سلاح الطائفية الاستعماري بين الأمس واليوم

الحقيقة/إيهاب شوقي

في المناورات السياسية كما في المناورات الحياتية، يتم استخدام الشيء وضده لذات الهدف، كما يستخدم ذات الشيء لهدفين، وفي الحالتين، فإن المطلوب توفره لاتمام المهمة القذرة، هو أموال طائلة لشراء الذمم والانفاق على تهيئة مناخ خادع للجماهير، كما يتطلب الأمر أيضًا توفر مناخ من الاحباط وفقدان الثقة المجتمعية وسيادة للجهل والوعي المشوه.

هكذا استخدمت الطائفية سياسيًا من طرف الاستعمار لجميع أغراضه، وهكذا يستخدم الاستعمار اليوم سلاح الطائفية بشكل عكسي، حيث يسعى لتحقيق أهدافه عبر الترويج لمحاربة الطائفية التي أجج نارها عمدا!

منذ شهور قليلة، وفي اعتراف نادر، أكد ولي العهد السعودي أن انتشار الوهابية تم بأمر من أميركا، حيث كشف محمد بن سلمان أن سيطرة المذهب الوهابي على بلاده ونشره في العالم الإسلامي خلال الفترة الماضية، كان بطلب من الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة لتوظيفه في محاربة الاتحاد السوفيتي.

وقال في تصريح لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية نصا: (حلفاؤنا طلبوا منّا توظيف الفكر الوهابي المتشدد في الحرب الباردة لمواجهة الاتحاد السوفيتي) وأضاف أن (الاستثمار السعودي خلال الفترة الماضية في المدارس والمساجد حول العالم مرتبط بالحرب الباردة، عندما طلبت الدول الحليفة من السعودية استخدام مالها لمنع تقدم الاتحاد السوفييتي في دول العالم الإسلامي)، وأوضح بن سلمان أنه عقب انهيار الاتحاد السوفيني، فقدت الحكومات السعودية المتعاقبة المسار، مضيفاً أن بلاده اليوم “تريد العودة للطريق الصحيح”.

هنا يمكننا تلخيص الوضع في نقاط سريعة:

1ـ تم استخدام الطائفية استعماريا لتفريق الامة العربية والاسلامية وتفسيخ وحدتها.

2ـ استخدمت الطائفية لمحاربة المد التحرري بداية من جمال عبد الناصر وصولا للثورة الايرانية وحركات المقاومة، تارة عبر الاتهام بالشيوعية، وتارة عبر الاتهام بالصفوية والمجوسية ومختلف العبارات الاستعمارية التي يستخدمها التكفيريون.

3ـ بعد صمود المقاومة والتحرر الوطني امام الهجمة الاستعمارية الخارجية عبر الحصار والاستنزاف في حروب مع التكفيريين، وداخليا عبر التشويه والتخوين ومحاولات خلق بيئة داخلية معادية للمقاومة، التف الاستعمار دورة كاملة على مخططاته ليتحول الى مخطط جديد مفاده ان المقاومة هي الطائفية، وان هناك حاجة لثورة على المقاومة كمرادف للخروج عن الحالة الطائفية البغيضة!

ولأن محاولات الغرب الاستعماري معلومة، فإن الخطاب لا بد أن يوجه للجماهير العريضة، وللشرفاء المشاركين بالحراكات الذين عليهم مسؤولية كبرى في حماية حراكاتهم وتنزيهها عن الاختراقات، وأن لا يكونوا مطايا للاستعمار.

هناك مراحل في التاريخ تتساوى بها الأفعال في الوصف، حيث يتساوى بها الجهل مع الاجرام، ويتساوى بها انتهاز الفرص لتصفية الحسابات السياسية مع الخيانة، ويتساوى بها الطموح السياسي للترقي مع العمالة.

إنها مرحلة حاسمة للفرز الوطني، وليس مطلوبا التخلي عن المطالب المشروعة للمستضعفين، وانما المطلوب هو تهذيب المطالب السياسية وتوجيهها عكس بوصلة الاستعمار.

قد يعجبك ايضا