الذي سيثبت أن اليمن مقبرة الغزاة، حسب العرف المتعارف عليه تاريخيًّا، وكذلك بحسب الوعيد الوطني المتكرّر وآخره على لسان القائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية خلال تخرج جحافل جديدة.

وفي ظل التحَرّكات التصعيدية المكثّـفة تحت ظل “الهُدنة” التي لم تهدأ بعد، تجدد صنعاء التأكيد على أن استهتار تحالف العدوان ورعاته بجهود السلام وضبط النفس وبالمطالب الإنسانية المشروعة التي تعد مدخلاً للسلام، يعتبر إعلاناً واضحًا من قبل الأعداء باستمرار الحرب على الشعب اليمني وحاجاته، وهي الخطوط الحمراء التي وضعتها صنعاء وأكّـدت أن اجتيازها سيمحو كُـلّ الخطوط الحمر على طريق الرد والردع الذي تبدو ملامحه أكبر وأشد إيلاماً، نظراً لما أظهرته القوات المسلحة اليمنية من تصاعد كبير في القدرات والإمْكَانيات القتالية والعسكرية، وكذلك نظراً لما مارسه العدوان وأدواته طيلة الهُدنة وأكّـدوا من خلالها سعيهم لإعادة شرعية الوصاية والهيمنة على اليمن والإذلال والقهر لليمنيين.

ترك التصعيد أولى وأسلم

وبالتوازي مع صراعات النفوذ في المناطق المحتلّة، وسباق التحشيد السعوديّ الإماراتي المتباين لجحافل الارتزاق والعمالة وإعداد العدة للتصعيد القادم، تواصل صنعاء رص صفوفها وتعبيد طريقها نحو الخوض في خيارات الرد المحقة لاستعادة حقوق الشعب المشروعة التي رفض العدوان إرجاعها بالسلام وأعطى الطرف الوطني حجّـة بالغة لاستعادتها بالسلاح، حَيثُ شهدت العاصمة صنعاء عرضاً عسكريًّا مهيباً خلال تخرج دفعة “هيهات منا الذلة” من ألوية الحماية الرئاسية، بعد يوم من عرض مماثل، وخلال أقل من أسبوع على تخرج الآلاف من الجحافل.

ووسط حضور قيادات الدولة قاطبة، يطل القائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية المشير الركن مهدي المشاط، ليقول كلمته وكلمة الطرف الوطني وكلمة عاصمة الصمود صنعاء الحاضنة لكل اليمنيين الأحرار والممثلة لهم، ويؤكّـد من خلال كلمته ثبات حقوق الشعب، ويحذر من مغبة استمرار المغامرة عليها.

وفي العرض المهيب لألوية الحماية الرئاسية التي أوصلت رسالة مفادها “أن المهام القادمة لكل وحدات الجيش اليمني هي الانخراط في المتارس لنيل الكرامة واستعادة الحقوق وحماية كُـلّ البلد وأبنائه وليس حماية قطاع بعينه”، أكّـد الرئيس المشاط أن المستقبل ينبئ بيمن حر عزيز مستقل سيكون شوكة تخنق كُـلّ من يحاول ابتلاعه، وخطراً على كُـلّ من يتربص به، فيما عرج الرئيس المشاط على آخر المستجدات السياسية والأمنية مخاطباً الأبطال وكلّ من خلفهم وأمامهم بالقول: “نقف أمامكم مع آخر المستجدات السياسية والأمنية على مستوى بلدنا ونقول إن الأحداث من بدايتها إلى الآن أثبتت صوابية موقفنا عندما اخترناه في اليوم الأول من العدوان على بلدنا، فالأحداث الأخيرة أثبتت صوابية هذا الموقف أننا في موقف الحق والدفاع عن بلدنا وموقف الشرف والفخر والاعتزاز”، في إشارة إلى أن سلوك العدوان لم يتغير أمام اتضاح مطالب الطرف الوطني المشروعة، وهو ما زاد من انكشاف أهداف وأبعاد هذا العدوان الصف.

وفيما نوّه المشاط إلى أن “اليمن لا يشكل خطراً على أحد”، إلا أنه أكّـد أن الخطر اليمني لن يستثني كُـلّ من يتآمر على اليمن أرضاً وإنساناً، متبعاً رسائله “سنشكل خطراً عليه وهو يعرف ذلك”، في حين عزز رسائله الممزوجة بين النصح والتحذير بتأكيده على أن “قواتنا المسلحة بالمرصاد لمن يفكر بابتلاع بلدنا، وسنكتب نهايته بإذن الله”، لتكون هذه الرسائل كافية لأن يعيد تحالف العدوان حساباته وتقديراته، لا سيَّما أن آخر العمليات اليمنية النوعية في العمق الجغرافي السعوديّ والإماراتي قبيل توقيع الهُدنة ببضعة أَيَّـام، ما تزال تقرع إجراساً تحذيرية في آذان المعنيين بها.

“كل التحَرّكات المعادية مكشوفة”.. نصيحة للابتعاد عن “الانفجار”

وفيما تأتي رسائل المشاط في ظل هُدنة من المفترض أن يملأها خفض التصعيد الإعلامي والسياسي، إلا أنه أراد بها الرد على تصعيد العدوان المكثّـف ومتعدد الأشكال وفي مختلف الأصعدة، ليعيدهم إلى طريق السلام، حَيثُ أشار بقوله إلى أن “عدونا يحارب في كُـلّ المجالات سياسية، اجتماعية، اقتصادية وأمور كثيرة ويتحَرّك تحت عناوينَ كثيرة طائفية وعرقية ومذهبية، إلا أن شعبنا محصن من كُـلّ هذه الأمراض”، مجدّدًا النصح بالعودة لجادة الصواب.

ومتجاوزاً التصعيد العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي، عرج الرئيس إلى جانب آخر من التصعيد، ليكشف مدى عمق التحَرّكات وحجم التجهيزات التي يبني تحالف العدوان على أَسَاسها تصعيده القادم، حَيثُ أكّـد أنه “في الفترة الأخيرة اطلعنا على الخطة الأمريكية للأيام القادمة وكان منها ما لمسنا أثره مما يسمونهم بالأقيال وأقول هنا لا توجد هناك أقيال ولا هم يحزنون، الذين يتحَرّكون تحت هذا العنوان ليسوا إلا جوارياً في فنادق الارتزاق والعهر، والذي يمثل الأقيال اليمنية، هو أنتم من تدافعون عن الشرف والعرض”، في إشارة إلى العناوين التي يستخدمها العدوان في ظل تحشيده للمرتزِقة في سياق إعداد وقود للحرب، فيما أعطى المشير المشاط فرصة أُخرى لإعادة العدوّ عن هذا المسار الخطير، وأكّـد أن “خطة العدوّ مكشوفة لنا تماماً إلا أننا نأسف مما يسمى داخل هذه الخطة بالمعوقين”، مُضيفاً بالقول “أنصح كُـلّ من يأتي في سياق خطة العدوّ تحت عنوان المعوقين أن أمركم مكشوف وخطة العدوّ أصبحت لدينا مكشوفة وأنه حتى لم يتفضل بعنوان يليق بكم بل تحت عنوان المعوقين الذي وصفه الله سبحانه وتعالى”، مؤكّـداً أنه ومع كشف ورصد كُـلّ تحَرّكات العدوّ، إلا أن الطرف الوطني سيعمل على إبطالها بكل الطرق سلماً قبل حرب، وكلّ هذه العبارات تأتي في سياق إقامة الحجج المتوالية بحثاً عن الطريق الأسلم لكل الأطراف.

وكالعادة جدد المشاط التأكيد على أن استمرار الحال كما هو عليه، وإيغال تحالف العدوان في غطرسته واستهتاره، سيدفع القوات المسلحة اليمنية –اليد الطولى التي يفاوض بها الشعب في مسار الحرب بعد انسداد مسارات السلام– للقيام بواجبها الطبيعي والبديهي والفطري في الدفاع عن حقوق الشعب واستعادة كرامته وسيادته وحريته واستقلاله، في حين حذر ضمنياً من وصول العدوّ في نهاية مناورته إلى نتائجَ عكسية قد تفرضُها عملياتُ رد وردع نوعية قادمة، مؤكّـداً بقوله: “على شعبنا إدراك أن العدوّ يستهدفنا في كُـلّ المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وواجبنا مواجهته في كُـلّ المجالات والرد عليه بكل الإمْكَانيات”.

حقوق ثابتة ومحاولة ابتلاعها يقود لـ “اختناق” قاتل

ونصحاً نحوَ الابتعاد عن “الوسوسة الأمريكية المخسرة”، قال المشير المشاط: “الخطة الأمريكية تعمل على ضرب الوطنية الجامعة والمطلوب من الجميع الدفاع عن استقلال اليمن ووحدته، ونكرّر نصحنا لقوى العدوان، ونؤكّـد أن كلفة السلام أقل بكثير من كلفة الحرب”، ومع كُـلّ هكذا نصح وإرشاد، ترفع كُـلّ الحجج وينطبق قول من قال: “قد أعذر من أنذر”.

وبعد أَيَّـام من تجديد الهُدنة بضمانة أممية وعدت بتنفيذ مطالب صنعاء الإنسانية المشروعة وفي مقدمتها صرف المرتبات والمعاشات لكل اليمنيين الموظفين والمتقاعدين، إلا أن المعطياتِ تؤكّـدُ أن التجديدَ ما يزالُ يحملُ السلوكَ القديم لتحالف العدوان ورعاته والضامنين الأمميين والدوليين، ومع كُـلّ هذا ما يزال الطرف الوطني متمسكاً بضبط النفس ويسعى لتمرير الحقوق المشروعة عبر أذرع السلام رغم ما يحيط بها من شرارات ونيران تصعيد، حَيثُ جدد الرئيس المشاط تمسك صنعاء بالهُدنة في حال حدث تغيُّرٌ ملحوظٌ في سلوك العدوان والأمم المتحدة.

ولفت الرئيس المشاط إلى أن تجاهل المطالب المشروعة والمحقة من قبل العدوان والأمم المتحدة، وانشغالهم بالمطالب التعجيزية والمستحيلة –بحكم استنادها على التصعيد على حاجات الشعب وكرامته واستقلاله– تغلق الأبواب أمام جهود السلام وتفتح كُـلّ المسارات أمام الانفجار.

ويضيف بقوله: “عندما يرفضون حق هذا الشعب ويفضلون الحرب عليه رغم الكلفة الباهظة، عندما يمتنعون عن سداد الرواتب من ثروة الشعب المنهوبة والمسروقة، يفضلون الحرب على ألا تسلّم الرواتب من حق هذا الشعب وثرواته ويفضلون الحرب رغم كلفتها الباهظة، فلا يسعنا إلا أن نقول هي حكمة الله”، في إشارة إلى الشواهد القرآنية التي وضحت كيف يسوق الظالمون والمتغرطسون نفوسَهم إلى المهلكات رغم وضوح وبساطة الطريق الذي من اللازم سلوكه، وهي رسالةٌ تعيدُ إلى الواجهة ما قاله قائدُ الثورة خلال تدشين العام الثامن من الصمود بأن قواتنا ستوصل العدوّ إلى قعر البحر كما هو هلاك فرعون، مع عدم نسيان أن الأخير “فرعون” أغمض عينيه عن كُـلّ حق وَمضى مستكبراً للوصول لأهدافه، غير أنه لم يصل إلا إلى هلاكه.

وكرّر الرئيس المشاط تحذيره بالقول: “نحذّر قوى العدوان من استمرار الامتناع عن سداد الرواتب من ثروة الشعب المنهوبة والمسروقة”، ليضع بذلك آخر “الإرشادات” أمام المغامرين، المقامرين على اقتصادهم وزجاجهم الهش.

واختتم الرئيس المشاط كلمته برسائل هامة أكّـدت أن الشرعية هي للشعب الحر المقاوم المنضوي تحت راية الجمهورية اليمنية الموحدة، وليس المنخرطة تحت عدة شعارات وعناوين ومشاريع مشبوهة، في حين أكّـد من خلال رسالته في هذا الصدد أن عنوان “الشرعية” الذي يستر به العدوّ كُـلّ سوءاته وعوراته، قد بات مكشوفاً ومن غير المجدي الاستمرار في استخدامه بداعي التضليل والتزييف، حَيثُ أكّـد بالقول: “نحتفل تحت هذا العلم؛ لأَنَّه يحفظ لنا الجمهورية وهو شعار الوحدة اليمنية، وسنفتدي بلدنا وسيدنا بأرواحنا أيضاً”، مؤكّـداً أن “الشرعية الحقيقية هي هنا تحت علم الجمهورية اليمنية، الشرعية الحقيقية هي الشرعية التي تمثل الدماء الطاهرة للشهيد صالح الصماد وكل شهداء الوطن”، معززاً حديثه “أن الشرعية الحقيقية، هي من ننتمي إليها ونستقي شرعيتنا من تلك الدماء الطاهرة التي أُريقت في معبد التحرّر والاستقلال لبلدنا وهذا حق من حقنا، سنسعى إليه حتى نناله”، في حين أقفل الرئيس “المحضر” المشهود في كُـلّ الأرجاء بقوله: “نحن لا نبحث شرعيتكم، الشرعية تأتي من البلد وأبنائه وتضحياتهم، فمن يفكر في العبث وابتلاع بلدنا سنكون عظمة في حلقه وشوكة في عينيه ولن يطعم طعم الحياة حتى يكف عن تدمير بلدنا والاعتداء عليه”، وفي هذه الرسالة درس رفع كُـلّ الأقلام، وأسدل الستار على طبيعة الموقف الوطني القادم، وما على العدوان ورعاته وأدواته إلا الاستفادة منه ومن الشواهد والنصائح والوقائع الماضية ليسلم الانتقام.

 

المسيرة

قد يعجبك ايضا